بمجرد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تفاصيل خطة صفقة القرن في ال28 من شهر يناير الماضي في البيت الأبيض، حتي بدأ الموالون لنظام عبد الفتاح السيسي بالهجوم علي الشخصيات التي كانت تحذر من التنازلات التي قد تصاحب القبول بصفقة القرن وما يترتب عليها من التفريط في بعض الأراضي الجديدة خصوصا في سيناء تحت ضغط الحكومة الإسرائيلية التي تسعي لحل مشكلة القضية الفلسطينية على طريقتها الخاصة ، متهمين هذه الشخصيات بالكذب والخداع وقلب الحقائق ، وأن الاعلان الرسمي عن الصفقة وكشف تفاصيلها كاملة في البيت الابيض أكبر دليل على كذب هذه الإدعاءات .
بادئ ذي بدء لابد أن نعترف أن سيناء غير بعيدة عن القضية الفلسطينية فكانت ومازالت تلعب دورا كبيرا وتتأثر كثيرا بمجريات الأحداث في الاراضي المحتلة وتحضر بقوة في العديد من الإقتراحات التي تضعها المراكز البحثية الإسرائيلية وتتبناهاالحكومات الإسرائيلية المتعاقبة فيما بعد ، خصوصا في الإقتراحات التي تدور حول ما يسمى بمشروع “الوطن البديل”، أو في الإقتراحات التي تحاول الحكومة الإسرائيلية من خلالها الإنتهاء من معضلة الزيادة السكانية في غزة.
مخاوف البعض من التفريط في أجزاء من سيناء لم تأت بسبب أوهام أو مكايدات سياسية ، ولكنها أتت من مقترحات إسرائيلية معلن عنها بشكل رسمي صادرة من مراكز بحث إسرائيلية وواضحة في تصريحات بعض المسؤولين الإسرائيليين الكبار وبعض التسريبات الإعلامية والصحفية ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر المقترح الذي قدمه مستشار الأمن القومي “الإسرائيلي” السابق “جيورا أيلاند” عام 2010 والذي يشمل حلين كان أحدهما مبنيا على أساس أن تتنازل مصر عن 720 كيلومتراً مربعاً من أراضي سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المستقبلية ، بإضافة مستطيل يمتد من رفح إلى حدود مدينة العريش طوله 24 كيلومتراً وعرضه ثلاثون كيلومتراً .
وكشفت صحيفة هاآرتس “الإسرائيلية” في 19 فبراير عام 2017 عن لقاء سري عقد بالعقبة (الأردن) خلال إدارة أوباما، وتحديداً في 21 فبراير 2016، بحضور رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ووزير الخارجية الأمريكي حينها جون كيري، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والملك الأردني عبد الله الثاني، ونوقشت خلاله أفكار “جديدة” للحل النهائي، وطُرحت خطة إعطاء أراضٍ من سيناء للفلسطينيين.
وقال الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك في تسريب صوتي أنه رفض مقترحا من رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو باقتطاع جزء من سيناء لصالح غزة ، وأثيرت هذه القضية أيضا في عهد الرئيس السابق محمد مرسي واتهمه معارضوه بالسعي لتنفيذها وهذا ما نفته قيادات في جماعة الإخوان المسلمين بعد ذلك ، وفي تسريب أذاعته قناة مكملين المعارضة والذي يظهر توجيه ضابط مخابرات مصري لبعض الإعلاميين المصريين المواليين للسلطة ، وكان من الملاحظ أن مسألة إقناع الرأي العام المصري فيما يخص تهجير سكان سيناء لا بد أن يسير بالتوازي مع إقناع الرأي العام بقبول صفقة القرن وتفاصيلها .
على أرض الواقع:
ازدادت تلك المخاوف والتحذيرات وأقتربت من علم اليقين بعد متابعة ومشاهدة التحركات على أرض الواقع في سيناء بعد عزل الرئيس محمد مرسي وتولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم ، والتحركات على أرض الواقع دائما ما تكون مؤشراَ قوياَ عن غير المعلن في الاتفاقات والصفقات السياسية التي يكتنفها جزء كبير من الغموض خصوصا عندما تكون بعض أطرافها دول استبدادية تغيب فيها الشفافية ولا تعترف حكوماتها بحق الشعوب في الحصول على المعلومة وكشفها ولا يوجد بها برلمانات قوية تراقب أداءها ، ولأهل سيناء تجربة سابقة في ذلك وخصوصا سكان المنطقة “ج” فقد لمسوا وعرفوا على أرض الواقع البنود غير المعلنة لإتفاقية كامب ديفيد عندما تم تهميشهم وتجاهلهم وحرموا من أي نوع من أنواع التنمية بشكل متعمد ومستمر ، وهاهم أيضا يشاهدون ويعانون من البنود غير المعلنة لصفقة القرن .
فمنذ بدء الحملة العسكرية في سيناء في السادس من سبتمبر عام 2013 م وما تلاها من أحداث تؤيد بشكل كبير أن هناك خطة ممنهجة لتفريغ المنطقة المحاذية لغزة وهي تعتبر نفس المنطقة التي ذكرها “جيورا أيلاند” في خطته، فبعد هجوم كرم القواديس في اكتوبر 2014 م، قررت السلطات المصرية إقامة منطقة عازلة كان الهدف المعلن منها هو توقف تسلل العناصر الإرهابية من غزة الى سيناء وتوقف عمليات تهريب السلاح للحفاظ على الأمن القومي المصري.
أعلنت السلطات في البداية أنها ستفرغ المساحة المحاذية لقطاع غزة بعمق 500 متر فقط داخل سيناء ، ولكن سرعان ما صدر قرار من مجلس الوزراء رقم 1957 لسنة 2014بمد المنطقة العازلة حتى قرية السادات والتي تبعد 5 كم عن الحدود مع قطاع غزة في عمق سيناء ، ولم تنتظر السلطات في ذلك الوقت نتائج عمليات التمشيط وهل هناك حاجة لتوسيع المنطقة العازلة أم لا وسرعان ما نفذت قرار مجلس الوزراء ، ولم تقف عند هذا الحد بل طالت عمليات التهجير أماكن لا تحاذي قطاع غزة جنوب رفح ووصلت لأغلب قري مدينة الشيخ زويد والتي تبعد 15 كم عن قطاع غزة وأمتدت لتشمل اغلب المناطق شرق العريش .
ما يثير الاستغراب هو أنه بالرغم من تهجير جميع سكان رفح والبالغ عددهم 75 ألف شخص على الأقل وأغلب قرى مدينة الشيخ زويد والبالغ عددهم 30 ألف شخص على الأقل ، ناهيك عن الذين تركوا سيناء بسبب التضييق الأمني وحصار المدن ووقف الحالة الاقتصادية ، إلا أن السلطات المصرية تعمل على إنشاء محطات ضخمة لتحلية مياه البحر والمفاجأة أنها أنشأت محطة تحلية ضخمة على سواحل مدينة رفح الخالية تماما من السكان ، وتم انشاء محطة تحلية اخرى في مدينة الشيخ زويد .
وعند مطالعة بعض بنود صفقة القرن تزداد الشكوك عندما تقرأ أنه تم تخصيص مليار و 500 مليون دولار لمشروعات تنموية في سيناء لانشاء محطات توليد طاقة ومحطات تحلية إضافية ، فلمن هذه المشاريع والأموال بعد تهجير نصف سكان شمال سيناء بطريقة مباشرة وغير مباشرة إلى محافظات الدلتا والمدن الجديدة؟! .
المنطقة العازلة:
ضف إلى ذلك عدم تحقيق المنطقة العازلة مع قطاع غزة الهدف المنشود، فنزيف أفراد القوات المسلحة والشرطة المصرية مستمر في سيناء حتى يومنا هذا، والنعوش والجنازات العسكرية ما زالت مستمرة حتى الان، وما زالت الهجمات مستمرة كان أخرها الهجوم على كمين زلزال جنوب مدينة الشيخ زويد وهجوم على رتل أمني أسفر عن مقتل قائد اللواء 134 مشاة في بئر العبد، إلا أن السلطات المصرية الحالية لم تعترف بذلك ولم تتراجع ولم تحاول معالجة القرار الخاطئ، وليس هناك وعود بعودة سكان المناطق المهجرة لأراضيهم مرة اخري.
مما سبق يمكننا أن نرجح بشكل كبير أن إعلان دونالد ترامب عن صفقة القرن لم يخرج سيناء من المعادلة ولا يثبت صفة الكذب وقلب الحقائق على المحذرين من التفريط في الأرض ، فكوشنر عراب صفقة القرن صرح في لقائه مع عمرو أديب أنه ما زالت هناك مشاورات ومناقشات على شكل الخارطة النهائية ، ومن الصعب على أي رئيس مهما كانت قوة بطشه أو سيطرته على مقاليد الحكم أن يتنازل عن الأرض بشكل صريح وفج وليست هناك مقارنة بين حدود معلومة وواضحة مثل الحدود الشرقية الممتدة من رفح المصرية شمالا وحدود توجد بها ثغرات تاريخية ، ويبدو أن خطة إنشاء مشاريع ضخمة في المنطقة العازلة وفتح الباب أمام سكان قطاع غزة للعمل فيها ومن ثم الإستقرار حولها الأقرب للتنفيذ ، والظروف حاليا مهيئة تماما لذلك بعد تهجير القبائل البدوية في هذه المناطق وتعرضهم لنظرية عقيدة الصدمة علي مدار 7 سنوات وخضوع مشايخهم لتوجيهات الأجهزة الأمنية .
المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها