أحمد سلامة يكتب: إصغاء القلوب ورضاء النفوس

الإصغاء هو وظيفة الأذن، لأنها مدخل المعرفة ووسيلتها إلى العقل للفهم والتحليل والتقييم، ويتبع ذلك الفهم إرسال إشارات من العقل الذي هو أداة التمييز. يتبع

“وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ” (113- سورة الأنعام).

الإصغاء هو وظيفة الأذن، لأنها مدخل المعرفة ووسيلتها إلى العقل للفهم والتحليل والتقييم، ويتبع ذلك الفهم إرسال إشارات من العقل الذي هو أداة التمييز، إلى القلب الذي هو مكان الإحساس والعزائم، لكي يتأثر ثم يقوم بدوره بإرسال أوامر إلى الجوارح لكي تقوم بالعمل وتتحمله.

 فالطريق الطبيعي هو الأذن، ثم العقل، ثم القلب، ثم الجوارح، وفي بعض الأحيان تكون هذه الوصلات الطبيعية غير سليمة قال تعالى: “وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (179-سورة الأعراف).

وأي قطع في هذين الطريقين، بين الأذن والعقل، أو بين العقل والقلب، فإن الإنسان لن يفهم ويدرك إذا كان القطع في الواصلة الأولى، ولن يشعر أو يحس إذا كان القطع في الواصلة الثانية.

وقد ضرب الله مثلاً لانقطاع الواصلة بين جارحة الأذن والعقل؛ فالحيوان لديه جارحة الأذن ولكن ليس لديه وظيفة العقل، فهو يسمع ولكنه لا يدرك، فمثله كمثل الذي يسمع الكلمات والدعوة إلى الحق والخير ولكنه لا يفهمها. قال تعالى: ” وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ”. (171- سورة البقرة). وقال تعالى:” وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ” (16- سورة محمد).

والذي نلاحظه الآن أن هناك جماعة من المتصدرين لتوجيه الرأي العام ولديهم القدرة على سلب العقول واستحلال الحرمات، من خلال مهارات العرض وتقديم الأفكار وتلبيس الحقائق، بينما يستسلم المتابعون لهم كأن كلامهم لا يمر خلال العقل، بل يمر من الأذن إلى القلب مباشرة ليستقر ويتمكن و ينبني عليه أعمال الجوارح.

وفي كل يوم تظهر فكرة جديدة، وتطرح قيمة جديدة تنتهك، ويعرض مبدأ جديد لينتزع، وتتناول حرمة جديدة ليتجرأ الناس عليها، يتم كل ذلك في غياب من عقل المتلقي دون أن يدري، فهذا هو إصغاء القلب.

أما الرضا والاقتراف فهو رغبة النفس وميولها وهواها، الذي تستجيب من أجله لكل دعوى، بغض النظر عن علاقتها بالعقل أو المنطق، وليتمادى أصحاب الأهواء والمعجبون بأنفسهم والمستسلمون لأصحاب الأصوات العالية والمنطق المغلوط، قال تعالى ” وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ” (113-سورة الأنعام).

 قال تعالى: “أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44- سورة الفرقان).

فمن خلال إصغاء القلوب، ورضا النفوس، واقتراف الجوارح، يقع الناس أسرى للتأثر بالباطل وتبنيه في غياب منظومة العقل.

ولنقرأ قوله تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ  وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (20-25 سورة الأنفال).

 

أحمد سلامة
مدون مصري

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها


إعلان