” الحرب القذرة ” استوقفني كثيرا هذا المصطلح الذي وصف به مندوب تركيا لدى الأمم المتحدة محاولات روسيا لجر تركيا لحرب جديدة، بعد اعتباره أن الهجمات الروسية على القافلة العسكرية الخاصة ببلاده في إدلب كانت متعمدة.
فروسيا ورغم الاتفاقات العديدة التي عقدتها مع تركيا بشأن الوضع الأمني والعسكري في سوريا، إلا أنها نقضتها بالكامل حيث شهدت الأيام الماضية هجمات وغارات للنظام السوري المدعوم بالطيران الروسي على كامل المنطقة، في محاولة للانتقام من تركيا، بعد أن سقطت مدينة سراقب السورية في يد المعارضة، وفشلت قوات الأسد في استرجاعها بكل الطرق، ما أسفر عن مقتل ٣٦ جنديا تركيا وإصابة العشرات من الذين كانوا يمرون في قافلة عسكرية بين نقطتين تركيتين بقرية بليون في منطقة جبل الزاوية.
كل ذلك وتتنصل روسيا من عملية قتل الجنود الأتراك، لأنها وإن اعترفت بأن طيرانها من نفذ هذه الهجمات، ستكون أعلنت الحرب مع تركيا، وفي هذه الحالة ستلجأ تركيا إلى حلف الناتو طالبة الحماية، وهذا ما تحاول موسكو الابتعاد عنه.
وعند البحث عن تلك الاتفاقات التي وقعت بين أنقرة وموسكو سنجد أن أبرزها اتفاق سوتشي الذي أُبرم بين الرئيسين أردوغان وبوتين في شهر سبتمبر- أيلول ٢٠١٨، لكن للأسف لم تلتزم روسيا بما تعهدت به في الاتفاق، من حيث تحصين نقاط المراقبة التركية، والإبقاء على منطقة خفض التصعيدات في إدلب وعلى امتداد الخط الفاصل بين المعارضة وقوات نظام الأسد، وأن يكون هناك منطقة منزوعة من السلاح الثقيل.
إذاً السيناريو الذي نواجهه اليوم في مدينة ادلب السورية ليس الهدف منه سوريا أو المعارضة، بل تركيا، ووفق ما صرح به رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان فإن الهدف الرئيسي هو محاولة حشر تركيا في الزاوية، بمعنى وضعها أمام خيارين لا ثالث لهما، وهما إما مواصلة العمليات في الأراضي السورية بتكلفة عالية جدا تتمثل في فقدان أرواح الجنود الأتراك، أو الانسحاب وترك الساحة بالكامل للنظام السوري.
ورغم أن الرد التركي على العملية الإجرامية التي طالت أرواح الجنود الأتراك جاء سريعا، وكانت نتائجه مفاجأة للجميع وغير متوقعة، حيث قتل ما يزيد عن ألفى شخص من مقاتلي النظام السوري منذ يوم الخامس من شباط / فبراير، ودمرت عشرات المدافع والمدرعات وقاذفات الصواريخ إضافة إلى مخازن أسلحة وأنظمة الدفاع الجوي ومنشآت لإنتاج أسلحة كيمائية، إلا أن تواصل العمليات من قبل الجانبين ليست الحل.
وبرأيي أن كل الاتفاقات الماضية مع الجانب الروسي ما كانت إلا مخدر مؤقت، لحين إيجاد الحل لإجبار أنقرة على الانسحاب، وتمكين قوات الأسد من بسط سيطرتها على الأماكن التي تخضع للمعارضة.
ولربما على المجتمع الدولي تلبية المطالب التركية وأهمها تأمين الحدود مع سوريا، حيث تريد أنقرة مساعدة دولية غربية بفرض حظر جوي أو على الأقل تشغيل منظومات عند الحدود تفسح المجال للطيران التركي بالتحرك بحرية أكثر.
المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها

