إنني أدعوا عموم الإخوان إلى استكمال مسيرة تحرير الجماعة وإصلاحها وعدم الالتفات للضغط عليهم بمطرقة ،وأن ذلك يُربك المشهد الثوري ويقضي عليه. يتبع

يقول الدكتور “مصطفى محمود”: إن الإسلام السياسي ليس احتيالاً للوصول إلى الحكم ، فشهوة الحكم إذا أصبحت حلم المناضل المسلم فإنه غالباً ما يفقد إسلامه قبل أن يصل إلى الكرسي، إنما الإسلام السياسي دعوة وتوعية هدفها الوصول للرأي العام ومُرادها توصيل المنهج الإسلامي في بساطته وشموله إلى عامة المسلمين الذين يظنون أن الإسلام مجرد صيام وصلاة وزكاة فينبغي أن نُثبت لهم أنه حياة ومعاملة وعلم ومكارم أخلاق وعدالة وشورى للحُكام وديمقراطية ومشاركة شعبية في القرار”.
تمخّض عن حدوث الثورات ارتباك طبيعي غيّرت حسابات الكثير من الأطياف السياسية نتيجة الطريقة الفُجائية التي تفجّر بها الربيع العربي، وكان ممن تأثر بذلك التيار الإسلامي فهو أولاً كان يمتلك قاعدة شعبية كبيرة نظراً لأن رؤيته هي الأكثر اتساقاً مع تحديات الأمة ومتجاوباً مع الفطرة الإسلامية الوسطية للشعوب، وثانياً: أن التيارات الإسلامية في العالم العربي ملأت الفراغ في أفئدة الجماهير بعد أن انفضت الأخيرة من حول المؤسسات الدينية الخاصة بالدولة التي كانت تعوّق الإصلاح وتحاربه وتقوم بدور المحلل لكل ما يرتكبه النظام الحاكم مما حرم الله ! تعادي من يعاديه وتحابي من يرضى عنه !!
كل هذه الظروف وغيرها استدعت التيار الإسلامي لتحمّل مسئولية سياسية عقب الثورات وقرر الكثير من قياداته المنافسة السياسية بشقيها البرلمانية والرئاسية، وأكدّت نتائج الانتخابات أنه حينما تتوفر للعملية الانتخابية ظروف من النزاهة والشفافية فإنها لن تُسفر سوى ممثلي التيار الإسلامي ومَرد ذلك إلى أمرين:
الأول: تحمّل هذه التيارات لقرون عبء مطالبتها بتوفير حياة كريمة تليق بآدمية الشعوب.
ثانيا: أن الأنظمة الديكتاتورية التي أذاقت شعوبها ألواناً من امتهان الكرامة وأصنافاً من الفساد الاقتصادي والصحي فتفشت الأوبئة وأكل الناس من القمامات كانت تنادي بفصل الدين عن الدولة وسلخ تعاليمه من القوانين والممارسات السياسية في مؤسسات الحكم، لذلك فإن الشعوب عندما أسقطت هذه الديكتاتوريات لجأت إلى نقيضها السياسي والفكري أملاً أن تجد النقيض أيضاً في سلوك الإدارة من الانفتاح على كل الآراء السياسية وإشراك كافة الطوائف في إدارة مؤسسات الدولة وعدم الإقصاء والعدل في توزيع الثروات وتعيين أصحاب الكفاءات.
حاولت الأنظمة الإسلامية الوليدة استيعاب المرحلة السياسية الصفرية التي تمر بها الشعوب وتوجيه ضربات سياسية ضد الفساد بقوة هتافات التحرر في ميادين الحرية، والانتقال من حث الناس على معارضة الفساد والتصدي للظلم عندما كانوا في المعارضة إلى رفع الفساد والظلم وقد أصبحوا في سدة الحكم، ولم يُخيّب الرئيس المصري المعزول الدكتور محمد مرسي الآمال المُنعقدة عليه بتسديد عدة ضربات في عمق النظام المُباركي كادت تقضي عليه وتوقعه صريعاً كنتيجة جنرالات الجيش الفاسدين وإقالة الحارس الأمين للفساد المُباركي “عبد المجيد محمود” من منصب النائب العام.
لكن الرئيس “مرسي” خلع لاحقاً رداءه الثوري وتأخرً مُلتحقاً بالصف الإصلاحي ظناً أن ما أقدم عليه يكفي لبناء دولته وثقة غير مُغتفرة في القيادة الجديدة للعسكر وإيعازاً من بعض قيادات مكتب الإرشاد الذين تسلّطوا عليه فأضروه أكثر مما أضرت به مؤسسات دولة مبارك العميقة والتآمر الدولي !! حتى تولّى انقلاب الثلاثين من يونيو انهاء حالة التهدئة التي ينتهجها الإخوان مع العسكر فهي لم تعد تفي بآمال العسكر وطموحاته ، تقدم الرئيس ” مرسي ” الصفوف المناهضة للانقلاب بثورية مُبهرة ووضع حياته رهناً لنجاح الثورة ونيل مكتسباتها فتحولق المخلصون حوله مجدداً وانتفض داعموه وقدّم الكثير منهم حياته وكرامته ثمناً لحفظ شرعية الرجل وصوناً لانتخاب الشعب له وعلى رأسهم الكثير من قيادات الصف الأول في الإخوان وعموم القاعدة الشعبية للجماعة.
بيد أن مجموعة من مكتب الإرشاد حاولت ترويض الحراك واستغلاله لتحقيق مكاسب شخصية وسياسية وتبلورت أنانية المصالح والإفلاس السياسي لهؤلاء في عرقلة المسار الثوري الذي سلكه ثوار الجماعة وقاعدتها العامة توهماً منهم أن ذلك قد يُؤخر أو يمنع تخطي الزمن لهم وتبلور قيادة جديدة للجماعة تليق بنضالها السياسي والفكري وتتسق مع الظروف الحالية.
إن ما يحدث في الجماعة مؤخراً من انتفاضة داخلية لتحريرها من مُستنقع المصالح والجمود بث بداخلي الأمل من جديد وأنا أرى الشباب يُفكر ويتصدى للخطيئة ولا يستسلم للتيئيس والسكوت عن الخطايا لوهم الحفاظ على وحدة الجماعة وعدم إضعافها لأنه أدرك أن الأخذ على يد المُفسد وتقييد يده عن العبث بمستقبل الإخوان ومن خلفهم الأمة لمصلحة شخصية هو ما يحفظ الوحدة ويقوّي من شوكة الجماعة.
إنني أدعوا عموم الإخوان إلى استكمال مسيرة تحرير الجماعة وإصلاحها وعدم الالتفات للضغط عليهم بمطرقة أن ذلك يُربك المشهد الثوري ويقضي عليه فالعكس صحيح أنتم تربكون العسكر الذي اعتاد السياسة العجوز للجماعة وتغيرّون قواعد اللعب معهم وسيُسجّل التاريخ موقفكم العظيم هذا.
إيمان مسعود
مدونة مصرية
المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها