عن الإرادة المذهلة والإلهاء وأشياء أخرى

في السادس عشر من يوليو الماضي قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي تركيب بوابات اإكترونية وكاميرات مراقبة متطورة على مداخل المسجد الأقصى لإحكام سيطرة دولة الاحتلال على الوافدين للمسجد.

كان القرار ينفذ جزءا من الاستراتيجيات الموضوعة لديهم والتي تنشط فيها مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الدينية لتهويد مدينة القدس وطمس معالمها الإسلامية.

ويعمل الصهاينة على فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين بأحقيتهم المزعومة في إقامة صلواتهم داخل المسجد، بل وبأحقيتهم في أرض المسجد نفسه وهي الاستراتيجية التي يكون في خاتمتها بناء هيكل سليمان بعد هدم المسجد كما تصور أدمغتهم المريضة.

وعندما قرر نتنياهو ذلك لم يكن يخطر بباله أنه ارتكب في الحقيقة غلطة عمره بل لم يخطر بباله أن تنقلب معادلة الصراع العربي الإسرائيلي وأن يرتد ذلك السهم المسموم إليه، وبالفعل اصطدمت هذه السياسة الرعناء بالمشاعر المتفجرة للمصلين على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم وفصائلهم، وواجهوا ذلك القرار بأجسادهم وأرواحهم وصاروا علي قلب رجل واحد.

ووصل الأمر إلى أن أجهزة الأمن أوصت نتنياهو في نهاية الأمر برفع كل الإجراءات التي تقيد حركة الدخول للأقصى لان الوضع في طريقه لانفلات كبير تصعب السيطرة عليه في الحقيقة.

لم يكن نتنياهو وهو يتخذ هذا القرار المذل والمهين للمصلين في الأقصى ولأمة المليار ونصف المليار مسلم،   لم يكن يتخذ هذا القرار بمعزل عن تهم الفساد التي تلاحقه وهي من ثم محاولة منه لتحويل الانتباه وصرف الأنظار داخل  الوسط الإسرائيلي، لأنه إذا  تمكن في فرض الواقع الجديد بقراره الأخير ووفق الاستراتيجية الموضوعة فإنه يكون  قد حقق بذلك رصيدا  كبيرا ربما يزيد من شعبيته وبقائه في رأس السلطة ورغم أنها سياسة إلهاء وصرف أنظار إلا أنه الهاء يخدم في نهاية المطاف الدولة الإسرائيلية ذاتها ويتفق مع مصالحها وتوجهاتها الأيديولوجية.

كما يحقق جزءا من المراحل التصعيدية ببناء هيكل سليمان كما قدمنا وتلك السياسة التي تخدم غرضين في وقت واحد تذكرنا بتلك الضربة اليتيمة التي وجهها ترمب لقاعدة الشعيرات العسكرية في سوريا في الشهور الماضية لأنه كان في حاجة لتغطية فضيحة تزوير الانتخابات الرئاسية، التي جاءت به للحكم وصرف الأنظار عنها وفي الوقت نفسه، والإيحاء لشعبه بجبروت الولايات المتحدة وتأديبها الفوري للمعتدين الذين قصفوا الأبرياء بالأسلحة الكيميائية، وهذا هو المعيار الذي يقيس به نتنياهو و دونالد ترمب مصالحهم ويدارون به سوءاتهم.

ورغم أن سياسة الإلهاء يتضح مفهومها ومقصدها في أخر الأمر لدي الأغلبية إلا أنها تنجح علي الأرجح في خلق قاعدة ولو قليلة ممن تنطلي عليهم الخدع والمكر السيئ.

للأسف فان هذا الإلهاء يلجأ إليه بعض الجنرالات المستبدين في عالمنا العربي، إلا انه دائما يستهدف الدمار وموت الأبرياء من ذات الشعب، ومن ثم فإنهم يستقطبون هذه القلة القليلة كما أشرنا والتي تصدق التمثيليات المتقنة في محاولة لتحقيق موازنة ولو بصورة أقل بين مواطنيهم.

ومع ذلك فان هؤلاء الجنرالات عندما يسلكون مثل هذا المسلك القبيح فإن أول ما يستقر في الأذهان هو تهاوي شعبيتهم إلى الحضيض وفشلهم المتكرر في نهوض الدولة.

ومع هذا فإن هذه الإرادة القوية الصلبة وهذا الصمود الذي أظهره المرابطون والفئة القليلة في أبواب الأقصى أمام قرارات نتنياهو إنما هو مثال جيد لتحقيق النصر عندما تتحقق الإرادة وإخلاص الأعمال والنيات لرب العالمين.

هذه الإرادة القوية المذهلة للمرابطين من جهة أخري إنما كانت تعلن بوضوح أنها تتبرأ تماما من حكومات الخذلان والخزي والعار والعمالة.

إنه ليوم خالد في تاريخ أمتنا الإسلامية الذي سجل فيه المرابطون المقدسيون أروع صور الفداء لأن إرادتهم واحدة وكلمتهم واحدة وشهادتهم واحدة.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها


إعلان