المفلسون سياسيا هم من يستأسدون على قطر ويجمعون أمرهم على حربها بينما تنعم إسرائيل بالأمان والسلام وتواصل استيطانها في الأراضي الفلسطينية وضرباتها للمقاومة فكل الظروف تصب في صالحها
المفلسون ليس اسم رواية أفكر في كتابتها، ولا فلما عربيا أتابعه، ولا حتى مسلسلا عرض في رمضان، بل أقل وصف يمكن أن يطلق على اجتماع وزراء خارجية الدول الأربع المحاصرة لقطر الذين اجتمعوا بالقاهرة في أكثر مؤتمر سياسي ساخر شهده العالم منذ عقود.
اجتمع أصحاب السعادة في القاهرة بعد انتهاء المهلتين وخرجوا ببيان غير مفهوم وفارغ من كل شيء سوى كيل الاتهامات المعتادة انتهى بإعلان اجتماع آخر في المنامة، ثم طلب ساخر لقطر برسم السعادة على وجوه الناس والكف عن مضايقة الشعوب؛ وكأن المجتمعين اجتمعوا على خشبة مسرح لتأدية مسرحية ’’قطر والإرهاب ’’ المملة والتي ينقصها الحس الدرامي وتفتقد الحبكة الفنية كافتقارها لممثلين يتقنون تأدية أدوارهم ولا ينتظرون اتصالا هاتفيا من مخرج أمريكي كترمب ليلقنهم دورهم كل على حده.
العرب المجتمعون تحت الظل المصري بدوا مرتبكين وكأن حدثا ما فاجأهم فأفسد عليهم سعادتهم وبهجتهم بما جنت أيديهم من حصار وحروب ضد الأشقاء فقطر أخطر عندهم من إسرائيل .
المفلسون سياسيا هم من يستأسدون على قطر ويجمعون أمرهم على حربها بينما تنعم إسرائيل بالأمان والسلام وتواصل استيطانها في الأراضي الفلسطينية وضرباتها للمقاومة فكل الظروف تصب في صالحها، بل إن الحديث بدأ يجري عن التطبيع بين العرب وإسرائيل تقوده المملكة العربية السعودية ومصر، فإسرائيل لم تعد عدوهم الأول فهم مشغولون بصناعة الإرهاب ومحاربته.
وصناعة الإرهاب ومحاربته تعيدنا إلى التسعينيات حين رعت المملكة العربية السعودية تنظيم القاعدة تحت شعار الجهاد الأفغاني لإسقاط الاتحاد السوفيتي وبمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية ومن يومها ظهر ما يسمى بتنظيم القاعدة والجديد أنه انتقل من حليف للدولة العظمى أمريكا والمملكة العربية، إلى عدو يجب استئصاله وتلك من العجائب والتناقضات أن تصنع إرهابا ثم تحاربه في نفس الوقت.
المفلسون هم من يجتمعون لدراسة الخطوات التصعيدية ضد قطر وليس إيران التي يعتبرونها عدوا ويخشون نفوذها في المنطقة ويطلبون من الدوحة قطع العلاقات معها ويتهمونها بموالاتها على حساب مصلحة الخليج، فإيران تهمة والعلاقات معها جهرا جريمة بنسبة البعض.
رغم أن الإمارات تتمتع بأكبر علاقات اقتصادية معها وكذلك الكويت وسلطنة عمان وهو أمر مضحك وجديد في عرف السياسة والدبلوماسية واحترام السيادة الدولية حين تطلب دولة من دولة أخرى قطع علاقات مع دول أخرى أو سحب قواعد عسكرية من أراضيها، وهذا لا علاقة له بالقانون الدولي أو العرف الدبلوماسي أو حتى السياسة.
هذه عقلية استعمارية لا تليق بمكانة السعودية لدى المسلمين وتدخل ضمن البلطجة والكيد ولا يمكن تفسيرها إلا أن القوم يريدون كسر قطر وفرض الوصاية عليها، وربما لولا القواعد العسكرية الموجودة في الدوحة لكانت الآن تحت الاحتلال السعودي أو شهدنا عاصفة حزم أخرى ضدها ولاشتعل الخليج والشرق الأوسط كله .
فالخليج ومنذ الخامس من يونيو/حزيران الماضي تاريخ قطع العلاقات مع قطر وفرض حصار عليها وأزمته تشتعل يوما بعد يوم، وبدأت الخشية من نشوب حرب فيه لا تبقي ولا تذر في ظل التعنت السعودي والإماراتي ومحاولات لي الذراع ومطالبهم غير المنطقية وكذلك التصعيد الاعلامي المتجاوز لكل القيم والمبادئ المهنية فيما بات يعرف بحرب الخليج الباردة.
فما يحدث أشبه بما حدث في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية بين الاتحاد السوفيتي من جهة والولايات المتحدة الأمريكية، ولم يتجه الطرفان يومها إلى المواجهة المباشرة بل كانت حربا سياسية واقتصادية وإعلامية وحروبا بالوكالة فيما عرف عبر التاريخ بالحرب الباردة .
فإلى أين تتجه حرب الخليج الباردة في ظل عدم نجاعة الوساطة الكويتية؟ أو على الأصح محاولات المفلسين سياسيا فرض شروطهم وعدم استعدادهم لتقديم تنازلات أو الجلوس لطاولة المفاوضات؟
المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها

