هل تدرك الدولة المصرية ومؤسساتها الفاعلة أن ما يحدث في مصر الآن يمثل تطبيقا على الأرض لرغبة القوى الدولية في إضعاف مصر؟
في هذا المقال ما زلت أواصل ما طرحته في المقال السابق عن موقف القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه مصر، وحالة حقوق الإنسان وماذا يريدون من مصر.
إن الحالة المصرية ما بعد الثالث من يوليو/تموز 2013 وحتى مرحلة السيسي الحالية أراها تمثل امتدادًا للمخطط الاستعماري تجاه مصر، والذي يرتكز على إضعاف مصر في علاقة السلطة أو القيادة الحاكمة بالشعب، وكذلك إضعافها في علاقتها بالمنطقة، وهذا ما تعيشه مصر فعليا، عبر قبضة أمنية عسكرية تولد عنها انتهاكات متصاعدة للحريات وحقوق الإنسان، و يُعد الوضعُ المثالي لاستمرار التبعية والهيمنة؛ فمصر في أضعف حالاتها فيما يتعلق بعلاقاتها العربية وكذلك علاقة حكامها بالشعب إذ أصبح التسميم السياسي يسري في دماء المشهد المصري.
لذلك فإن القوى الفاعلة في مصر مطالبة بالإجابة على أسئلة مهمة للغاية وتطرح نفسها بقوة لتتضح الرؤية في رسم ملامح القادم في المشهد المصري وهي:
هل تدرك هذه القوى الفاعلة في المشهد المصري سواء في الداخل أو في الخارج، والمعارضة والقوى الثورية، وكذلك السلطة أهداف الموقف الغربي الأمريكي وأبعاده الحقيقة؟
هل تعتقد القوى الفاعلة في التيار الإسلامي والتيارات الوطنية الأخرى أنها ستكون محل ترحيب من الغرب عموما وأمريكا خصوصا إذا نجحوا بالديمقراطية، أو أن الغرب سيدعمون حقوق الإنسان التي تم انتهاكها في مصر، في ظل أحد ثوابت التيار الإسلامي والقوي الوطنية المتمثلة في رفض الاحتلال الصهيوني لفلسطين ورفض التبعية والهيمنة الغربية الأمريكية على مصر؟
هل من الممكن أن ينتصر الغرب وأمريكا لقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية في مصر والمنطقة العربية في ظل السلام الدافئ، والاندماج الكامل للسلطة في مصر، وهرولة دول إقليمية للتطبيع وإقامة التحالفات مع الكيان الصهيوني المحتل؟
هل هناك إدراك بأن مطالب التغيير لأجل الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل من أجل الاستقلال عن الهيمنة والتبعية تتصادم جميعها مع إستراتيجية أمريكا في مصر والمنطقة والتي تستوجب مواجهة أي تغييرات والعمل على تصفيتها وتفريغ المنطقة منها؟
ما حدث ويحدث في دول الربيع العربي والمنطقة حتى اللحظة، ويشارك الغرب فيه، ألا يفسر الصمت وغض الطرف تجاه القتل والقمع وانتهاكات حقوق الإنسان والديمقراطية؟
هل تدرك الدولة المصرية ومؤسساتها الفاعلة أن ما يحدث في مصر الآن يمثل تطبيقا على الأرض لرغبة القوى الدولية في إضعاف مصر، وأن النظام بمسلكه الحالي ينوب عنهم في القيام بمهمة تصفية تلك القوى الوطنية الرافضة للإرادة الصهيونية الغربية؟
هل تدرك السلطة في مصر مبدأ كيسنغر والقائل (أن الخطر الحقيقي في هذه المنطقة سوف يتمركز حول عدم القبول بالإرادة الإسرائيلية)، وتري السلطة أن القبول بالإرادة الإسرائيلية هو الضمانة الأساسية لاستمرار دعم الغرب وأمريكا لها وما يحدث على صعيد حقوق الإنسان والديمقراطية وغيرها ما هو إلا نتيجة طبيعية لذلك؟
هل يدرك الجميع أن الغرب وأمريكا ينظرون إلى أن استقرارًا من نوع ما في مصر إذا كان مطلبا ملحا لمصالحهم فإنه يجب ألا يكون من خلال من يمثلون هوية مصر الإسلامية؛ ولكن من خلال القوى العلمانية التي تعمل وفقا للرؤية الغربية، ويفتقدون الظهير الشعبي وهذا ما يتطلب دعما من القوة العسكرية المهيمنة في مصر؟
ألا يطرح الانقلاب الفاشل الذي عاشته تركيا في الخامس عشر من يوليو/ تموز 2016 أسئلة ويقدم إجاباتها -من خلال أحداثه وما تكشف من الأدوار وردود الفعل الأمريكية والأوربية والإقليمية -لجميع القوى في مصر حول ما يريده الغرب وأمريكا وآخرون من مصر والمنطقة؟
إن فهم موقف الغرب وأمريكا من حالة حقوق الإنسان والديمقراطية يضع الجميع أمام حقيقة مفادها أن الديمقراطية وحقوق الإنسان فيما يتعلق بمطقتنا مجرد دعاوى وأدوات ضغط.
منذ الثالث من يوليو/تموز 2013 وما تلاه من أحداث لأول مرة في تاريخ مصر، بلغت ذروتها في رابعة والنهضة وهناك من يؤملون دعم الحكومات الغربية وأمريكا (عبر نافذة الديمقراطية وحقوق الإنسان) في ملاحقة النظام على جرائمه وانتهاكاته في حق المصريين، والدفع نحو مسار الديمقراطية والحرية.
وفي سبيل ذلك تم اتخاذ خطوات متعددة عبر وسائل متنوعة ساهمت بدون شك في تعريف شعوب العالم بما حدث من انتهاكات في مصر ومثلت أيضا نوعًا من الحرج للحكومات الغربية أمام شعوبها.
غير أنه على مدار سنوات مضت من السعي لمحاسبة النظام المصري وتقديم المسؤولين عن الانتهاكات للمحاكمة لم ينتج عن القوي الدولية سوي التصريحات والتوصيات على استحياء دون إجراءات عملية على أرض الواقع؛ ولكن مازال للحديث بقية.
المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها