تعرفت على الفيروس الخفي الذى يتسلل فيهاجم العقل والروح مباشرة، يصيبهما بالاكتئاب والارتياب وارتفاع ضغط الدم إنه فيروس العلاقات السامة.
كغيري من بني الإنسان أتابع أخبار السيد COVID-19 على صفحة منظمة الصحة العالمية، واستوقفتني تحديدا توصيات المنظمة بأهمية أخْذ الحِيطَة والحذر وقت التعاملات الاجتماعية، وذلك بالحفاظ على مسافة 6 أقدام (حوالي مترين) على الأقل بينك وبين الآخرين، لتفادي خطر رزاز طائش أو عطسة بدون سابق إنذار، تتسبب في تفشي فيروس صُنف عالمياً بالوباء؛
فأغلقت المدارس، والمطاعم، ودور العبادة، والسينمات، ومنعت التجمعات، وفُرِضَ الحجر الصحي المنزلي… سميت هذه المسافة بـ “التباعد الاجتماعي” أو ” المسافة الاجتماعية”.
أتساءل مع هذه التوصيات والإجراءات المشددة: هل فيروس كورونا هو الفيروس الأشد فتكا وخطرا على البشرية؟ أم أن هناك فيروسات أخرى تُصَنَف بالخَطِرَة، لكنها فقط لم يسعدها حظ الشهرة وإذاعة الصِّيت؟! بعد البحث والسؤال في حال الإنسان
تعرفت على هذا الفيروس الخَفيّ، والذي يتسلل فيهاجم العقل والروح مباشرة؛ يصيبهما بالاكتئاب والارتياب كأعراض أولية،
، كما له عظيم الأثر في ارتفاع ضغط الدم، ويجعل الإنسان أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، كما أنه يسبب مشاكل في الجهاز الهضمي، وفي بعض الحالات يشتد فتكه فيصل بالإنسان لدرجة الموت كمدا..
هو ذلك الفيروس المنتشر منذ قديم الأزل، ويسمى “فيروس العلاقات السامة”.
وقاتلُ الجسم مقتولٌ بفعلته وقاتلُ الروحِ لا تدري بهِ البشرُ
قالها جبران خليل جبران منذ عقود طويلة، من المؤكد أنه اخْتَبَر ما يُسَبِبَه “فيروس العلاقات السامة” من استنزافٍ لأصحابها؛ فتصل الي حد قتل الروح وهزيمة البدن.
تعلمنا في رحلتنا مع فيروس كورونا الدقة في وصف خصائصه، وأعراض الإصابة به؛ لتحديد طُرُقِ الوقاية والعلاج.
إذن فماذا عن هذا الفيروس الآخر، هل لنا أن نعرف متى ننتبه من خطر هجومه؟ وكيف نقي أنفسنا من الإصابه به؟
في قصص الذين تجرعوا مرارة الإصابة بفيروس “العلاقات السامة”، ما نبحث عنه من إجابات، فها هي الخاصية الأغرب لهذا الفيروس (خاصية الإستهداف بالحب)!!
نتعرف عليها من قصة فتاة تحكي عن علاقتها بهذا الشاب الذي أختارته زوجا لها في المستقبل، تقول: “دائما ما أشعر في علاقتي معه بالقلق والإنزعاج -بالرغم من تودده الزائد لي- إلا أنه يتلذذ باستنفاد طاقتي للإنهماك والإهتمام به ليكون هو محور الحياة.
ينفي بوجوده اي حياة خاصة لي، وإذا انشغلت يوما عنه، فلا أجد غير طلقات رصاص من لوم وعتاب موجهة لي وبقوة، مع الوفير من أدلةِ إثبات كم أنا مذنبة ومقصرة… لا أشعر بالارتياح، بل أشعر بالضيق والدونية، وأن روحي تَذْبُل يوما بعد يوم”.
إنتبهوا يا سادة من علاقات لا تجد نفسك فيها إلا كفأر تجارب، يُمَارَسُ عليك كل أساليب الإبتزاز العاطفي، بهدف مَلْء تلك الفجوة من عدم الأمان الداخلي
والشعور بالنقص عند الطرف الآخر، والذي لا يُقَدِم بدوره التقدير، والمساحة اللازمة.
أيضا توجد خاصية أخرى لفيروس “العلاقات السامة”، نتعرف عليها من قصة شاب يحكي عن مدى الألم النفسي والفكري الذي شعر به عندما كان يُسْتَخدَم ضده “سلاح الاستغفال” الموجه من صديقه الأقرب
يقول: “كنت أرى نفسي في العلاقة كدمية الماريونيت، يتم تحريكي يمينا ويسارا فقط لمصلحة الطرف الآخر، يعتقد صديقي أنه الأذكي؛ فيخفي معلومات، و يعلن عن أخرى، يقدم حقائق مجتزئة، وصورة غير مكتملة عن واقع يعيشة، فقط لتحقيق ما يخطط من أهداف، ولإجباري على السير في طريق رسمه هو بعناية.
فلا مشاركة، ولا تواصل حقيقيا يقدمه، في حين أنه يشترط معي تمام الولاء، وكل الوِدَاد”.
و غيرها الكثير من مظاهر مريضة؛ فلا خير في غيرةٍ مفرطة أو تلاعب بالعقول والمشاعر، ولا تستمر العلاقات بقلة إحترام أو نقد زائد، و لا تنضبط الحياة بعلاقات إجتماعية غير متكافئة، يحكمها فضول عالي الجودة من طرف واحد، فتجد نفسك في العلاقة كنشرة للأخبار على رأس الساعة، تُفْصِح عن كل معلوماتك، بالرغم من كتمان الطرف الآخر، وكأنه جهاز مخابراتي شديد السرية!!
إذن كيف هي الوقاية من “فيروس العلاقات السامة” اللعين، و ما هو العلاج؟
نجد أن الطريق الذي رسمه لنا السيد COVID-19 لمقاومة فاشيته، هو الأنسب للوقاية من “فيروس العلاقات السامة”، فلا سبيل أكثر حكمة من “المسافة الإجتماعية” و”رسم الحدود الإنسانية” للحفاظ على أنفسنا من الإصابة بالفيروس، مسافة تحفظ للعلاقات بريقها، وحدود تبقيها صحيّة سليمة، تزْدَهِر معها أيامنا…
أما إذا تأكدنا أن الفيروس قد هاجمنا بلا رحمة، وَتَمَكَّن منا -بالرغم من محاولات الإصلاح- فالعلاج الشافي يَكْمُن في التخلص السريع والحاسم من تلك العلاقات السامة وبشكل نهائي.
قرأت يوما في كتاب (الأدب الصغير والأدب الكبير) لابن المقفع، جُمَلا بديعة، أخذتها على نفسى عهدا و ميثاقا في عالم العلاقات:
الناس طبقتان متباينتان وعلى العاقلِ أن يجعل الناسَ طبقتينِ متباينتينِ، ويلبس لهم لباسينِ مختلفينِ، فطبقةٌ من العامة يلبسُ لهم لباس انقباضٍ وإنجاز وتحفظٍ في كل كلمةٍ وخطوةٍ، وطبقةٌ من الخاصة يخلعُ عندهم لباس آخر ويلبسُ لباس الأنسة واللطف والذلة والمفاوضة.
ولا يدخل في هذه الطبقة إلا واحد من الألف وكلهم ذوو فضلٍ في الرأي، وثقةٍ في المودة، وأمانةٍ في السر، ووفاءٍ بالإخاء.
خُلقت العلاقات الإنسانية في الأساس لتُحَقِق الشعور بالسعادة، والأمان، ولتساعد على الاتزان النفسي، و تدفع نحو الإنجاز، هذا بشرط سلامتها وشفافيتها، أما إذا كانت علاقات فيروسية، مريضةٌ، ومُؤلمة، وجب علينا الحذر لحفظ النفس، قبل أن تتسبب في تدمير شامل لأيامنا.
المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها