علي زلط يكتب: سامحني يا براء!

أقصى ما أتمناه اليوم أن تسامحني يا براء، أخطأتُ حين اقتطعت من أعوامك الثلاثين عامين للحزن، ليس ذنبك و لا ذنبي. يتبع

الإعلامي المصري الراحل البراء أشرف

يا أيها الطفل المسجى بالفرح، أحتاجك فعلا أن تسامحني، لقد كنت من أكثر الساخطين على بعض ما تكتب .. و كنت أنت تدرك ذلك، كنتَ لو سلكت طريقا في القاهرة أو الدوحة أسلكُ طريقا آخر، إن أقبلت أدبرتُ، إن بششتَ عبستُ و توليتُ .

كانت لقاءاتنا بالمصادفة نتحاشى تكرارها، حتى اقتحمت علي ذات نهار تكشيرتي، قابلت صدودي عنك بابتسامتك الراضية المستهينة بما يوغر الصدور.

لازلت أذكر ذلك اللقاء العابر و الأخير بيننا .. ناديتني “عم علي” .. بسطت يدكَ مصاحفا وأنا بسطتها -بعدك- متثاقلاً .. انفجرتُ فيك غضبا و قلتُ: “هل من الإنصاف و الرجولة ألا تواجه السيسي بذات الرصاص الذي أطلقت به كلماتك في وجه مرسي؟ “، نحيتَ أنت السياسةَ جانبا “حقك علي، أنا مش جبان، لكن المناخ العام تقلص” .. جاوبتك “مما كسبت أيديكم,, و يعفو عن كثير” ، رددت “أنا أبسط من أن تحملني وزر كل ما كان”.

 نعم يا براء

لقد وضع الكبار لنا الفخ فسقطنا، ولا يزالون ينصبون فخاخهم، يتمسكون بأكبر خطاياهم في حقنا، يواصلون جريمة وصايتهم على حق جيلنا في أن يجرب .. أن يغضب .. أن ينتفض .. يبكي .. يثور .. أن تضحك ملء وجهك السعيد .. أن تقفز قفزة الثقة و لو إلى المجهول .

و بعد هات و خذ .. و قيل و قال .. رتبت على كتفي مهدئا “أنا حتة كاتب خواطر يا علي .. أنا مش السيسي .. و برضه غلطت ، و من فينا لم يغلط ؟. 

أطرقت برهة، و تغشانا صمتٌ داهمٌ  .. شعرت حينها أني و أنت يصدق فينا عنوان للكاتب الكبير فهمي هويدي في مقال صار كتابا:  “جند الله في المعركة الغلط”.

أنا فعلا لم أنتبه إلى أنك “واحد من الناس .. زي كل الناس ” ، و حين كان مناخ الحرية منفردا انفردت، حلقت بنقدك الموجع أحيانا، اعترفت يا براء أننا حين أسقطنا مرسي سقطت الديموقراطية و هي الأهم .. لكنك كنت تردد ما اتفقنا عليه ” يا عزيزي كلنا مخطئون”، و هو ذات الشعور الذي ينتابني حتى تنقشع الغمامة و تذهب السكرة و تحضر الفكرة.

علي زلط, صحفي مصري

يا براء .. نحن ننعى فيك جيلنا اليتيم، بعد أن شق حناجرنا هتاف سقوط النظام، صرنا اليوم كحال ليل غزوة الأحزاب .. حال الخوف و الريح تعصف، و أحدنا ” لا يأمن على بولته” فكيف على كلمته في زمن التحريض على القتل و الحض على الكراهية “،و احنا شعب و انتوا شعب”! .. المنع و القتل و الرصاص و القهر و الوجع يحول بيننا و بين ما نشتهي .. كل ما تمنيناه  رشفة حرية ضنّ بها العجزة من كل تيار و مؤسسة و حزب و دولة .. صادروا طفولتنا و حلمنا المولود، لا أريد أن أرتكب ذات الجرم مع أنجالي ، من حق أطفالنا علينا ألا نختار لهم، ألا نرتكب ما ارتكبه جيل النكسات .

الموت يتخطف جيلنا يا براء .. بالرصاص تارة و بالحزن تارة أخرى ، ضيعنا عامين في البيع المتبادل في محطات الثورة من “محمد محمود” و حتى “رابعة” ، أدمنّا التلاوم و التنابز و التثاؤب، فات العمر و صار الولدان شيبا .

أقصى ما أتمناه اليوم أن تسامحني يا براء، أخطأتُ حين اقتطعت من أعوامك الثلاثين عامين للحزن، ليس ذنبك و لا ذنبي ، حُمّلنا يا براء أوزاراً من زينة القوم الذين جاوزوا الخمسين ، فرضوا علينا معاركهم فتبارزنا في حبِّ أو كرهِ لعجلهم المقدس.

 

لك فضل أنك بدأت بالسلام .. و بسبب مبادرتك وضعت الحرب أوزارها ، و استوت النفوس على الجودي ، و لكن بعد أن سبقت إرادة الله .. “إنك ميت وإنهم ميتون” .

السلام عليك يا براء و رحمة الله و بركاته ..

السلام عليك و على عباد الله الصالحين ..

نحسبك كذلك و الله حسبك و يغفر لنا ولك . 

سامحني من فضلك 

علي زلط

صحفي مصري

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها