ردود الجبناء.. مداويخ وخونة

نهاية غير سعيدة للمقاطعين تلك التي رسمها سعادة الوزير بوسعيد ومدير شركة سنطرال، لكن الأكيد أنها كشفت عن مدى تأثير هذا النوع الجديد من الاحتجاج.

تلكم ردود الجبناء العاجزين عن تحقيق التنمية والإنصاف لشعب ضل يئن بسبب برامجهم ومشاريعهم وخططهم ورؤاهم الفاشلة.

ردود بطعم القمع والإهانة والاحتقار لمغاربة آمنوا بمنطق التغيير والإصلاح، ووثقوا فيهم من أجل القطع مع أساليب التسلط والتجويع والتهميش.

سعادة الأخ نوش الذي حظي بمنصب الوزير وبالمال الكثير وحزب واسع بجمهور غفير يرسل تهديدات لمن أسماهم بالكتائب الإلكترونية، ويتحدى المقاطعين الرافضين للأسعار الملتهبة، والتي سببها الرئيسي التلاعب في أسعار الوقود وارتفاعها بشكل مهول، وغياب أدنى حماية للمواطن المستهلك.

وأحد مدراء شركة (سنطرال)، يوجه تهما ثقيلة للمغاربة الذين قرروا مقاطعة منتج شركته مؤقتا، إشارات لا يمكن المرور عليها مرور الكرام، توجيه تهمة خيانة الوطن إلى آلاف المغاربة الذين اختاروا النضال السلمي والعقلاني من أجل تحقيق مطلب التخفيض من أثمان بعض السلع الغذائية والوقود، لابد من فتح تحقيق بشأنها.

لقد لخص واختصر المدير (الوطن) في الشركة التي يديرها، وكأنه يفرض ولاء المغاربة لشركته ومنتجها تحت طائلة الخيانة العظمى للبلاد، وأهان بذلك هبة وعظمة الوطن وسموه، واستحق المتابعة القضائية والعقاب الزجري على ذلك، وعلل اتهامه بمبررات واهية، من قبيل أن منتج الشركة محلي وأن الفلاحين سيتضررون من مقاطعة حليب شركته، وهذا توظيف مغلوط يراد منه الضحك على الذقون، لأن الشركة المحلية ينبغي أن تكون وطنية وتعطي النموذج في الدعم والمساعدة، وأن تتجلى وطنتيها في احترام ومراعاة القدرة الشرائية لزبائنها.

وخصوصا إذا كانت تنتج سلعة عمومية تهم الغني والفقير، وتلعب دور الوسيط المزعوم بين الزبائن والفلاحين، بدعوى امتلاكها لآليات الحفظ والتخزين، والتي هي في حاجة بدورها إلى تحقيق ودراسات وتحاليل علمية لتأكيد جودتها من عدمه، على الشركة أن تكف عن اللهث خلف الأرباح دون اعتبار لاقتصاد البلد ولا رأفة بالعباد، ولو كان هم الشركة حياة ومعيشة الفلاح، لما اشترت منه أطنان الحليب يوميا برخص التراب، والدخول معه كوسيط بينه وبين الزبون، ولكفت عن محاربة الفلاحين الذين يبيعون الحليب يوميا بطرقهم الخاصة، ولخفضت ثمن اللتر من الحليب خلال فصل الربيع وبداية الصيف، حيث يكون الحليب متوفرا لدى الفلاحين ومربي الماشية.

شخصيا وإن كنت قد بصمت بالعشرة على المضي قدما في دعم المقاطعة التي أطلقها المغاربة، فإن هذا لا يعني أنني مقتنع بقوة وفعالية المبادرة، لكن لأنني كنت أنتظر منذ عقود مبادرات شبيهة من داخل المجتمع المدني ترغم المنتجين والمصنعين على التخفيض من أثمان سلعهم، وترغم الدولة على التدخل من أجل العمل على فرض أسعار توازي القدرة الشرائية لكل المواطنين، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالمواد الغذائية الأساسية، تلك المبادرة ورغم بساطتها، قضت مضاجع المنتجين والمصنعين الكبار إلى درجة أن محمد بوسعيد وزير الاقتصاد والمالية لم يتمالك نفسه ونعت المقاطعين بـ(المداويخ)؛ ليأتي بعده مدير بشركة سنطرال وكأنه تلقى الضوء الأخضر للهجوم والتهجم على المقاطعين، واتهمهم بخيانة الوطن.

وما يجب أن يعلمه المقاطعون الذين ينتظرون نتائج مقاطعتهم، أنهم وضعوا بين مطرقة (المداويخ) المرفوع عنهم القلم، وسندان (الخونة)، وأن مصيرهم الإعدام أو المؤبد والأعمال الشاقة أو الإحالة إلى مستشفى الأمراض العقلية.

نهاية غير سعيدة للمقاطعين تلك التي رسمها سعادة الوزير بوسعيد ومدير شركة سنطرال، لكن الأكيد أنها كشفت عن مدى تأثير هذا النوع الجديد من الاحتجاج الذي يستهدف بعض الجيوب الكبيرة.

شخصيا كنت أود أن نستغل فصل الربيع ووفرة الحليب ومشتقاته الطبيعية (لبن، زبدة، رايب…) لدى الفلاحين البسطاء، وأن نعلن عن شراء الحليب الطبيعي ومشتقاته، ومقاطعة كل شركات بيع الحليب المصنع، حتى لا نساهم في صناعة أخطبوط جديد، لأن الطريقة الحالية تجعل شركة تخسر، وأخرى تربح وتكبر، ولا أظن أن هناك بين المنتجين والمصنعين الكبار (أملس).

كنت أود أن نقاطع كل شركات بيع المياه الطبيعية، لأنها كلها تبيع مياه عيون ربانية في ملكية كل المغاربة، بأثمان متقاربة، وأن نواظب على استعمال مياه العيون والآبار إن توفرت، أو نقوم بتطهير مياه الشرب المنزلية بجعلها تغلي لدرجات حرارة مرتفعة وتبريدها أو تدفئتها قبل شربها.

كنت أود أن نعلن عن أيام بلا محركات، بلا سيارات ولا دراجات نارية ولا شاحنات خصوصا أيام العطل ونهاية الأسبوع، ونحاول أن نمتثل للإعلان قدر الإمكان، فلا نستعمل المحركات إلا عند الضرورة، ونكون بهذا قد وجهنا ضربات مؤثرة إلى كل شركات إنتاج وتصنيع وتكرير البترول، وإرغامها على الاستجابة لمطلب تخفيض الأثمان.

كنت أود أن نتودد أكثر لبعضنا البعض ونتقارب ونتقاسم الهموم والمشاكل، ومنها طبعا مشاكل التنقل اليومي للتلاميذ والطلبة والموظفين والعمال وغيرهم، فنكف عن استعمال السيارات لنقل فرد أو اثنين في الوقت الذي يمكن فيه أن ينتقل خمسة موظفين مثلا على متن سيارة واحدة عوضا عن خمس سيارات، وأن نكف عن استعمال السيارات والدراجات النارية في التنقلات القريبة.

على العموم فليدرك المقاطعون أنهم فطنوا أخيرا إلى المقاطعة الصحيحة التي يجب تفعيلها، وأن يكف المغاربة عن مقاطعة ما لا يجب مقاطعته، وإنما التعبئة له، إنها الانتخابات الجماعية والتشريعية يا سادة.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها


إعلان