لولا وجود الدكتور رشوان فهمي (1911 ـ 1975) ومن كانوا يتمثلون بسلوكه الوطني المستقيم من بين الأطباء وأساتذة الطب لتحول وجود مهنة الطب في عهد الشمولية الى صورة مهملة الشأن من الحرف الماهرة التي تنتهي طموحاتها عند استيفاء أجر كبير لعامل حرفي بسيط أقرب الى طبقة العبيد الذين لا يجوز لصوتهم أن يرتفع ، وهي الصورة التي يعمل كل نظام شمولي على ان يضع الأطباء في داخلها بحيث لا يبرحونها ، وهي أيضا الصورة التي لم يكن من السهل على الأطباء الذين عاشوا حقبة الليبرالية و ازدهار مكانتهم الاجتماعية والمجتمعية فيها ان يقبلوا بها ، وقد تصدى هذا الطبيب العظيم لهذه المهمة النبيلة فأداها على خير وجه ، و تجاوب معه المجتمع في صمت مكتوم أو صوت مكلوم حتى أذن الله ان تعود له مكانته بعد مايو ١٩٧١ فإذا به بعد أقل من عام يكون رمزا فكريا مع تسعة من كبار المسؤولين السابقين اللذين وقعوا وثيقة ١٩٧٢ الشهيرة .
مكانته المهنية المرموقة
كان الدكتور رشوان فهمي رمزا من رموز الأطباء النوابغ الناجحين الملتزمين بالخلق الرفيع والأداء المنضبط والتفوق المتصل، وهو فيما قبل عصر الدكتور حمدي السيد أشهر نقيب للأطباء في مصر على الرغم من تولي كثير من النجوم لهذا الموقع. وقد اختير نقيبا للأطباء في الدورات المتعاقبة (1957و 1961 و 1965) ولم يترك هذا المنصب إلا ببطش السلطة من خلال إجراءات تعسفية أفقدته وظيفته كأستاذ جامعي، وأفقدته مرتبه، وأفقدته عضويته في الاتحاد الاشتراكي و من ثم أفقدته شرطا من شروط منصب نقيب الأطباء، ولم تكتف بهذا وانما فرضت عليه الحراسة، و قد حدث هذا كله بسبب حرصه على المهنة و الدفاع عنها وعن أصحابها وحرصه على إبداء رأيه الصائب و تعبيره عن انتمائه الصادق الذي لم يقدر حق قدره فحقت على مصر وحاقت بها هزيمة ١٩٦٧ بعد فصله بشهور قليلة.
نشأته وتكوينه
ولد الدكتور رشوان فهمي في المنصورة في ١١ مارس سنة ١٩١١، وكان والده طبيبا ومديرا لقصر العيني، وتلقي تعليما مدنيا متميزا وتخرج في كلية الطب جامعة القاهرة (١٩٣٦)، وبدأ عمله طبيبا بوزارة الصحة، ثم اختير طبيبا مقيما بمستشفى قصر العيني، ونال درجة زميل كلية الجراحين بأدنبرة باسكتلندا (١٩٤٩)، وتخصص في طب وجراحة العيون. وانتقل إلي كلية الطب جامعة الإسكندرية، وتدرج في سلك التدريس بها حتي أصبح أستاذا ورئيسا لقسم العيون.
د. نور الدين طراف يروي ذ كرياته عن د. رشوان فهمي
في كتابه الصامتون يتكلمون نسب الأستاذ سامي جوهر الى الدكتور نور الدين طراف ١٩١٠- ١٩٩٥ روايات جميلة عن تاريخ الدكتور رشوان فهمي في أيام شبابهم ودوره في تهريب جثمان على طه عفيفي شهيد الطلبة
” .. وفي إحدى المظاهرات أصيب على طه عفيفي وكان طالباً بدار العلوم ومن زعماء الطلبة برصاصة ولقي مصرعه في الحال، نقل جثمانه إلى المشرحة بقصر العيني . وأرادت الحكومة أن تقوم بدفنه سراً ، وعلم رشوان فهمي بذلك عن طريق والده الدكتور مصطفى فهمي وكيل قصر العيني ، أبلغنا بنية الحكومة ، واشتركنا أنا وهو والدكتور عبد اللطيف جوهر والدكتور محمد بلال في تهريب الجثمان من المشرحة ، كسر الدكتور جوهر قفل باب المشرحة ونقلنا الجثة إلى أحد المدرجات، واكتشفت الحكومة السرقة [هكذا في الأصل وهو يقصد إخفاء الجثمان] ، حاصروا المبنى كله في محاولة للعثور على الجثة، ولما يئسوا اتصلوا بالدكتور علي باشا إبراهيم الذي أدرك أن لنا صلة باختفاء الجثة، وتم الاتفاق على أن تشيع الجثمان في موكب شعبي ، وخضعت الحكومة ”
فضل د. مصطفى الرفاعي في تخليد ذكراه
كان الدكتور مصطفي الرفاعي أستاذ المسالك البولية في طب الإسكندرية وفيا أشد الوفاء لذكرى الدكتور رشوان فهمي، و قد نشر عنه كتابا قيما، وفيما قبل ذلك فإن مذكراته «خواطر طبيب» التي تدارسناها في كتابنا “أقوى من السلطة: مذكرات أساتذة الطب ” تكفلت بإلقاء الضوء بالتفصيل علي شخصية الدكتور رشوان فهمي.
برقية رشوان الحاسمة في تأييد حركة الجيش
كان الدكتور رشوان فهمي في يوليو ١٩٥٢ أبرز أعضاء نادي هيئه التدريس في جامعة الإسكندرية و كان هو الذي تولي إرسال البرقية الشهيرة التي أيد بها أعضاء النادي حركة 23 يوليو 1952 حين كانت لاتزال في مهب الريح، وبهذه البرقية بدأت بيانات التأييد الشعبي للحركة