تحدث الشيخ الشعراوي رحمه الله عن علاقة الجيش بالسياسة، كما تحدث الشيخ كشك، و قبلهما الرئيس محمد نجيب، وكل تلك الأحاديث تتلخص في خطورة تجييش السياسة أو تسييس الجيش.. يتبع

تحدث الشيخ الشعراوي -رحمه الله- عن علاقة الجيش بالسياسة، كما تحدث أيضا الشيخ كشك طويلا عن تلك العلاقة و خطورتها و قبلهما تحدث الرئيس محمد نجيب عن تجربته، ونقلا عن نصائح النحاس باشا، و كل تلك الأحاديث تتلخص في خطورة تجييش السياسة أو تسييس الجيش.
الحقيقة أنهم اختصوا الجيش و السياسة لأنهما ضمانة أي دولة للأمن و الحرية، وأكاد أجزم أنهم -رحمهم الله- لو كانوا أحياء الآن، ورأوا ما نحن فيه لطبقوا تلك المبادئ على مناحي الدولة الأخرى: كالإعلام، والقضاء، والشرطة، والجهاز البيروقراطي في الدولة؛ و لكن الحالة الأبرز الأن التي تضر خندق الدولة المدنية هو التداخل الإعلامي السياسي، وهي حالة لا تقل خطورة عن سابقتها لان تدخل الإعلامي في السياسة أو تدخل السياسي في الإعلام سيسقط الإعلامي و سيسقط السياسي.
إنني أؤمن بالتخصص كما أؤمن أيضا بديمقراطية اتخاذ القرار ودكتاتورية تنفيذه؛ و لكن ما يحدث في الآونة الأخيرة في الشأن المصري حالة توهان كاملة واستقطاب داخل المعسكر المناهض، والمعارض للانقلاب، حسمه الآن مؤقتا رأس المال، وستحسمه في النهاية المبادئ والثبات عليها، كما حدث في 30 يونيه 2013 من نجاح مؤقت للمال، ثم بعد ذلك تبخر المال، وبقيت المبادئ التي تمسكنا بها من قبل الانقلاب.
يجب أن نضع في اعتبارنا أن كل معارض لا يصلح مناهضا للانقلاب، بينما المناهض قد يتحول لمعارض للانقلاب؛ ولكنه سيتخلى عن كثير من مبادئه، وسيسقط أمام أنصاره حتما مهما طال الوقت.
وجدنا في الآونة الأخيرة إعلاميين، ومسؤولي إعلام يتدخلون لصالح سياسيين بالتوقيع، والمساندة في البيانات السياسية، وسواء أكان هذا بوازع الوطنية، أو بوازع المصالح المشتركة؛ ولكن هذا حتما ينتقص من حيادية هذا الإعلامي، وضمير هذا المسؤول، فكيف ستكون إدارتك لحوارك على نافذتك الإعلامية إذا كان ضيفيك أحدهما: من وقع معك البيان، والأخر من رفض التوقيع على هذا البيان؟ وإذا افترضنا أنك فوق البشر، و ستتمالك نفسك وتلتزم بحيادتيك في الأسئلة، والضغط على الضيفين، وتوزيع عادل للوقت بينهما، فهل سيستطيع ضيفك أن يمحي من ذاكرته أنك تناهض فكره؟!
لم نر خلال هذه المرحلة هذه الحالة، لأن هؤلاء الإعلاميين والمسؤولين قرروا التخلص من هذا الحرج عن طريق إقصاء الأخر من الشاشة نهائيا حتى لا يرى المشاهد إلا رأيا واحدا و أشخاصا لا يمثلون إلا فكرته.
ولعل أيضا التخصص كما يكون بداية طريق النجاح أيضا عدم التخصص يكون بداية الفشل، وهناك مهتمون كثر بالشأن المصري يخرجون على الشاشات بغزارة؛ و لكنهم لا يتركون بصمة لدى المشاهد، وآخرون لم يخرجوا على الشاشات وتركوا بصمة لهم في كتاب أو موقع تواصل و أصبحوا معروفين أكثر من هؤلاء.
وفي اعتقادي أن التخصص هو أول أسباب هذا النجاح و المقولة الخالدة العبقرية في نظري: “أن من يفعل كل شيء يفشل في كل شيء”، فلا أتصور أن ينجح أحد و هو يطرح نفسه إعلاميا صباحا، و فنانا ظهرا، و سياسيا عصرا، و ثوريا في المغرب، وحكيما في العشاء !!!
و إذا نجح مثل هذا فيكون سقوطه حتميا، وكذلك إذا قام السياسي بنسيان دوره و تطوع للعمل الإعلامي سواء في تقديمه أو إدارته سيسقط حتما و الأدلة كثيرة و كذلك أيضا لدينا نماذج متعددة عن أكاديميين نالوا احترامنا وحينما دخلوا العمل السياسي فشلوا فشلا ذريعا شهد عليه القاصي و الداني إلا أنفسهم.
هذا التداخل جعل هناك سيولة فكرية في أطروحات مربع المطرودين من جنة السيسي والتي تجد قبولا لدى معارضي الانقلاب و بعض المناهضين له، و سبب أنها أهملت وهوجمت، ولم تنجح لأنها تحركت بنفس أفكار 2013 التي لم يكن حينها قد صعد اليمين المتطرف في أمريكا، و لم يكن قد ظهر السلام الدافئ بين السيسي وإسرائيل بعد، كما أن ثورة سوريا لم تكن تحارب بمثل تلك الطريقة لتركعيها، ولم يكن حينها قد تطرف خطاب الرئيس الفرنسي هولاند، ولا تقدم اليمين المتطرف في أوربا في استطلاعات الرأي.
ولأن المعارضة المصرية لا تزال تلعب بنفس الوجوه التي شاركت في المشهد قبل 30 يونيه، ولم يعد لهم قبول إقليمي، ولا وزن دولي و هذا ما عجل سقوطهم لأن أطروحاتهم هذه لم تستوعب تطورات المرحلة من تطورات دولية و إقليمية.
———————
عمرو عبد الهادي
سياسي ومدون مصري
المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها