لاشك أن نشر الرسوم المسيئة لنبينا الكريم، وإعادة نشرها، والدفاع عنها والاستمرار في الإساءة ويساهم في استفزاز ملايين المسلمين.
في حملة شديدة بدأها فجأة من لا شيء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؛ بالحديث عن أزمة الإسلام في كافة أنحاء العالم، وضرورة العمل على خلق إسلام فرنسي جديد يتوافق مع رغباته وينسجم مع إرادة وتطلعات اليمين المتطرف في الساحة الفرنسية.
رغم أن ماكرون يقدّم نفسه على أنه ليبرالي، لكن مع اقتراب الانتخابات الفرنسية من ناحية، ومن ناحية أخرى إخفاقاته المتكررة في إدارة الكثير من الملفات التي تسببت في خفض رصيده ونزول أسهمه على المستوى الشعبي – ولا ننسى احتجاجات الستر الصفراء – وفشله في إدارة ملف جائحة فايروس كورونا (كوفيد 19 ) المستجد الذي يسجّل نسب إصابات مرتفعة في فرنسا مقارنة بجاراتها الدول الأوروبية الأخرى، يحاول أن يتقرّب من اليمين وأن يساير المتطرفين والخائفين من المهاجرين والآخر المختلف بشكل عام، من خلال إثارة هذا الملف من أجل كسب أصواتهم وتأييدهم في المرحلة المقبلة لضمان بقاء أطول في الحكم والتغطية على إخفاقاته.
فكان مسلمو فرنسا هم الهدف الأول والوحيد لمثل هذه الحملات العنصرية الموجّهة والمشوهة، التي تدّعي خروج مكون لا يمكن إنكاره من مكونات ونسيج المجتمع الفرنسي عن قيم الجمهورية ومبادئ العلمانية وتفتّش في مشاعرهم وخفايا صدورهم، وما يدور في أذهانهم، وتسيء وتسخر من معتقداتهم.
لاشك أن نشر الرسوم المسيئة لنبينا الكريم، وإعادة نشرها، والدفاع عنها والاستمرار بالإساءة وباستفزاز ملايين المسلمين بحجة حرية الرأي والتعبير هو عمل إرهابي، رجعي، ونازي بامتياز، يذكّرنا بنشر صحف نازية في ألمانيا هتلر قبل الحرب العالمية الثانية مناشير رسومات تسخر من اليهود وتصوّرهم بأشكال قذرة ومهينة تمهيدًا لقتلهم.
لكن اليوم، وفي سياق الأحداث المتتالية منذ سنوات طويلة، لا نرى مثل هذه الحملات تُشن إلا على المسلمين بشكل انتقائي في الغرب، وقبل كل مرحلة انتخابية جديدة، بدافع هندسة وتصميم إسلام جديد يكون على مقاس رؤية الغرب للإسلام المعاصر الذي يصلح للتعايش معه، والحصول على مكاسب سياسية معروفة.
فلا نسمع أحداً يتحدث أو ينتقد حاخاما أو قَسا، أو يلصق عملا إرهابيا بديانة أخرى، أو يلاحق أتباع الديانات والمذاهب والأيديولوجيات المختلفة؛ كما يتم متابعة الجاليات المهاجرة والأقليات المسلمة هناك.
فحرية الرأي والتعبير غير المشروطة، التي تمثل اليوم المعبود الأول والقيمة الأعلى لدى الإنسان في الغرب في عصر ما بعد الحداثة؛ تُستخدم سكّينًا ضدّ فئات معينة لصالح قوى معينة لا همّ لها سوى البقاء في السلطة لوقت أطول على حساب نبذ وتغريب فئة كاملة من شعوبهم وتجيش متطرفي الأكثرية عليها.
في حين يدافع الرئيس الفرنسي عن قيم الجمهورية ومبادئ العلمانية – كما يدعي – يمارس الفاشية والتمييز العنصري تجاه مكون من مكونات النسيج الفرنسية
في حين يدافع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن قيم الجمهورية ومبادئ العلمانية – كما يدعي – التي يجب أن تقف على الحياد أمام جميع الأديان والمذاهب والألوان، يمارس الفاشية والنازية والتمييز العنصري تجاه مكون من مكونات النسيج الفرنسية، ويدفع عجلة التقدم الحضاري والتواصل الإنساني إلى الوراء.
يعود بنا لأجل مكاسب سياسية تخصه وحزبه إلى عهد الدولة الشمولية التي تتحكم وتتدخل في أفكار الناس وميولهم ومشاعرهم ومناهج تعليمهم وما يدور في أذهانهم.
يجب على خطاب الكراهية والخبل السياسي هذا الذي يتبناه ماكرون أن يتراجع لصالح خطاب التسامح والحوار الحضاري والإنساني، ويجب الاعتذار عن حملات السخرية من معتقدات الآخرين، وتوضيح ما يحمل النبي الكريم من قدسية في قلوب المسلمين أرفع من أن تمسها أي سخرية تحت غطاء حرية التعبير.
بغير هذه الطريقة سيزداد الطين بلّة، وسيروح ضحية هذا التأجيج الأهوج كثير من الأبرياء، كحادثة طعن المحجبتين بالسكاكين أمام أطفالهما قبل عدة أيام، في باريس، بوحشية لا تقل عن قطع رأس المدرّس الذي أُعتبر بطلاً، وتم تكريمه على أعلى المستويات وبأعلى الأوسمة فقط لأنه كان يعلّم حق السخرية من معتقدات الآخرين تحت غطاء الحرية والتعبير.
المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها