قليلة هي الإطلالات التلفزيونية للفنان المصري يوسف الشريف، صاحب الخطوات المدروسة بعناية فائقة، والتي أثمرت عن سلسلة أعمال حُفرت في وجدان المشاهد المحلي والعربي.
ولعل الأصداء المذهلة التي خلفها مسلسل “النهاية ” في شهر رمضان المنصرم ما هي إلا تكملة للأفكار الفريدة التي يطرحها هذا الفنان الذي يغرد خارج السرب.
وهنا مربط الفرس؛ إذ يمكن للمدقق في هذه المقابلات التلفزيونية المعدودة على رؤوس الأصابع لبطل مسلسل “كفر دلهاب ” التوقف عند تركيز الإعلاميين الذي يحاورنه و بشكل “مستفز ” عند موضوعين رئيسين لا ثالث لهما؛ رغم أن مسلسلاته جديرة حقا بالبحث والنبش خلف كواليسها، وكذا يمكن وصف ما يتطرق له بأنه أسلوب جديدة بحثا عن “الوصفة الجاهزة ” التي تقوده لغاية معلومة وهي “الإيرادات ” في السينما و نسب المشاهدة و احتلال “الترند ” في الدراما، ولو باستخدام التفاهات واستنساخ الرداءة بعيدا عن الرسائل السامية والهادفة للفن.
عموما سنعود لقصة يوسف الشريف مع الإعلام المصري والتي يمكن تلخيصها في السعى وراء “التزامه الديني” ومقاطعته التامة للمشاهد الساخنة، وأيضا دعوته التي لم يستسغها هؤلاء لاستغلال شهر رمضان للتقرب من الله أكثر ”رغم أن هذا المنطقي“ إذ كيف لفنان أن يضع الجانب الديني كأولوية حتى أمام مسلسله الرمضاني ؟
في ظل الصورة القاتمة التي تغطي الوسط الفني المصري اليوم تبرز نقطة ضوء مشرقة مجسدة في شخصية يوسف الشريف.
هكذا يقول لسان حالهم وهم “يستنكرون ” تغريدة الشريف، وذلك ما ذكره الإعلامي خالد صلاح حين استضافه بعد عرض مسلسل “القيصر ” سنة 2016 عبر ”برنامج على هوى مصر قناة النهار“ وهو يحدثه بنبره تحمل نوعا من السخرية؛ من هذا التوجه قائلا“ كلامك عن الصلاة والصوم والحاجات دي“ ؟؟ “
والغريب أنه وبعد مرور أربع سنوات على هذا اللقاء أطل يوسف الشريف بعد فترة غياب عن الإعلام المحلي عبر قناة “دي ام سي” مع رامي رضوان للحديث عن عمله الأخير المثير للجدل وهو “النهاية ”.
ومازالت الأسئلة هي ذاتها تقريبا حيث التركيز على مسألة المشاهد الساخنة والسعي الحثيث لجره نحو السياسة وهو “المطب ” الذي نجا منه مجددا؛ كما فعل في حواره السالف الذكر مع أحد الأوراق الإعلامية المقربة من نظام السيسي ونقصد خالد صلاح بالطبع .
وفي الحوار الأخير إياه لابد أن نتوقف عند تطرق مذيع البرنامج للضجة التي أثارتها الحلقات الأولى من مسلسل “النهاية ” وبالتحديد المشهد الذي ظهر فيه أستاذ يشرح لطلابه عن زوال “إسرائيل ” وتقسيم الولايات المتحدة ولم شمل العرب كنوع من التنبؤ بما سيحدث في سنة 2120، كأول عمل مصري وعربي يقتحم مجال الخيال العلمي؛ فقد استعرض عناوين الصحف الغربية والإسرائيلية وكذا احتجاج وزارة الخارجية الإسرائيلية عن المسلسل.
لكن الملاحظ أن بطل العمل لم يجد “راحته ” في التعبير و الرد وبدا “حذرا ” للغاية في كلامه ويكفي النظر “للوغو ” القناة التي يتحدث من خلالها كي نفهم سر ذلك الارتباك و”الحرص الشديد ” على عدم الادلاء بأي تصريح حاد يمس الطرف الإسرائيلي .
ليبقى السؤال الرئيسي المطروح في كل لقاءات يوسف الشريف الإعلامية : لماذا “يزعج ” التزامه الديني ” هذه القنوات وهؤلاء المذيعين؟ ولماذا لا يتقبلون وجود فنان مصري لا “يمجد ” الرئيس ليل نهار كي ينال الحظوة والقبول كما يفعل زملاؤه الذين يتسابقون في إطلاق الألقاب على أنفسهم؟
حقيقة يمكن القول أنه وفي ظل الصورة القاتمة التي تغطي الوسط الفني المصري اليوم تبرز نقطة ضوء مشرقة مجسدة في شخصية يوسف الشريف.
ونتمنى صادقين أن يواصل الصمود والنأي بنفسه خارج هذه الكوكبة المتشحة بالعار، وأيضا أن يواصل الإبحار بأفكاره وأسئلته الملحة حول المستقبل والغد من خلال أعماله الراقية.
وبانتظار الجزء الثاني من مسلسل “النهاية ” حتما لأن العديد من الأمور بحاجة كي تسلط عليها الأضواء أكثر.
المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها