رسالة إلى قادة الإخوان المسلمين

إن الدماء التي يسفكها النظام العسكري المجرم في مصر كل يوم، والقتل الممنهج لخيرة شبابكم عز الأمة، وسر قوتها، تتحملون جزءًا من مسؤوليتها بصمتكم وعدم تحرككم للحفاظ على أبنائكم.

لا خير فينا إن لم نقلها، ولا خير فيكم إن لم تقبلوها” إن قوة الصف من قوة الرؤى وتنوع الآراء الداخلية فيه، وليس من هؤلاء الذين لا رأي لهم، ولا يقدرون على مراجعة الأوامر ومناقشتها؛ الذين يسيرون بلا عقل وبلا تدبر في المآلات؛ هؤلاء ضررهم أكثر من نفعهم!

إن الفاروق عمر رضي الله عنه لم يتح الحرية للمعارضة فقط، بل ومنع الافتتان بالقادة وإلغاء عقل ودور الأفراد، وهذا واحد من الأسباب التي دفعت عمر إلى عزل خالد والمثنى معاً وهما في قمة انتصاراتهما. بل لقد سهر الفاروق علي توفير المناخ الملائم للمعارضة البناءة، وبينما قطعت فيها أشد الجماعات ديمقراطية خطوة واحدة، قطع هو فيها خطوتين، إذ إنه لم يكتف بإتاحة المجال الواسع لأبناء أمته أن يعترضوا، وإنما حثهم حثاً، ودفعهم دفعاً على الاعتراض، وكان يُهمه ويشغل باله أن تفقد أمته إحساسها العميق بالحرية، وألا تتشرب دماؤها أحاسيس النقد والرفض، إذ يتحتم أن يُنقد عمل ما، ويُرفض إذا اقتضى الأمر.

خطب عمر يوماً على منبر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، فقال:” يا معشر المسلمين، ماذا تقولون لو ملت برأسي إلى الدنيا هكذا، وأمال رأسه، فقام إليه رجل فقال: أجل، كنا نقول بالسيف هكذا، وأشار إلى القطع، فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في رعيتي من يقومني إذا اعوججت”. وقال حذيفة رضي الله عنه: دخلت علي عمر يوماً فرأيته مهموماً حزيناً. فقلت له : ما يٌهمك يا أمير المؤمنين؟ قال: إني أخاف أن أقع في منكر فلا ينهاني أحد منكم تعظيماً، قال حذيفة: والله لو رأيناك خرجت عن الحق لنهيناك. فسر عمر وقال: الحمد لله الذي جعل لي أصحاباً يُقومونني إذا اعوججت.

وعن الحسن ابن علي رضي الله عنهما قال: كان بين عمر وبين رجل كلام في شيء. فقال الرجل: اتق الله، فقال أحد الجالسين: أتقول لأمير المؤمنين اتق الله؟ فرد عمر: دعه فليقلها لي، فلا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نقبلها.

إنه يريد أن يقول للناس: إنه سيظل واحداً منهم، سيظل معهم، ولن يفصله عنهم منصب الخلافة مهما عظم واتسع سلطانه، إنه يدرك كما أدرك الرسول وأبو بكر من قبل، أن فتنة الناس بقادتها خطيئة كبيرة، تجردهم من أكثر الأسلحة أهمية في قدرة الأمة على مواصلة نموها التاريخي وحيويتها ورشدها سلاح التعامل المتكافئ، والاختيار، والرفض، وإلا فإن الافتتان يُحيلهم أدوات عمياء”. (نقلا عن كتاب القيادة والسلطة في التاريخ الإسلامي للدكتور عماد الدين خليل).

من هنا فإن الدماء التي يسفكها النظام العسكري المجرم في مصر كل يوم، والقتل الممنهج لخيرة شبابكم عز الأمة، وسر قوتها ومستقبلها، تتحملون جزءاً من مسؤوليتها عبر صمتكم وعدم تحرككم للحفاظ على أبنائكم، وحمايتهم من البطش والسجن والتصفية الجسدية التي فاقت الحصر.

إنكم مسؤولون أمام الله عن إيجاد الحماية له؛ هذا الصف الذي انفرط، وهؤلاء الشباب الذين سالت دماؤهم دون مقابل. إننا نضعكم أمام مسؤوليتكم؛ تلك التي اختاركم صفكم لها، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لوضع حد لهذه المأساة، وإيجاد مخرج لهذه الأزمة، والبحث عن حل لتلك المشكلة التي كنتم سبباً من أسبابها!

لو أن قلوبكم تضرمت، وأصابكم ما يُصيب الثكلى، لبكيتم عليهم، واستحى النوم من خذلهم، حتى تجدوا فرجاً ومخرجاً لهم، ولكنهم للأسف لا بواكي لهم. فقد أبردكم الخلاف، وألهاكم التكاثر والجدال، وأنستكم إداريات عقيمة لا فائدة من ورائها! لقد بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه الحمزة، وضم أبناءه، وصنع لهم الطعام، وقال لما سمع البكاء على شهداء الأنصار: لكن حمزة لا بواكي له.

فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير إلى دار بني عبد الأشهل أمرا النساء أن يبكين الحمزة، ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بكاءهن، قال رحم الله الأنصار فإن المواساة منهم ما عتمت قديمة، مروهن فلينصرفن. كما جاء في سيرة ابن هشام.

كل هذا الحزن على حمزة رضي الله عنه الشهيد في سبيل الله يوم أحد، فما بالكم بشهيد بلا معركة ودون ثمن! ولقد خطبنا الأستاذ على لبن منذ عشرين سنة فقال: المؤمن لا يموت فطيس. فتدبروا!

ولو أنكم على نهج الإمام المؤسس حسن البنا لما طال عليكم العمر، ففي محنة عام 1948 كان هدفه هو إخراج المعتقلين، وتركزت كل جهوده ومساعيه حول تحقيق هذا الهدف، وقد بلغت المأساة في ضميره ذروتها، مأساة تلك البيوت التي فقدت من يعولها، وفقدت الأمن والسعادة والطمأنينة.

لم يسترح باله ولم تقر نفسه المعذبة ولم يهدأ قلبه الأسيف الحزين، ولم يتوقف صراخ أطفال المعتقلين عن الدوي في أذنيه، حتى يرى أباؤهم وقد أُفرج عنهم وعادوا سالمين إلى بيوتهم. وقد كان يستيقظ في الليل ويضع كلتا يديه على أذنيه ويقول:” إنني أسمع صياح الأطفال الذين غاب آباؤهم في المعتقل”! وقال البعض له: لقد اعتقلوهم جميعاً وتركوك.

فما الحكمة؟ إنه من الخير أن تخرج إلى سوريا أو الحجاز أو باكستان، فرفض، وقال: هذا هو الجبن، كيف أترك هؤلاء في المعتقلات ولا أسعى لإخراجهم؟!

وكتب له الإخوان من المعتقل يقولون: دعك من أمرنا، وخذ الطريق الذي تراه، ولكنه أصر على أن يٌخرج هؤلاء حتى يستريح.

حتى متى يا قادة الإخوان تتركون إخوانكم الشباب الذين هم لبنات صفكم تُسفك دماؤهم ويٌقتلون دون جريرة وبلا ثمن؟! وحتى متي تتركون قادتكم بالآلاف يٌعتقلون ويُسجنون لسنوات طويلة، وترسل أوراق المئات إلى المفتي لإعدامهم؟!وحتى متى تشاهدون بناتكم ونسائكم تُسجن وتُهان؟ ومواردكم الاقتصادية تصادر وتُباد؟! والمئات يُخطفون قسرياً ولا يعرف عنهم شيء؟! وأنتم لا تُحركون ساكناً لنصرتهم وحمايتهم! وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسمح أن يستأصل المشركون شأفتهم، أو أن تُزهق أرواح أصحابه، أو يُبادون، فدعاهم إلى الهجرة ثلاث مرات وهم في مكة، وأمر بعضهم أن يُردد ما يريد مشركو قريش، حتى لا يُقتل، وفي المدينة دافع عنهم وحماهم، ومدح خالدًا ودافع عنه لما رجع بأصحابه يوم مؤتة.

فهل كان هذا ضعفا؟! ومعركتكم هي سياسية في الأساس وليست دينية، ولا تستحق كل هذه الدماء وكل تلك التضحيات! وواقعكم يقول: إنكم عاجزون عن المواجهة؟ وعاجزون عن التراجع خطوات للوراء؟ وعاجزون عن المقاومة السلمية الثورية؟ وعاجزون عن إخراج هؤلاء الشباب ليعيشوا معكم في الخارج، وينعمون كما ينعم البعض منكم حقناً لدمائهم! وعاجزون عن تكوين أي كيانات ثورية خارجية تضم كافة أطياف المعارضة! وعاجزون عن وضع رؤية وخطة عمل لكسر الانقلاب وإعادة الحياة الديمقراطية! وعاجزون عن المحافظة على وحدة صفكم وتماسكه! لذا فإننا نضعكم أمام هذه الدماء وهذه المسؤولية التي تمسكتم بحقكم فيها! وإلا فاستقيلوا وجنبوا أنفسكم ويلات السؤال أمام الله يوم القيامة، وأمام صفكم المثخن بالجراح! اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد. والسلام.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها


إعلان