ولادته:
كأي من أبناء آدم ولد الرسول، وبعيدا عن روايات التميز لتلك اللحظة فهي روايات لا تنسجم مع طبيعة رسالة الإسلام، التي هي إصلاح الآدمية وبناء الإنسان، ومنظومة أخلاقية ينبغي أن تقود السلوك فيكون معتنقها إنسان.
رسالة لا تطلب من معتنقها أن يكون من الخوارق ولا ناسك يعتصم بالجبل ليبني هناك صومعة تقربه من السماء، أو تعزله عن الناس؛ إنها ولادة من سيحمل رسالة تطلب أن تكون بشرا سويا تخطئ وتستغفر تحرص على جمع الزاد ليوم المعاد، ليس بالتبتل بل بالعمل، وليس بالتقوقع بل بالانفتاح، من أجل هذا كانت ولادة الرسول كأي ولادة، ليست كولادة المسيح التي عزلت نسب الظهر عن بني اسحاق من يعقوب لتقول ليس هنالك منكم بعد اليوم رسول، لتذهب بها إلى واد غير ذي زرع حيث سلالة إسماعيل من إبراهيم نبي الإسلام والتوحيد.
وقد تحولت السلالة إلى التعبد بالوسيلة وتجسدها تماثيل ورموز واختلطت، فلم تعد إلا تجارة تستهوي أصحاب الغرائز الطاغية وخفة التدبر ومخرجات المنظومة العقلية التي فسدت بالخرافة، إنها ولادة بشر ككل البشر، وكما سيولد من بعد رسول الله بشر مجددون على منهجه سائرين للمثاني يفتحون فيجدون من خلال الاستقراء للواقع والاستنباط مسارات لعصرهم وحلولا لمشاكلهم وتجديدا لحياتهم ليتخلصوا من التخلف ويشاركوا العالم في إنتاج المدنية من أجل هذا كانت ولادة الرسول ولادة بشرية تثبت الرسالة في هذه الأمة التي لا يحدها عرق ولا تحدد دعوتها طائفة، وإنما هي رسالة للبشرية.
ما بعد المولد:
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)
ألم يجدك: كلام في المضارع فمن تمعن بها فإنها تخص كل الناس، فالنفوس قبل أن تسوى والجسد في رحم الأم؛ كانت يتيمة، لا أم ولا أهل ولا عائلة، لكنها وجدت في الدنيا لعلاقات الدنيا التي تنقضي يوم لا أنساب بينكم، ثم تأتي الخصوصية والقدوة في التفكر فيخاطبه في الماضي وقد هداه بعد تفكير واعتزال، فهل اعتزل بعد الهداية، لا، فقد عرف الطريق والدعوة بالتعامل مع الناس لا الانعزال عنهم، وكان لابد للدعوة من سند مادي، فأغناه الله عندما وجد زوجا صالحة وعمل في تجارتها، فكانت الأموال داعمة لمسار الدعوة ولا شك إن هذه الأمور تحتاج مراجعة من المؤرخين، وهم يسردون حياة الرسول فالقرآن يقول إنك غني.
من أجل هذا لينظر المسلم إلى اليتيم فيؤويه وإلى الفقير فيسد حاجته أو يعطيه ما يبني به عمل أو حياة، وإن شكر الله من واجبات المنعم عليه لديمومة النعم.
فهذا الدين ليس جامدا في عصور قديمة، ولا هو آت من الماضي فهو يولد، وتفتح مثانيه من المولودين، وعلى الدولة أن تدعمهم ليتمكنوا من نشر الفكر في عصره بدل التقوقع في أحضان تاريخ انقضى زمنه والتعامل مع القرآن وكأنه اليوم ينزل وكلنا مكلف بالتفكر والتدبر وبناء حياة على قيمه، فليس القرآن طلاسم أو رموز وإنما هو لسان عربي فصيح فهمته الناس حين قرئ وآمنت به، وممكن أن نفهمه ويستنبط منه أولئك الذين ولدوا ليحملوا رسالة التجديد، غني أم فقير، حاكم أم محكوم، إنها إدارة الحياة والنهوض بالأمة بتعدد وسائلها والتمسك بالتقوى وحبل الله المتين.
إن من ينظر إليك هو الله ما اعتصمت به، فلا فقدان أب يمنع أن تكون قائدا، ولا فقدان أم، وإنما هي كفالة الطريق والتعامل مع الأعراف في المسارات إلى تمكين الرسالة. كذلك كانت رسالة رسول هيأه الله ليأخذ بأيسر الحلول وأنفع القول وأحسن السلوك، كذلك أي ممن يفهم عقيدة الإسلام فهو يستمد من نورها ويشع بمضمونها على بيئته ومحيطه واليوم مع تقدم العلم وتقارب المكان، ووجود وسائل الاتصالات ممكن أن تشع بفكرك على العالم، رغم أننا نرى الفراغ هو الغالب وأننا نسيء حتى للمدنية التي أتاحت لنا الكثير مجانا، بيد أننا نرى كم التفاهة. فحبنا للرسول لابد أن يكون اتباع المنهج وليس غراما وهياما ومغادرة منظومة العقل التي فاخر بها الله ملائكته، ومولده هو مولد لنا في فهم رسالته، والفهم أول خطوات المسار نحو غايات الإسلام والقرآن الذي هو الإنسان (كان خُلُقُه القُرآنَ).