بعد أن منَّ الله على الشعب السوري بنجاح ثورته التي استمرّت ثلاثة عشر عاما وضحى فيها أحرارها بالغالي والنفيس، يسعون الآن لتتويج هذا الكفاح ببناء دولتهم بما تعنيه كلمة بناء من معان، فسوريا تُبنَى من جديد، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعمرانيا وعسكريا.
ولعل هذا المقال أن يساعد في رسم معالم المرحلة القادمة لهذا البلد العظيم.
إن الدولة الراشدة هي التي تملك رؤية استراتيجية مستوحاة من طبيعة المجتمع وحاجاته وإمكانياته البشرية والطبيعية.
وقد وجدت أن هناك عشرة أسس لا غنى عنها للنهوض بالدولة السورية خاصة أنها في طور البناء بعد حقبة طويلة من التخريب والاضمحلال والتدهور.
هذه الأسس العشرة هي كما يلي:
١-القيادة الرشيدة:
يجب أن تكون للدولة قيادة لديها رؤية استراتيجية واضحة لمستقبلها وتضع خططًا طويلة الأمد لتحقيق الأهداف التنموية، هذه القيادة ينبغي أن تمتلك الخبرة الكافية أو على الأقل يكون لديها الاستعداد على الاستعانة بالخبرات من أفراد ومؤسسات محلية ودولية لرسم الخطط الاستراتيجية اللازمة.
كذلك من الضروري أن يكون للقيادة الرشيدة دراية بالأولويات التي يحتاج إليها الشعب ومعرفة باحتياجاته الأساسية قبل التطلع إلى ما هو فوق ذلك.
والقيادة الرشيدة هي المنوط بها تنفيذ العناصر التسعة الأخرى المقترحة في هذا المقال.
٢- بناء جيش قوي:
على القيادة الراشدة العمل على توحيد الفصائل المسلحة في جيش نظامي واحد في أسرع وقت والعمل على تدريبه تدريبا عسكريا مكثفا وتسليحه تسليحا متطورا، وقد ثنيت بهذا العنصر مباشرة بعد القيادة الراشدة لأهميته القصوى، فبغير جيش قوي لن تقوم للدولة الناشئة قائمة ولن يحترمها جيرانها وسوف تكون لقمة سائغة لأعدائها فبالقوة وحدها تحررت الدولة وبالقوة الحارسة لها ستبنى من جديد، ولتعلم القيادة أنه في الوقت التي ستضعف فيه قوة الجيش سينقض عليها المفترسون فورًا بلا رحمة ولا هوادة. يقول الله تعالى “ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة”.
٣-العدالة:
العدل هو أساس الملك وهو من أسس الإسلام الثابتة التي جاء من أجل تحقيقها، ليس فقط بين المسلمين بل بين الناس أجمعين، والعدالة تشمل العدالة الحقوقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وبوجود العدالة بأنواعها تختفي الخلافات الداخلية والنزاعات ويعم السلم الاجتماعي.
٤-الحرية:
الحرية أساس أصيل من أسس الحكم الرشيد والمستقر، فلا يجوز أبدا استعباد الناس وقد خلقهم الله أحرارا، فقد أعطاهم الله سبحانه حرية الإيمان والكفر، فكيف لإنسان مثلهم أن يسلب منهم هذه الحرية، والحكم الرشيد هو الذي يوفر الحرية لأفراد مجتمعه، الحرية السياسية بأن يكون لكل إنسان حق المشاركة في اختيار حكامه وأن يشارك في القرارات المصيرية التي ستؤثر فيه وفي مستقبل أولاده من بعده، كذلك على الحكم الرشيد أن يوفر لأفراد مجتمعه الحرية الفكرية والحرية الدينية بمعنى أن يمارس كل صاحب دين طقوس دينه بحرية كاملة بشكل لا يجور على حريات الآخرين.
٥- الاقتصاد القوي والمتنوع والتنمية المتوازنة والإدارة الفعالة للموارد الطبيعية:
ويكون ذلك بتنويع مصادر الدخل، فالاعتماد على اقتصاد متنوع يقلل من مخاطر الاعتماد على قطاع واحد.
ويكون أيضا بتشجيع الاستثمار وذلك عن طريق تسهيل الإجراءات لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
كذلك ينبغي للدولة دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لأن هذه المشاريع تُعد العمود الفقري لأي اقتصاد ناشئ، إذ توفر فرص عمل وتحفز النمو.
ومن العوامل المؤثرة في الاقتصاد القوي تطوير البنية التحتية (الطرق، الموانئ، الاتصالات) لجذب المستثمرين وتسهيل التجارة.
كذلك تنمية المناطق الريفية والتركيز على تطوير المناطق المهمشة والقرى لضمان نمو شامل.
كذلك من العوامل الرئيسية في تطوير الاقتصاد التعامل الجيد مع الموارد واستغلال الموارد الطبيعية بطريقة مستدامة تضمن حقوق الأجيال القادمة.
ولا غنى لاقتصاد قوي عن تنمية الطاقات البديلة والاستثمار في الطاقة المتجددة لتقليل الاعتماد على المصادر التقليدية.
٦-الاستثمار في التعليم والبحث العلمي والابتكار والتكنولوجيا وبناء الإنسان علميا وأخلاقيا وثقافيا:
التعليم هو الأساس لبناء الكوادر البشرية القادرة على الإبداع والابتكار وهنا تجدر الإشارة إلى أهمية التركيز على التعليم الفني والتقني الذي يطلق عليه احيانًا التعليم النوعي جنبًا إلى جنب مع التعليم الأكاديمي.
كذلك يجب الاهتمام بالتنمية البشرية وذلك بتوفير برامج تدريب وتأهيل للشباب لتمكينهم من المشاركة في سوق العمل.
ومن الجوانب الهامة للدولة الناشئة تعزيز القيم الوطنية والأخلاقية عن طريق غرس الانتماء للوطن وتعزيز الهوية الوطنية لضمان الوحدة والحفاظ على القيم والتقاليد لتكون مصدر قوة للشعب.
ولا يفهم من ذلك أننا ندعو إلى الانغلاق وسد قنوات التواصل مع العالم الخارجي بل ينبغي الانفتاح على العالم لكن بتبني نهج متوازن بين الحفاظ على الهوية والانفتاح على الثقافات الأخرى.
كذلك على الدولة الاستثمار في البحث العلمي وتخصيص ميزانيات كافية للبحوث العلمية والابتكار لتطوير الحلول المحلية للمشكلات الوطنية.
وعلى الحكومة أن تسعى إلى الاستثمار في رقمنة الخدمات الحكومية ومن ثم استخدام التكنولوجيا لتحسين كفاءة الخدمات العامة وتعزيز الشفافية.
٧-العلاقات الخارجية المتوازنة:
على الدولة إقامة علاقات متوازنة مع الدول الكبرى والتكتلات الإقليمية لضمان الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري، كذلك عليها أن تُنشئ دبلوماسية فعالة للترويج لصورة إيجابية للدولة على الساحة الدولية والإقليمية؛ مما يعزز من مكانتها وتأثيرها الإقليمي، وكذلك يمكنها إبرام اتفاقيات دفاع مشترك مع الدول الصديقة؛ مما يساهم في حمايتها من الأطماع الخارجية إن وجدت.
٨-الإعلام:
الإعلام له دور كبير في التوعية والتوجيه وذلك باستخدام وسائل الإعلام المختلفة لتعزيز الوحدة الوطنية وتوجيه الشعب نحو الأهداف التنموية والتثقيف العام بنشر الوعي بأهمية العمل والإنتاج واحترام القانون كذلك يؤدي الإعلام دورا كبيرا في الدعاية للمشاريع القومية الكبرى في الداخل وفي الخارج ورسم صورة إيجابية عن الدولة ومحاربة الشائعات والمخططات التي تستهدف الدولة، كذلك يقوم الإعلام الحرّ بمراقبة الأداء الحكومي وترشيده ومحاربة الفساد وكشف المفسدين.
٩- نشر الوعي الإسلامي:
عندما نطالب بنشر الوعي الإسلامي لا نقصد فرض التدين والعلم الشرعي لا على المسلمين ولا على غير المسلمين، بل نقصد دعوة المجتمع إلى الالتزام بالقيم الأخلاقية الإسلامية، ودعم المسلمين في توثيق صلتهم بخالقهم والتزود بالعلم الشرعي وتربية أبنائهم على حفظ القرآن وتنشئتهم على التعاليم الإسلامية، ودعم هذا المنهج لأن هذا هو إكسير الحياة للمجتمع المسلم، وهذا ما سعى النظام البائد إلى محاربته على مدى سبعين عاما.
١٠- السياحة:
السياحة لها أهمية كبيرة بجانب إنعاش الاقتصاد تكمن في تعريف العالم بالدولة والمجتمع بشكل مباشر وملموس يختصر كل الوسائط الإعلامية والثقافية، وهذا يعد من أقوى الوسائل لتحقيق المعرفة اليقينية عند الشعوب المختلفة عن طريق السائحين الذين يعدون بمثابة سفراء لهذه الدول؛ مما يخدم مجالات أخرى كالدبلوماسية والتجارة والسياسة وغيرها من المجالات.
ومن المهم أن نلفت الانتباه إلى أهمية الاحتفاظ بالمنشآت القمعية للنظام القمعي المنهار من سجون ومقرات أمنية لتبقى شاهدة على الظلم والطغيان وتبقى نذيرا للأجيال القادمة من مغبة التفريط في مكتسبات الثورة والعودة إلى عصور الظلام.