إن تاريخ القارة الإفريقية يُظهر مدى همجية ووحشية الاستعمار الذي سرق ثرواتها لقرون طويلة، تحت ستار مفاهيم مصطنعة كثيرة، لكنها أوهى من بيت العنكبوت. وبعد سنوات طويلة من المعاناة، وجدت دول القارة السوداء في تركيا الصديق الخارجي الذي يتمثل في دولة شقيقة لديها رغبة حقيقية في الارتباط معها وتأسيس اتحاد مصيري فعال، والمضي قُدمًا معا في المستقبل، وزيادة فرص الربح للطرفين.
ويأمل هذا الاتحاد في وضع نهاية لزمن الاستعمار ووجهه وحقيقته البشعة ومواقفه المُهينة الاستكبارية التي تزدري تلك الشعوب وتنظر إليهم نظرة استعلاء، كما يعطي للشعوب الإفريقية الفرصة للوقوف ضد كل ذلك، وإعلان أن هذا الزمن قد ولَّى.
إن رؤية تركيا للقارة الإفريقية ليست محاولة للتسلط عليها أو التحكم في مقدَّراتها، لكنها رؤية تهدف إلى ضمان أن إنسان القارة الذي تم تجاهله لعدة قرون، ولم توضع إنسانيته في اعتبار أي مستعمر، هو إنسان كغيره ممن يعيشون في أي مكان في العالم، وله الحق في الحياة في ظروف مماثلة.
إما أن تكون جبلا
كما أنها ليست رؤية تهدف إلى الخداع -كما يزعم البعض، بل هي رؤية قوية قائمة على الإخلاص والأخوة.
وكما يقول المثل الصومالي: لكي يمكنك الحياة في إفريقيا “إما أن تكون جبلًا أو تتكئ على جبل”. واليوم أصبحت تركيا بتعاونها مع الصومال، جبلًا يعتمد عليه إخواننا وأخواتنا الصوماليون. ومع ذلك، فإن الهدف النهائي لهذا التواصل ورفع مستويات التعاون هو ضمان أن تصبح جميع البلدان في المنطقة، وخاصة الصومال، جبالًا هي الأخرى.
وبالنسبة لتركيا، فإن ما تقوم به من أنشطة تعاون متنوعة وشاملة وبنَّاءة في الوقت نفسه، مع الصومال، بدأت تشكل مثالًا يُحتذى به في البلدان الإفريقية الأخرى.
وها نحن نرى دولا إفريقية أخرى، وعلى رأسها جيبوتي، تسعى لتطوير مستويات التعاون مع تركيا واحدة تلو الأخرى.
إذن، ما السبب وراء تزايد طلبات التعاون هذه؟
وفي هذا المقال يمكنني أن أذكر أن هناك سببين وراء هذا السعي الحثيث للتعاون مع تركيا.
السبب الأول: يعود إلى النهضة والزخم الذي حققته تركيا في عهد أردوغان على مدى سنوات طويلة؛ حيث إن إنجازات تركيا وتغير مفاهيمها في العقدين الأخيرين، وخاصة في المجالين العسكري والأمني، كفيلة بإعطاء الثقة لدول المنطقة، وإمكانية قيامها بنهضة حقيقية وتحالفات قوية.
ومن ذلك ما توفره المشاريع الضخمة، وخاصة في صناعة الدفاع، من فرصة لسد فجوة مهمة لكل البلدان التي تواجه صعوبات في مجال الدفاع ودعم سيادتها.
السبب الثاني: يرتبط بموقف تركيا تجاه الدول التي تتعاون معها. ففي جميع أوجه التعاون التي تطورها تركيا تحرص على توفير شروط شفافة وعادلة بعيدة عن أي أجندات سِرية، بالإضافة إلى أن هدفها الأكثر أهمية في جميع الاتفاقيات التي تعقدها، هو تطوير البلدان المشتركة في الاتفاقية، واتخاذ خطوات واقعية أكثر ثقة في المستقبل.
أهمية كبيرة للاستقرار
فتركيا في تعاملاتها الخارجية، ولا سيما مع الدول الإفريقية، تولي اهتماما كبيرًا لتحقيق استقرار تلك الدول وسيادتها وكذلك أن تلحق بركب الدول المتقدمة.
وفي هذا السياق تتجه تركيا إلى إفريقيا لا لتأخذ بل لتعطي، لا لتسرق بل لتحقيق الإنجازات والمساهمة في النهضة، لا لإضعاف الشركاء وتشويههم بل لدعمهم ورفعة شأنهم.
ومن ناحية أخرى فإن دخول تركيا إلى المنطقة ومنهجها القويم الحاسم في سيرها نحو المستقبل مع الدول التي تسعى للنمو في المنطقة، سيمثل بالطبع مصدر إزعاج لبعض الدول القوية.
ولهذا فقد شهدت السنوات الماضية العديد من المحاولات لتعطيل هذا التعاون والحيلولة دون حدوثه أو استمراره حتى الآن، وستستمر في القيام بذلك في المستقبل. ومع ذلك، بغض النظر عما قد يقوم به أي طرف، فإن تنمية المنطقة هو الهدف الذي سيتم العمل عليه وضمانه بطريقة أو بأخرى، وسيشهد القرن القادم سطوع نجم القارة الإفريقية.