وتر الشرق الأوسط
من المعروف لدى الباحثين في السياسة أن أي فكرة جديدة أو عملية دولية تُنفذ أولًا في لبنان. وذلك لأن لبنان يُعد من الدول النادرة التي حافظت على بنيتها التاريخية والتعددية في الشرق الأوسط.
فإن تعدد الأديان والاختلافات المذهبية والصراعات الطويلة التي استمرت فترات طويلة ودموية قد شكل أو ساهم في تشكيل المجتمع اللبناني.
ولهذا، فإن أي حجر يُلقى على لبنان (وفي العصر الحديث، للأسف، صاروخ) يسبب حركة في العديد من مناطق الشرق الأوسط.
لأن كل مجموعة في لبنان لها راعٍ خارجي، ومن المثير للدهشة أن دولًا ذات سيادة في العالم تدعي أن لها حقًّا في لبنان.
بمعنى آخر، تجد أن دولًا ذات سيادة ترى أن لها الحق في المطالبة بلبنان.
هذه الجرأة في المطالبة بحقوقها يمكن أن تؤدي حتمًا إلى وصول العالم إلى حافة الفوضى ودفعه نحو حروب أكبر.
فكل هدف يُضرب في لبنان يمكن أن يُشابه هدفًا ضرب في إيران أو السعودية أو مصر أو حتى في فرنسا وبريطانيا.
لأن لبنان هو الوتر الحساس في الشرق الأوسط، وعند لمسه قد يكون من الصعب التنبؤ بالردود القادمة من أي مكان.
والآن إسرائيل تهاجم هذا الوتر الحساس بشكل وحشي.
وتحدد أهدافها في هجماتها بناءً على الدول التي قد تستجيب لتلك الهجمات، ومن الواضح أن أول دولة تتوقع إسرائيل أن تسمع صدى الصوت منها هي إيران.
إيران بين الرجولة والخوف
يُروى في مثل عربي شهير أن “الفارسيين يبيعون السجادة التي نسجوها على مدى مئة عام في عشر دقائق”.
وهذا يعكس فكرة أن إيران، رغم تعبها وجهودها الطويلة في بناء تحالفاتها في المنطقة، قد تتخلى عنها بسرعة وبطريقة غير مدروسة. وهذا يعبر بدقة وواقعية عن سياسة إيران اتجاه حزب الله.
فالهجمات الإسرائيلية المدمرة على حزب الله قد زادت من الشكوك في إيران، فقتل حسن نصر الله ثم خليفته بدا وكأنه بداية النهاية لحزب الله.
وفيما يتعلق بلبنان، فإن الوتر الحساس بالنسبة لإيران هو حزب الله وخاصة حسن نصر الله.
لكن من الواضح أن إيران قد لا تكون منزعجة من فقدان هذا الوتر، أو على الأقل تحاول الحفاظ على صورتها من خلال عدم إظهار انزعاجها.
الحديث عن “الخطوط الحمراء” في السياسة يحمل أخطارًا كبيرة لكل من يعلنها ولمن تُعلن ضدهم.
فإعلان “الخطوط الحمراء” سهل، لكن عندما يتم تجاوز هذه الخطوط دون ردّ مناسب، فإن هذا يغيّر الخطوط من حمراء إلى وردية، كما أن التصرفات الرجولية تتحول إلى تصرفات خائفة.
فمنذ بداية معركة غزة، تم تجاوز كل خط أحمر من قبل إسرائيل، لكن إيران لا تبدو قادرة على الرد بشكل واقعي على هذه الانتهاكات؛ مما يثير تساؤلات حول جدية الدولة الإيرانية.
لكن، من السهل الدخول إلى لبنان، ومن الصعب الخروج منه.
وفي رأينا، يجب أن يأخذ المخططون العسكريون الإسرائيليون في الاعتبار أن لبنان هو نقطة اتصال لجميع الدول الأخرى.
لبنان نحو حرب برية كبيرة
من المحتمل أن يكون سؤال “من سيشارك في حرب برية في لبنان؟” هو ما يشغل أذهان كل استراتيجي إسرائيلي، ولكن لا يمكننا إثبات ذلك.
فهجوم إسرائيل الوحشي على حزب الله وصمت إيران لا يعني بالضرورة أن مصر والسعودية ودول الخليج ستظل صامتة في حال وقوع حرب برية.
بالتأكيد، هناك مواجهة كبيرة تقترب، ومن المؤكد أنها ستكون دامية.
ومع ذلك، من الواضح أن الدول التي صمتت عن غزة لن تظل صامتة عن لبنان؛ فهذه الدول قد تضطر إلى الرد للحفاظ على مواقفها الداخلية وضمان مستقبلها السياسي.
ماذا عن موقف تركيا؟
من الصعب التنبؤ بموقف تركيا اتجاه الأحداث في لبنان، ولكنه ليس مستحيلًا.
فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال في أحد خطاباته: “ليعلم الجميع أن الحرب في لبنان لن تكون مثل الحرب في غزة”.
من يعرف، يعرف، ومن لا يعرف فسيتعلم أن الدولة التركية عندما تقول شيئًا، تقوم به، ولا تترك أية كلمة من رئيسها تسقط أرضًا.
اسم لبنان يأتي من كلمة “ل ب ن” التي تعني “الأبيض” في اللغات السامية، نسبةً إلى الثلوج التي تغطي جباله.
من الواضح أن جبال لبنان وصخوره وشوارعه ستتحول إلى اللون الأحمر.
كما ورد في لحن تركي شهير: “الثلج أبيض، والموت أيضًا”. ولكن وللأسف، هذه العبارة قد تعني المستقبل للبنان.
اسم لبنان يأتي من كلمة “ل ب ن” التي تعني “الأبيض” في اللغات السامية، نسبةً إلى الثلوج التي تغطي جباله.
لكن يبدو أن هذه الصورة الجميلة ستتغير، حيث يُتوقع تحول جبال لبنان وصخوره وشوارعه إلى اللون الأحمر، في إشارة إلى العنف والدماء التي قد تلطخها في المستقبل.
فعبارة اللحن التركي “الثلج أبيض، والموت أيضًا”، تعكس بشكل مؤلم ما قد يكون في انتظار لبنان، بسبب الصراعات المحتملة.