فلسطيني أحب السياسة

السلطات اليونانية تلقي القبض على لاجئين سوريين عبروا حدودها من تركيا
السلطات اليونانية تلقي القبض على لاجئين سوريين عبروا حدودها من تركيا

قال لي صديق من إحدى دول شرق آسيا أنه كان يتمنى أن يعمل في المجال السياسي، لكي يصبح رئيسا لدولته في المستقبل لكن جدته منعته قائلة له إنها لعبة قذرة فما كان منه إلا أن استمع للنصيحة و التحق بإحدى كليات الهندسة وحسنا فعل (من وجهة نظري).
ليس هذا موضوعنا؛ على مدار سنين عمري وأنا أستمع لكل وجهات نظر، وأنصت وأتمعن و أحاول دوما أن أضع نفسي مكان المتحدث، و أحاول أن أحلل الموقف بناء على ما يفكر فيه ذلك الشخص و ليس أنا.
و هذا أيضا ليس موضوعنا و لندخل في لب موضوعنا، وهو فعليا لا يوجد عربي لا يتحدث بالسياسة، فالسياسة بالرغم من أنها إحدى التابوهات في الدول العربية

السياسة علمتني معنى كلمة نكبة ونكسة، عرفتني كلمة لاجئ ونازح، عرفتني معنى كلمة شتات، وكلمة داخل و خارج و ٤٨، عرفتني كلمة ضفة وقطاع وخط أخضر.

فإنها سلعة رائجة ووجبة مستساغة لدى معظم العرب ولا تكاد تخلو أية جلسة عربية من السياسة و الخوض فيها.
عن نفسي وكفلسطيني أحب السياسة جدا، أحبها لأنها أصبحت جزءا من شخصيتي، أحبها لأنها أصبحت حياتي كلها،بل استولت على أدق التفاصيل فيها  فأنا استيقظ على سياسة و أنام على سياسة وآكل وأشرب وأتنفس سياسة.
و كيف لي ألا أحبها؟  فالسياسة هي من ضيعت وطني، وهي من ضيعت هويتي، وهي من جعلتني لاجئا، وهي من كتبت علي الشتات والترحال بين الدول.
السياسة حرمتني بيتي، السياسة حرمتني أهلي، السياسة حرمتني أدنى حقوقي من أمن وأمان واستقرار.
السياسة أوقفتني على حدود هذه الدولة، وتلك السياسة جعلتني أجنبيا في كل الدول لأنه لا بلد لي.
 السياسة منعتني من الحصول على تأشيرات أغلب الدول، السياسة جعلتني منبوذا لا يقترب مني ولا يخالطني أحد.
بالسياسة اكتسبت اسم لاجئ و نازح، و عرفت كيف أفرق بينهما جيدا، بالسياسة حملت وثيقة سفر، سلبت الرقم الوطني.
  سكنت في مخيم تحت الواح (الزينكو)، بالسياسة فقدت أرضي و منزلي،  أبعدت عن قريتي، حرمت من مدرستي، وسلبت قلمي وكتابي وحقيبتي.
السياسة عرفتني كرت المؤن، ووكالة الغوث، اوقفتني في طابور الطعام،السياسة عرفتني كيف لعشرات آلاف البشر أن يتناولوا الوجبة نفسها، أوقفتني في طابور العلاج، وطابور الدواء .

السياسة عرفتني كرت المؤن، ووكالة الغوث، أوقفتني في طابور الطعام، السياسة عرفتني كيف لعشرات آلاف  البشر أن يتناولوا الوجبة نفسها، أوقفتني في طابور العلاج، وطابور الدواء .

السياسة أوقفتني في طوابير غير موجودة في كل العالم، ولا يقف فيها إلا من هم من جنسي.
السياسة علمتني معنى كلمة نكبة و نكسة، عرفتني الفرق بينهما، عرفتني كلمة لاجئ و نازح، والفرق بينهما كذلك، عرفتني معنى كلمة شتات، عرفتني كلمة داخل وخارج و٤٨، عرفتني كلمة ضفة و قطاع وخط أخضر.
السياسة عرفتني سايكس بيكو ووعد بلفور وسان مارينو، عرفتني على الأمم المتحدة، عرفتني على مجلس الأمن وقراراته، عرفتني على قرار حق النقض (الفيتو) الصديق الوفي للفلسطينين، عرفتني كيف استطاعت عصابات أن تمحو التاريخ وتطمس الجغرافيا لتعلن إلغاء وطن وتشريد شعبه وإنشاء وطن وشعب آخر.
السياسة عرفتني الانتفاضة، عرفتني الفصائل؛ فتح و حماس وجهاد وشعبية وديموقراطية، السياسة عرفتني أوسلو 1 و أوسلو 2، عرفتني كامب ديفيد، عرفتني انقسام ضفة و قطاع، عرفتني كيف أطلق على الحدث نفسه اسمي حسم وانقلاب.
بعد كل ما منحتني إياه السياسة من مميزات…… هل تظن سيدي القارئ أنني أكره السياسة؟

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها


إعلان