الروابط الهابطة

القمار

في علم الاجتماع تطرح عوامل عدة تؤثر على تكوين الشخصية، والشخصية في تعريفها الدارج سطحي جدا يتمثل في فرض الإرادة الذاتية أو ما تسميه الليبرالية: الإرادة الحرة، لكن بتعريف الشخصية في المنظور الإسلامي: هي العقلية والنفسية ومدى قوتها يعني اقترابها من الفكر والقيم بالسلوك وليس بالمعرفة وحسب، إما تشوه أو ضعف في الشخصية فهو يأتي من فقدان العزم أي: استخدام المعلومة وإحداث الأثر في الفعل، كمثال، كان عند آدم كم معلومات عالية لكنه لم يعالجها في منظومته العقلية فوصف بضعف العزم لأنه لم يستفد من معلوماته في حماية نفسه من الزلل.

التشوه في الشخصية يحدثه الظلم بالدرجة الأولى وهو فقدان التوازن

عندما تعالج المعلومة ويشرع الإنسان بضبط السلوك تتقدم الشخصية نحو القوة وتنعكس على السلوك والمجتمع، لكن أحيانا تتعارض مع طارئ أو مواجهة لإحدى الغرائز كالتملك والنوع أو البقاء هنا تصبح الأمور في انحراف أو تشوه خارج المنظومة العقلية أي إلى النفسية وهذه تؤدي إلى طريقين: إما التبرير للقادم من شاذ السلوك؛ وعند هذا تستعمر الغريزة منظومة العقل بكل معنى الاستعمار، أي تعيد بناءها حتى تبدو معقولة للإنسان المريض هذا أو شاذة مضحكة مبكية لمن يستمع إلى تبريراته أو وصفه لسلوكيات ويعني بها الغير بينما هو مصاب بها كالفساد وتطرفه في الحكم على الفاسدين بينما هو فاسد مفضوح الفساد، أو السلوكيات المنحرفة جنسية مثلا أو القمار وغيرها؛ أو صراع من أجل التطابق بين الإرادة والعزم يجري عندما لا يخدع الإنسان نفسه فتتمكن الغرائز منه، لكنه يبقى ضعيفا أمام الامتحان خصوصا في غريزتي التملك والنوع، وهما غريزتان قويتان تسقط أشد الناس هيبة وكيانا.

أما من الناحية المجتمعية فإن التشوه في الشخصية يحدثه الظلم بالدرجة الأولى، وهو فقدان التوازن، وخصوصا عندما يحصل خلل في العقد الاجتماعي، أي الحكم او المجتمعي وهنا أعني النسيج والعلاقات البينية بين الأفراد والاختلاف أو التنوع في المجتمع، فيلتجئ الإنسان لحماية نفسه بفقدان الرابطة الأساسية والتي تدير المجتمع عقيدة أو دولة إلى روابط هابطة لا تحمل فكرا ولا تنتج فكرا مثل العرقية والعشائرية وقوانينها أو للحزبية والتكتلات وهذه عملية تدل على تفكك مجتمعي وانفراط العقد المجتمعي والخوف من الحياة.

ولتأطير المعطيات

1-    الانحدار الحضاري الفكري

2-    غياب القدرة على المراجعة للأفكار المنعكسة كرد فعل على واقع سيء

3-    الفعل الغريزي المتنامي في فترة الفعل السيء

هنالك اعتماد للنقل من الاجتهاد وما تحور نتيجة الظروف السياسية ومتطلباتها في محاولة أن لا تحدث خسائر كبيرة، فتعددت الأفهام ونشأت العصبيات ثم أضحت انطباعات مقدسة لأمور هي تعتبر من الرأي، لكن التقديس أفقد المجتمع إمكانية إحداث إعادة نظر وتقويم للمعرفة المنقولة والتي لا يرى تضاربها أحيانا مع النص المقدس، وكأن الأمران لا يتعارضان بل مظهر الناقل يحدد قبول طرحه، هذا يمثل جانبا من الانحدار الفكري، وهو أساس في جنوح الطاقات المستنيرة وضياعها في ظلام الأفكار المنتحلة أو المستوردة والتي غالبا تأتي منمقة فتتبع من الشباب وهنا تتعامل الغريزة التي تأذت وفق المنتحل مع الإنسان ليحدث فيه الاستسلام أو الصراع الذي ذكرناه.

ومرة أخرى يفشل الإنسان في الاختبار فيحصل الفساد في الأرض

الإنسان الذي يتعرض للظلم يفترض أنه يكره الظلم كفعل لكن بغياب الترابط بين أصل الفكر والإنسان تكون الغريزة فاعلة والعزم ضعيف، فيتجه إلى كره الظالم نفسه ليس لأنه ظالم وإنما لأن المظلوم عاجز عن رد ظلمه أو الانتقام منه، وهنا خيط رفيع حساس جدا يقتل الآدمية ويشوه الشخصية، فتراه يلجأ إلى الروابط الهابطة ليحتمي بالعشيرة أو العرقية أو حتى عصبية يظن أنها تحميه وتنصره.

معنى هذا لا توجد مراجعة للأحداث والأفكار ومرة أخرى يفشل الإنسان في الاختبار فيحصل الفساد في الأرض، والذي هو في حقيقته فعل غريزي متنامي لدرجة أنه يبرر وكأنه أساس العقيدة وما هو إلا تبرير وتنظير للتبرير عبر أجيال ليكون حقيقة لا ينظر إليها بعين الفهم وخلافها مع الأصل الذي هو في الحقيقة ما يكون تطلّع الظالم اليوم؛ وربما ظلم في رحلة الصراع بين الخير والشر ليتحول هو إلى الشر من حيث لا يدري وتسول له نفسه أنه على الصواب وأنه في الحالة المثالية ويستمر الانحدار.

هذا وذاك يرينا أن الالتجاء إلى الروابط الهابطة لا يبني عقدا اجتماعيا سويا أو يكون باتجاه البناء والتمدن بل يبقي حالة متجددة من الصراع بتبادل موقع الظالم والمظلوم، وأحيانا بين ذات دعاة الرابطة الهابطة على مصالح أو سيادة؛ فاللجوء إلى الروابط الهابطة إذن هو انحدار حضاري فكري وتفكك اجتماعي ومحق للعقد الاجتماعي في تكوين الدول الحديثة وبالتالي صراعات لا تنتهي وإنما هي انتعاش وفاعلية لمنظومة تنمية التخلف وتوسع وثبات بيئتها التي هي فوضى أساسا؛ وإن أشد خطر على أمة هو تشوه فكرها وغربة أهلها.