حكمت عمر تكتب : بركان الدموع

أغمضت عينها في محاولة منها لخداع الحزن وإيهامة أنها قد سبحت في النوم فطاردتها كلمات بناتها وهن يسألنها لماذا أخرجتينا من مدرستنا يا أماه وذهبتِ بنا لهذة المدرسة الأخرى؟ يتبع

حكمت عمر

أخيراً بعد عناء يوم شاق وضعت رأسها المتخم بهموم الزمن على مخدتها .. رفيقة وحدتها وصديقتها الصدوق, مخزن الدموع ومستودع الأسرار .

تنهدت وهي تتذكر يومها كيف كان .. ترقرقت الدموع منها خلسة و هي تتحس مكان رفيق عمرها لتجده خالياً.. فقد أعتقل ظلماً بتهمة الإرهاب رغم شهادة كل جيرانه وزملائه أنه رجل طيب ” ومالوش في السياسة”.

لكن هذه الشهادات الصادقة من الأحبة والجيران لم تشفع له عند قاضي حكم عليه مسبقاً بخمس سنوات مع الشغل .

تحررت الدموع من قيدها وانفجرت كمداً على من فقدتة بغير ذنب ولا جريرة وتذكرت كلماته التي يبث فيها ألمه و معاناته مع سجانيه وهي مكتوفة الأيدي لا تستطيع أن تزود عنه ولا أن تواسيه بكلمات خاوية لا معنى لها أمام ما يلاقيه الحبيب من ذل وهوان.

أغمضت عينها في محاولة منها لخداع الحزن وإيهامه أنها قد سبحت في النوم فطاردتها كلمات بناتها وهن يسألنها لماذا أخرجتينا من مدرستنا يا أماه وذهبتِ بنا لهذة المدرسة الأخرى؟

ماذا تقول  لتلك العيون البريئة التي تطعن بكلماتها قلب الأم المكلوم .. فهي لم يكن أمامها خيار أخر .. فزوجها لا ينتمي لأي فصيل سياسي كي تطالبهم بالتكفل بنفقات البنات او مصاريف  المحاماة والزيارات وما إلى ذلك .. الكل يحاول المتاجرة بمعاناتهم دون تقديم أي دعم او مساعدة حقيقة سوى بعض الصدقات.

وزوجها قد فصل من العمل ومنعت الإدارة صرف مستحقاته المالية بحجة عدم الاستحقاق لأنه “عدو الوطن” فمن أين لها أن تكفل حياة كريمة لهن وتحافظ على مدارسهم الخاصة ونمط حياتهن القديم؟!

لم تجد أمامها بد من إخراج بناتها من المدرسة والتقديم لهن في مدارس حكومية لا عزاء فيها لطالب العلم.

ضربتها أمواج الحياة بعنف وعصفت بحياتها الهادئة لكنها تنام كل يوم على أمل  أن أسرتها ستعود لسابق عهدها إن لم يكن أفضل .. بالأمل فقط يمكنها أن تعيش ليوم أضافي . 

هذه القصة ليست لشخصية بعينها ولكنها مستوحاة من المأساة المصرية المتجسدة بكامل هيأتها في المرأة .

فتلك المسكينه وقريناتها لا يجدن من ينظر اليهن بعين الرحمة ولا من يرفق بهن .. تتلاذعهن الألسنة و ترمقهم العيون فهذا يقول عنها إرهابية والأخر يقول عنها “سيساوية بس جوزها اتاخد غلط ” جردت الناس من معانى الرحمة والإنسانية المطلقة دون القيد الأيدلوجي .. كل منا يخلق لنفسه الحجج الواهية حتى لا يكلف نفسه عبء السؤال عليهن والدفاع عن حقهن في الحياة الكريمة كإنسان له مطلق الحرية في اختيار نمط حياتة كما يعتقد أنه الأصلح له في الدنيا والأخرة.

فتش عنها ستجدها تتألم في صمت حتى لا تُلام.. ستجدها في تلك المرأة التي قال لها زوجها في ساحة المحكمه ” أشهد الله أنك من أحب الخلق لي ولكنك طالق ” حتى تستطيع صرف معاش والدها وإطعام الصغار .

كيف باتت ليلتها في هذا اليوم العسير وكيف بمن لم نسمع بهن وليس لهن سند ولا معاش والد ولا غيره؟

بعد مرور الزمن لابد أن يتوقف كاتب الأساطير كثيرأ أمام صمود هؤلاء النساء الشامخات أمام مصاعب الحياة الصابرات على فراق الحبيب ولوم القريب.

تحية لكنّ أينما كنتن .. طبتم وطاب ممشاكن .

——————

حكمت عمر

مدونة مصرية

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها