تشكل النقاط الحرجة في المرحلة الانتقالية للاقتصاد السوري تحديات استثنائية تتطلب معالجة دقيقة ومتوازنة. تتداخل هذه النقاط في نسيج معقد من العلاقات المتشابكة التي تؤثر بشكل مباشر في مسار التعافي الاقتصادي. وتكمن خطورة هذه النقاط في أن أي خلل في معالجتها قد يؤدي إلى انتكاسات خطيرة في عملية التعافي برمتها. تتميز هذه النقاط بحساسيتها العالية وتأثيرها المضاعف في مختلف جوانب الاقتصاد؛ مما يستدعي تناولها بمنهجية علمية دقيقة ورؤية استراتيجية واضحة.
هناك نقاط حرجة في جوانب عدة منها السياسي والعسكري والأمني والاجتماعي، وفي هذا المقال نناقش فقط النقاط الحرجة الاقتصادية في المرحلة الانتقالية بعد التحرر وهي كما يلي:
التحديات المالية الحرجة وأهمها
إدارة الديون وإعادة الهيكلة، بتقييم حجم المديونية الخارجية والداخلية، إعادة جدولة الديون السيادية، التفاوض مع الدائنين الدوليين، وضع خطة لتسوية الديون المتعثرة، إعادة هيكلة الديون المحلية، تطوير استراتيجية لإدارة الدين العام.
معالجة الأصول المجمدة، بحصر الأصول المجمدة دوليًّا، التفاوض لرفع التجميد التدريجي، إدارة عملية استعادة الأصول، تطوير خطة لإعادة توظيف الأصول، وتأمين الحماية القانونية للأصول.
إدارة مناطق العملة، والتعامل مع تحدي وجود مناطق جغرافية مختلفة تستخدم عملات متعددة أو أنظمة نقدية متباينة. فهناك مناطق تستخدم الليرة السورية الرسمية، ومناطق تستخدم الدولار الأمريكي بشكل أساسي، ومناطق تستخدم الليرة التركية، ومناطق تتداول فيها عملات متعددة، والهدف هو الوصول إلى نظام نقدي موحد يغطي كافة المناطق السورية، مع ضمان استقرار العملة وفعالية التداولات النقدية، بتوحيد السياسة النقدية، معالجة تعدد أسعار الصرف، تنظيم التحويلات بين المناطق، ضبط التداول النقدي، تطوير نظام مدفوعات موحد.
ضبط التضخم، بالسيطرة على الكتلة النقدية، ترشيد الإنفاق العام، تنظيم الأسواق المالية، تعزيز الثقة بالعملة المحلية، وإدارة توقعات التضخم.
تحديات إدارة الموارد، بإدارة الموارد الطبيعية، تقييم الاحتياطيات المتاحة، وضع خطط الاستغلال المستدام، تطوير نظم المراقبة والحماية، إدارة عائدات الموارد بشفافية، وتعزيز الاستثمار في القطاعات الاستخراجية.
تمويل إعادة الإعمار، بتقدير احتياجات التمويل، تنويع مصادر التمويل، إدارة المنح والمساعدات الدولية، تطوير أدوات تمويل مبتكرة، وتنظيم مساهمات القطاع الخاص.
توزيع الموارد المالية، بتحديد أولويات الإنفاق، ضمان العدالة في التوزيع، تطوير معايير شفافة للتخصيص، إنشاء نظام رقابة مالية فعال، وتعزيز الحوكمة المالية.
تحديات التكامل الاقتصادي، بإعادة الاندماج في الاقتصاد الإقليمي، تفعيل الاتفاقيات التجارية، تطوير شبكات النقل الإقليمية، تنسيق السياسات الاقتصادية، تعزيز التبادل التجاري، والمشاركة في المشاريع الإقليمية.
تحديات الأمن الاقتصادي، بتأمين الموارد الاستراتيجية، حماية البنية التحتية الحيوية، مكافحة التهريب والاقتصاد غير الرسمي، تعزيز الأمن الغذائي، حماية الأصول الاقتصادية.
التحديات الاجتماعية الاقتصادية، بمعالجة الفقر والبطالة، برامج شبكات الأمان الاجتماعي، خطط التوظيف العاجلة، دعم الأسر المتضررة، برامج التمكين الاقتصادي، تطوير برامج التدريب المهني.
إعادة دمج النازحين، بتوفير فرص العمل، وتأمين السكن المناسب، ودعم المشاريع الصغيرة، وتقديم الخدمات الأساسية، وبرامج التأهيل والتدريب.
تطوير نظام ضريبي عادل، وضمان توزيع عادل للموارد، ومعالجة التفاوت الإقليمي، وحماية حقوق العمال، وتعزيز المساواة في الفرص.
تحديات إعادة الهيكلة المؤسسية
من خلال إصلاح المؤسسات العامة، وإجراء تقييم شامل للهياكل التنظيمية القائمة، وإعادة تصميم الهياكل وفق الاحتياجات الجديدة، ودمج المؤسسات المتشابهة لتجنب الازدواجية، وإلغاء الوحدات غير الفعالة، وتحديد واضح للمسؤوليات والصلاحيات.
والإصلاح الإداري، بتبسيط الإجراءات وتقليل البيروقراطية، أتمتة العمليات الإدارية، تحديث نظم العمل والإجراءات، تطوير آليات اتخاذ القرار، وتحسين نظم التواصل الداخلي والخارجي.
والإصلاح المالي، بترشيد الإنفاق وتحسين الكفاءة، تطوير نظم الرقابة المالية، تحديث نظم المحاسبة والموازنة، تعزيز الاستدامة المالية، وتطوير نظم التحصيل والجباية.
وتحديث الأطر التشريعية، بمراجعة القوانين، تحديث القوانين والتشريعات القديمة، سد الثغرات القانونية، مواءمة التشريعات مع المتطلبات الحديثة، إزالة التعارضات التشريعية، تبسيط الإجراءات القانونية.
وإصدار قوانين تواكب المرحلة الجديدة، مثل تشريعات لتشجيع الاستثمار، قوانين لحماية المال العام، تشريعات لمكافحة الفساد، وتحديث قوانين العمل والتوظيف.
وتطوير نظم الحوكمة، بوضع معايير واضحة للحوكمة، تطوير أنظمة الرقابة الداخلية، تحسين آليات صنع القرار، تعزيز المشاركة في اتخاذ القرارات، وتطوير نظم إدارة المخاطر، تحديد واضح للأدوار والمسؤوليات، تطوير مدونات السلوك المهني، تعزيز آليات الرقابة المؤسسية، تحسين التنسيق بين المؤسسات، وتطوير نظم التقييم والمتابعة.
وتعزيز الشفافية والمساءلة، بنشر المعلومات والبيانات بشكل دوري، وتفعيل البوابات الإلكترونية، تسهيل الوصول للمعلومات، وتطوير نظم التقارير الدورية، تعزيز التواصل مع الجمهور، وتطوير نظم التقييم والمتابعة، وتفعيل آليات الشكاوى والاقتراحات، تعزيز دور الرقابة المستقلة، تطوير نظم التحقيق والمحاسبة، وتعزيز المشاركة المجتمعية في الرقابة.
وبناء القدرات المؤسسية، من خلال تدريب وتأهيل الكوادر الإدارية، تطوير المهارات القيادية، تحسين نظم التوظيف والترقية، تطوير برامج التحفيز والمكافآت، تعزيز ثقافة الأداء المؤسسي.
وتطوير البنية التحتية المؤسسية، بتحديث التجهيزات والمعدات، وتطوير نظم المعلومات، تحسين بيئة العمل، تعزيز استخدام التكنولوجيا، تطوير نظم الأرشفة والتوثيق.
كيف تتم معالجة النقاط الحرجة الاقتصادية؟
بالتزام سياسي بالإصلاح، ومشاركة جميع الأطراف المعنية، تبني نهج تدريجي في التنفيذ، المتابعة والتقييم المستمر، والمرونة في التعامل مع التحديات.
بتطوير الإطار المؤسسي، بإنشاء هيئات تنسيق عليا، وتطوير آليات صنع القرار، وتعزيز التعاون المؤسسي، وبناء القدرات التنفيذية، وتطوير نظم المتابعة والتقييم.
بتوفير التمويل والموارد، بتنويع مصادر التمويل، وتعزيز كفاءة استخدام الموارد، وتطوير آليات التمويل المستدام، جذب الاستثمارات الخارجية، وتعبئة الموارد المحلية.
بناء الشراكات والتعاون، بتعزيز التعاون الدولي، وبناء شراكات استراتيجية، وتطوير آليات التنسيق، وتعزيز دور القطاع الخاص، وتفعيل مشاركة المجتمع المدني.
هذه النقاط الحرجة تتطلب معالجة متكاملة ومتزامنة، مع الأخذ بعين الاعتبار الترابط بينها وتأثيراتها المتبادلة في مسار التعافي الاقتصادي.
مشاريع الترف والرفاهية: أخطار وتحذيرات
فليحذر القائمون بالأمر في المرحلة الانتقالية من إهدار الموارد والأوقات في مشاريع الترف والرفاهية التي أهمها، المجمعات التجارية الفاخرة، والمولات الضخمة، والمراكز التجارية العالية الفخامة، والأسواق المتخصصة للماركات العالمية، ومراكز التسوق الترفيهية، وكذا المشاريع السكنية الفاخرة، متمثلة في المجمعات السكنية المغلقة، والأبراج السكنية الفاخرة، والفلل والقصور، والمنتجعات السكنية، وأيضا المرافق السياحية والترفيهية متمثلة في فنادق خمس نجوم، والنوادي الخاصة المغلقة، والمنتجعات الصحية الفاخرة، ومراكز الترفيه العالية المستوى.
وكذا المرافق الخدمية الكمالية، مثل مراكز التجميل، والنوادي الرياضية الفاخرة، والمطاعم الفاخرة، وصالات الحفلات والمناسبات.
لماذا التحذير من مشاريع الترفيه والكماليات في المرحلة الانتقالية؟
للأخطار الاقتصادية المتمثلة في استنزاف الموارد باستهلاك كبير للعملات الأجنبية، واستنزاف موارد البنية التحتية، واستهلاك الأراضي الاستراتيجية، وتبديد الموارد المالية المحدودة.
وأخطار السوق، متمثلة في محدودية الطلب المحلي، وعدم استدامة العوائد، وارتفاع أخطار الفشل، وصعوبة التصفية عند الحاجة.
وللآثار الجانبية بتضخم أسعار العقارات، وارتفاع تكاليف المعيشة، وزيادة التفاوت الاجتماعي، وتشوه النمط الاستهلاكي.
إضافة إلى الأخطار الاجتماعية متمثلة في تعميق الفجوات الاجتماعية، وإيجاد مجتمعات معزولة، زيادة الشعور بالتهميش، تنامي الاحتقان الاجتماعي، وتعميق الفوارق الطبقية، الشعور بالإحباط لدى معظم أفراد المجتمع الذين لا يستطيعون المشاركة في المشروعات الترفيهية، وزيادة التوتر الاجتماعي، وتنامي مشاعر الظلم، وتراجع التماسك المجتمعي.
يجب التأكيد على أن تجنب مشاريع الترف في المرحلة الحالية لا يعني إلغاءها نهائيًّا، بل تأجيلها إلى مراحل لاحقة بعد تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
وفي الخاتمة، يتطلب التعافي الاقتصادي لسوريا نهجًا مرحليًّا دقيقًا يوازن بين الاحتياجات الإنسانية العاجلة وأهداف التنمية الطويلة المدى. يعتمد النجاح على الجهود المنسقة بين الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، مع الحفاظ على التركيز على النمو الاقتصادي المستدام والشامل. يجب أن تعطي المرحلة الانتقالية الأولوية للمشاريع السريعة الأثر للإغاثة الفورية والمبادرات الاستراتيجية للاستقرار الطويل المدى.
وتمثل النقاط الحرجة المذكورة محددات رئيسية لنجاح عملية التعافي الاقتصادي في سوريا. يتطلب التعامل معها تبني نهج شمولي ومتكامل يراعي الترابط العضوي بين مختلف المكونات الاقتصادية والاجتماعية. ومن الضروري إدراك أن معالجة هذه النقاط ليست عملية خطية بل تتطلب مقاربة ديناميكية تستجيب للمتغيرات وتتكيف مع المستجدات. كما أن نجاح المعالجة يعتمد بشكل كبير على تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، وتوفر الإرادة السياسية، والدعم الدولي، مع الحفاظ على الأولويات الوطنية والمصالح الاستراتيجية للاقتصاد السوري.