شيماء جلال تكتب: فقدته منذ 17 عاما .. والآن وجدته

لم يكن أبي سليط اللسان أو باطش اليد، كان أبا حنون يرى فينا حلاوة الدنيا ومتعتها .. رغم أني كنت الابنة الرابعة له. لم يحزن أبي أو يتذمر. يتبع

كنت في الـ12 من عمري حين ودعت أبي خلف الثرى، لم أكن حينها أدرك ما هو المفهوم الحقيقي للموت، فكنت أتخيل أن أبي سيغيب عنا فترة من الوقت ويعود مرة أخرى.

لطالما جلست أنظر من النافذة وأنتظر قرع جرس باب المنزل؛ كي أذهب لأختبئ خلف أحد جدران البيت أو على أحد الأسرّة، واحتمي بغطاه طمعًا في أن أفوز بقبلة على جبيني أو خدي من فمه العطر فور عودته إلى المنزل، فقد كنت أهوى أن يداعبني كطفلة مدللة، ولقد كان أبي يجري معي وأجري خلفه، وكنت أهوى سياسة الاختباء كثيرا منه ليبحث عني ويقذفني بيديه إلى السماء.

لم يكن أبي سليط اللسان أو باطش اليد، كان أبا حنون يرى فينا حلاوة الدنيا ومتعتها .. رغم إني كنت الابنة الرابعة له. لم يحزن أبي أو يتذمر، بل استنار وجه وسعد كثيرا حين ولادتي وأسماني “شيماء” وسبحان من يزرق من يشاء بغير حساب. فرضا أبي كان سببا في أن يُرزق بأحمد أخي الصغير الذي جاء قبل وفاة أبي بـ7 أعوام فقط.

رحل أبي ولم يرحل عنا فكانت أمي دائمة الحديث عنه. كنا نتطلع وننظر إلى صوره وذكرياته معنا دوما، فكان طيفه لا يغادر خيالنا وكنا نشتاقه كل يوم وكل ليلة، لاسيما في المناسبات والأعياد حينها كنا نشعر باليتم الحقيقي.. حقا لم نكن نشعر بلذة العيد أو شهر رمضان دون أن يكون أبي حاضرًا بيننا.

مرت سنة وراء الأخرى، حتى انقضت على وفاة أبي نحو 17 عاما، وبين طرفة عين وانتباهها وجدته .. نعم وجدت أبًا لي يحنو عليّ .. يدللني كطفلته .. يقبلني في جبيني حين يستيقظ من نومه .. وجدته بعد حرمان 17 عاما.

وجدت شريك عمري وجدت من هو أقرب إلي من نفسي. وجدت من رزقني الله حبه من حيث لا حول مني ولا قوة، وجدته زوجا وأبًا وصديقًا وحبيبًا، وحتى كتابة تلك السطور يكون قد مر على زواجنا نحو شهرين ونصف الشهر، استشعرت خلالها أني وجدت ما فقدته منذ سنوات عدة انقضت؛ وكأن الله أراد أن يكفكف دموع سنوات عدة من ذي قبل.

كنت أتخوف كثيرا من فكرة الزواج بسبب تجارب الكثيرات من حولي، وكنت أبحث عن السكن والرحمة كما وصف القرآن الزواج؛ وشاء الله أن يرزقني بـ” محمد” كي أتخلى عن كل هذه المخاوف الكثيرة التي تحطمت على صخرة واقع جميل لم أكن أتخيله في أحلامي.

ما أجمل عوض الله حينما يأتيك على غير موعد، فلله الحمد والمنة على أن رزقني زوجا وأبا حنونا طيبا يحيطني بين عينيه وقلبه، يعاملني وكأنه طفلته وأعامله كأنه أبي .. أدام الله ليّ هذا الأب والزوج والأخ والصديق.

شيماء جلال
صحفية ومعدة برامج تلفزيونية – مصر

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها