بين المناصفة في الأملاك بين الزوجين والطريق الأهدى والأقوم

عرضنا في المقالات الثلاث السابقة لقضية المناصفة بين الزوجين فيما يُسمى مال الزوجية، فناقشنا في المقال الأول التوصيف والخلفية القانونية، وفي المقال الثاني ناقشنا قضية حق الكد والسعاية، وفي المقال الثالث ناقشنا حق المناصفة من منظور الشريعة.

وفي هذا المقال نذكر اجتهادنا في القضية.

وبادئ ذي بدء، لا بد أن تجاهل الواقع والتغيرات التي طرأت على أنماط السلوك الاجتماعي، والتحامي إلى الموروث المعهود لن يحل القضية، ولن يبطل موطن النزاع، ومن هذا المنطلق لا بد أن نقر أن هناك قدرًا من المظلومية يقع على كثير من النساء في حالات الطلاق، لا سيما إن وقع بعد امتداد الزواج زمنًا معتبرًا، تتغير فيه الظروف الاجتماعية والاقتصادية للزوجة تغيرًا يصعب أن تعود معها إلى ما كانت عليه قبل الزواج.

ومن ذلك ما أشرنا إليه في مقال سابق من تغيّر لقيمة الأشياء، كقيمة المهور، وزيادة التضخم وغلاء أسعار العقارات، مع قلة فرص الكسب مع تقدم العمر، ولربما حدوث المرض، وغيرها من العوارض الاجتماعية والاقتصادية والبدنية.

لقد سمعت عن حالات طلاق لنساء في سن الستين دون أن يكون لهن حق في السكن، ومن ثم ينتهي الأمر بهن إلى الطرقات والعوز والحاجة بعد أن تكون قد قضت عمرها في خدمة الرجل، فهل يتفق هذا مع مقاصد الشريعة، وروحها؟ أو يطلقها لمرض أصابها ويخرجها من بيت الزوجية دون أن يكون لها مكان بديل، فهل يتفق هذا أيضًا مع مقاصد الشريعة؟

فإذا لم يكن هناك باب لتطبيق قاعدة المناصفة بمفهومها الغربي، فما هو الطريق الأهدى والأقوم من جهة النظر المقاصدي؟

أقول:

١- الصواب عندي أن نتوسع في حقوق المطلقة ليس من باب المناصفة فقد أثبتنا بطلانه وفساده، ولكن من باب التوسع في مفهوم المتعة، فالمتعة حق أنزله الله على الزوج تجاه مطلقته، قال تعالى: ﴿‌وَلِلْمُطَلَّقَاتِ ‌مَتَاعٌ ‌بِالْمَعْرُوفِ﴾، وقال تعالى: ﴿‌فَمَتِّعُوهُنَّ ‌وَسَرِّحُوهُنَّ ‌سَرَاحًا ‌جَمِيلًا﴾

وهنا لنا وقفة في مسألة متعة النساء:

من الآيات التي نزلت تنظم مسألة متعة النساء حال وفاة الزوج قوله تعالى: ﴿‌وَالَّذِينَ ‌يُتَوَفَّوْنَ ‌مِنْكُمْ ‌وَيَذَرُونَ ‌أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ﴾، قال القرطبي في تفسير الآية: (ذهب جماعة من المفسرين في تأويل هذه الآية أن المتوفى عنها زوجها كانت تجلس في بيت المتوفى عنها حولًا، وينفق عليها من ماله ما لم تخرج من المنزل، فإن خرجت لم يكن على الورثة جناح في قطع النفقة عنها، ثم نسخ الحول بالأربعة الأشهر والعشر، ونسخت النفقة بالربع والثمن في سورة “النساء”، قاله ابن عباس وقتادة والضحاك وابن زيد والربيع). فاعتبار حال المرأة بعد انقضاء الزوجية كان معتبرًا وله ما يسوغه، مع اعتبار أن المطالب بالنفقة قد توفي، إلا أن حاجة المرأة للرعاية والتمهيد لما سيلي من الأحكام جعل الحكم واجبًا حتى نسخ بما يخلفه من آيات المواريث.

وفي حالة الطلاق نجد مواضع في القرآن تتحدث عن متعة المطلقة، واحدة قبل الدخول، وهي قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾، وهذه لا تدخل في نطاق هذا البحث.

ومن المواضع الأخرى قوله تعالى: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ ‌مَتَاعٌ ‌بِالْمَعْرُوفِ ‌حَقًّا ‌عَلَى ‌الْمُتَّقِينَ﴾ وقوله تعالى: ﴿‌وَمَتِّعُوهُنَّ ‌عَلَى ‌الْمُوسِعِ ‌قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ وقوله تعالى: ﴿‌فَتَعَالَيْنَ ‌أُمَتِّعْكُنَّ ‌وَأُسَرِّحْكُنَّ ‌سَرَاحًا ‌جَمِيلًا﴾.

قال القرطبي في تفسير الآية الثانية: (قوله تعالى: ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ﴾ معناه: أعطوهن شيئًا يكون متاعًا لهن. وحمله ابن عمر، وعلي بن أبي طالب، والحسن بن أبى الحسن، وسعيد بن جبير، وأبو قلابة، والزهري، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، على الوجوب. وحمله أبو عبيد، ومالك بن أنس وأصحابه، والقاضي شريح، وغيرهم على الندب. تمسّك أهل القول الأول بمقتضى الأمر. وتمسّك أهل القول الثاني بقوله تعالى: ﴿حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ و ﴿عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾. ولو كانت واجبة لأطلقها على الخلق أجمعين. والقول الأول أولى؛ لأن عمومات الأمر بالإمتاع في قوله: ﴿مَتِّعُوهُنَّ﴾ وإضافة الإمتاع إليهن بلام التمليك في قوله: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ ‌مَتَاعٌ﴾ أظهر في الوجوب منه في الندب. وقوله: ﴿عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ تأكيد لإيجابها؛ لأن كل واحد يجب عليه أن يتقي الله في الإشراك به ومعاصيه، وقد قال تعالى في القرآن: ﴿‌هُدًى ‌لِلْمُتَّقِينَ﴾

وقال أيضًا: (واختلفوا في الضمير المتصل بقوله: ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ﴾ مَن المراد به مِن النساء؟ فقال ابن عباس، وابن عمر، وجابر بن زيد، والحسن، والشافعي، وأحمد، وعطاء، وإسحاق، وأصحاب الرأي: المتعة واجبة للمطلقة قبل البناء والفرض، ومندوبة في حق غيرها. وقال مالك وأصحابه: المتعة مندوب إليها في كل مطلقة وإن دخل بها، إلا في التي لم يدخل بها وقد فرض لها فحسبها ما فرض لها ولا متعة لها. وقال أبو ثور: لها المتعة ولكل مطلقة. وأجمع أهل العلم على أن التي لم يفرض لها ولم يدخل بها لا شيء لها غير المتعة. قال الزهري: يقضي لها بها القاضي. وقال جمهور الناس: لا يقضي بها لها).

ومن مجموع كلام الفقهاء نجد أن آراءهم في المتعة تنصرف إلى ثلاثة آراء رئيسة:

الأول: أن المتعة مندوبة مطلقًا في كل طلاق إلا في حالات لم تشرع فيها المتعة، فذهب المالكية إلى القول بأن المتعة مندوبة في كل طلاق، ولا ترد منها شيئًا مما أخذت سواء دخل بها أو لم يدخل بها.

واستثنوا المفارقة بلعان فلا متعة لها، وأيضًا المفارقة بطلبها قبل البناء أو بعده فلا متعة لها؛ لأن المرأة هي التي اختارت الفراق، فلا تُسَلَّى عن المشقة التي تلحق بها.

الثاني: وهو رأي السادة الأحناف وفيه تفصيل منه: أن المتعة واجبة إذا فارق الزوج زوجته قبل الدخول والخلوة الصحيحة بسبب من جهته، ولم يكن قد سمى لها عند العقد شيئًا يصلح أن يكون مهرًا، وذلك لقوله تعالى: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ‌أَوْ ‌تَفْرِضُوا ‌لَهُنَّ ‌فَرِيضَةً ‌وَمَتِّعُوهُنَّ ‌عَلَى ‌الْمُوسِعِ ‌قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾. فقد نفى الشارع الحكيم الجناح والإثم من المطلق قبل الدخول، ثم أمره بأن يمتعها بما يخفف آلامها ويطيب خاطرها عن الفرقة التي حصلت بغير سبب منها، والأصل في الأمر يكون للوجوب، فيختص بهذه المرأة احترازًا عن غيرها من النساء كالمطلقة بعد الدخول فرض لها أو لم يفرض، أو المطلقة قبل الدخول في نكاح سُمِّي فيه المهر، فإن المتعة لهؤلاء مستحبة؛ لأنها لا تجب إلا بدلًا عن نصف المهر الواجب في حالة المطلقة قبل الفرض أو الدخول.

أمّا من استحقت الواحدة منهن المسمى أو مهر المثل بعد الدخول فلا حاجة بها إلى المتعة، وإنما تستحب أو تسن ليكون ذلك من قبيل التسريح.

فخلاصة القول عند الأحناف أن المتعة عندهم تُستحب لكل مطلقة، فيما عدا المفوضة وهي من زُوجت بلا مهر ثم طُلقت قبل الدخول، أو سمى لها المهر تسمية فاسدة فإن المتعة تكون فيها واجبًا.

الثالث: قول الظاهرية والشافعية أن المتعة واجبة على كل مطلق أيًّا كان نوع الطلاق، واحدًا أو اثنين أو ثلاثًا، وسواء دخل بها أو لم يدخل، وسواء سمى لها مهرًا في العقد أم بعده أو لم يفرض لها أصلًا، وذلك لقوله تعالى: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ ‌مَتَاعٌ ‌بِالْمَعْرُوفِ﴾ فجعل الله تعالى المتعة لكل مطلقة، ولقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ ‌وَأُسَرِّحْكُنَّ ‌سَرَاحًا ‌جَمِيلًا﴾، فإيجاب المتعة هو مذهب الشافعي الجديد، حيث أوجبها للمطلقة بعد الدخول إن لم تكن الفرقة منها أو بسببها، وهو قول لأحمد اختاره ابن تيمية، كما أن إيجابها مذهب أهل الظاهر وهو قول لمالك أيضًا.

ولذلك نجد أن القانون المصري مثلا قد نص على نفقة المتعة في المادة رقم (18 مكرر) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 والتي جاء بها “الزوجة المدخول بها في زواج صحيح إذا طلقها زوجها دون رضاها ولا بسبب من قبلها تستحق فوق نفقة عدتها متعة تُقدَّر بنفقة سنتين على الأقل وبمراعاة حال المطلق يسرًا وعسرًا وظروف الطلاق ومدة الزوجية، ويجوز أن يرخص للمطلق في سداد هذه المتعة على أقساط”.

وقد تم تعديل القانون فصار أكثر تفصيلًا، ونص التعديل على أن الزوجة المدخول بها في زواج صحيح إذا طلقها زوجها دون رضاها ولا بسبب من قبلها تستحق فوق نفقة عدتها متعة تُقدَّر بنفقة سنتين على الأقل، وبحد أدنى 1500 جنيه.

وإذا جاء الطلاق بعد عشر سنوات متصلة تُقدَّر نفقة المتعة بنفقة خمس سنوات، وبحد أدنى لا يقل عن 2000 جنيه، وإذا حدث الطلاق بعد 15 سنة فأكثر متصلة تُقدَّر نفقة المتعة بنفقة سبع سنوات، وبحد أدنى لا يقل عن 2500 جنيه.

وفي السعودية مثلًا، نفقة المتعة في القانون السعودي هي حق للمطلقة، وفي حال تمنع الرجل عن دفعها فيمكن للمرأة اللجوء إلى المحكمة لأخذ حقوقها، وفي حال طالت القضية واستدعت الحاجة فحينها يمكن للقاضي أن يقوم بالحكم بنفقة مؤقتة للمطلقة.

وعند صدور الحكم وتحديد النفقة وامتناع الرجل عن دفعها أو المماطلة بها يمكن للقاضي أن  يحكم عليه بالسجن، وذلك حسب الفعل فيما إذا امتنع عن السداد، أو قام بإخفاء أمواله، أو امتنع عن قول ما لديه من مال، أو قام بتهريب أمواله، أو قام برفع دعوى الغاية منها تعطيل تنفيذ الحكم بنفقة المتعة.

وبالنسبة لقيمة نفقة المتعة في القانون السعودي فليس هناك ما يحدد قيمتها مهما كبرت أو صغرت، فهي تعود بشكل أساسي إلى وضع الزوج المالي وحالته المادية.

كما أنه يتم الأخذ بالحسبان مدة الزواج التي دامت بين الرجل والمرأة وتختلف فيما إذا كان الرجل ذا قدرة مالية كبيرة ويُعَد من الأغنياء، وإذا ما كانت المرأة تُعَد من الأغنياء، فحينها تكون قيمة النفقة كنفقة الأغنياء. أو فيما إذا كان الرجل ذا قدرة مالية ضعيفة ويُعَد من الفقراء، وإذا ما كانت المرأة من الفقراء، فحينها تكون قيمة النفقة كنفقة الفقراء. أما في حين كان الرجل ذا قدرة مالية عالية والمرأة من الفقراء أو العكس فحينها تكون قيمة النفقة كنفقة المتوسطين.

وفي المغرب تُعَد نفقة المتعة من مستحقات الزوجة المترتبة على الطلاق، ففي حالة وقوع الطلاق من طرف الزوج يتم تقدير نفقة المتعة حسب:

  • الحالة الاجتماعية للزوج؛ إذ يجب مراعاة أن الزوج قد شرع في تأسيس أسرة جديدة وله التزامات أخرى، حيث لا ينبغي اعتقاله بمبالغ باهظة قد تؤدي إلى الإضرار به.
  • أجر الزوج وممتلكاته إذ تقوم المحكمة بتعيين خبير يقوم بتحري المداخيل التي يتوفر عليها الزوج من راتب وأرباح، والممتلكات التي تدر دخلًا على الزوج مثل الممتلكات الزراعية أو التجارية أو العقارية.
  • الوضعية المعيشية؛ حيث تختلف الوضعية المعيشية من مكان إلى مكان فالبادية غير المدينة.

وتشمل النفقة في القانون المغربي الغذاء والكسوة والعلاج، وما يُعَد من الضروريات والتعليم للأولاد. وتُعَد تكاليف سكنى المحضون مستقلة في تقديرها عن النفقة وأجرة الحضانة وغيرهما. ويُراعى -في تقدير كل ذلك- التوسط ودخل الملزم بالنفقة، وحال مستحقها، ومستوى الأسعار والأعراف والعادات السائدة في الوسط الذي تُفرض فيه النفقة.

ومقدار النفقة يمكن تعديلها بالزيادة أو النقصان بشرط مرور سنة من تاريخ تحديد النفقة.

وعليه: فنفقة المتعة معمول بها في كثير من البلاد الإسلامية، وهي باب واسع يمكن من خلاله تعويض المرأة لا سيما في الحالات التي أشرنا إليها حيث لا كسب ولا معين، وهي محل اجتهاد من القاضي، فلا حد معيَّنًا لها، بل جاءت النصوص بالإطلاق المفوض الذي يسمح للقاضي أو من ينوب عنه بالاجتهاد، فلربما حكم لها بسكن، أو بجزء من مصادر كسبه ليكون دخلًا ثابتًا.

٢- الأمر الثاني الذي يمكن أن نتوسع فيه هو باب الشروط في الزواج، وهو باب آخر يمكن أن تشترط فيه الزوجة على زوجها شروطًا تشمل حالي الزواج والطلاق، والأصل فيه ما أشرنا إليه من قبل من قوله تعالى: ﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا ‌أَوْفُوا ‌بِالْعُقُودِ﴾. وقوله صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ». وقول عمر رضي الله عنه: “مقاطع الحقوق عند الشروط”.

وهنا لا بد أن نذكر أن الشروط في عقد الزواج تنقسم إلى ثلاثة أنواع:

  • الشروط الموافقة لمقاصد الشرع العامة ومقاصد عقد الزواج الخاصة:

وذلك كاشتراط العشرة بالمعروف، والنفقة بالحلال والعدل بينها وبين غيرها -سواء كانت ضرة أو أمًّا أو أختًا- والحق الشرعي في الجماع، وغيرها من مقاصد الزواج. فهذه جائزة بالاتفاق وواجبة الوفاء.

  • الشروط المخالفة لمقاصد الشريعة العامة ومقاصد الزواج الخاصة:

وذلك كاشتراط إسقاط النفقة، أو أنها غير ملزمة بطاعته، أو أن تأذن في البيت لمن تشاء دون الرجوع إليه، أو ألا ينفق على ضرتها أو أبويه أو أخواته ممن يجب عليه نفقتهم، أو يشترط الزوج مثلًا عدم دفع المهر أو عدم مجامعتها مع قيام الحاجة. فهذه كلها شروط باطلة، تبطل ويصح العقد على رأي السادة الأحناف، وذهب البعض إلى أن العقد يبطل بالشروط الباطلة، وذهب الجمهور من الشافعية والحنابلة إلى التفصيل، وأن هناك ما يبطل العقد وهناك شروط فاسدة لا تبطله.

  • الشروط الجائزة:

وهذه شريحة كبيرة يمكن أن تؤمّن المرأة بها حياتها الزوجية أو في حالة الطلاق، ومن أمثلة هذا النوع مثلًا أن يكتب لها شيئًا باسمها، أو أن يدفع تكاليف تعليمها، أو لا ينقلها من بلدها الأصلي، لما رواه الأثرم بسنده أن رجلًا تزوج امرأة وشرط لها دارها، فأراد أن ينقلها، فخاصموه إلى عمر رضي الله عنه، فقال عمر: “لها شرطها”. أو أن يسمح لها بزيارة أهلها، ولها أن تشترط أن يعطيها بعض ما عنده إذا طلقها، ويكون ذلك إما شرطًا أو جزءًا من المهر المؤخر.

٣- المسارعة إلى تقنين حق الكد والسعاية الذي تحدثنا عنه في ضوء الضوابط التي ذكرناها ثمة، ونعيد التذكير بها:

أ- أن يرتبط القدر المرصود للساعي (الزوجة هنا) بقدر الكد والسعاية، فلا يكون نصيبًا مطلقًا، قلت السعاية أو كثرت.

ب- أن يقتصر على الجزء المسعي فيه، فلا يتعداه إلى غيره مما اكتسبه الزوج بانفراده.

ج- ألا ينسحب على المال السابق للزواج، ولا الحاصل بغير العمل كالميراث والهبات.

د- أن يُراعى فيه حقوق الساعين جميعًا، لا حق الزوجة فقط، ولا يجور حق سعيها على الحقوق الأصيلة مثل الميراث.

هـ- أن يقوم الدليل القطعي على إثباته، وليس مطلق الدعوى.

وفي النهاية، أود أن أذكر من باب الوعظ أن عقد الزواج وإن كان من عقود المعاوضات إلا أنه قائم على المسامحة، وأن الأصل في حالة الفرقة قوله تعالى: ﴿‌وَلَا ‌تَنْسَوُا ‌الْفَضْلَ ‌بَيْنَكُمْ﴾، وقوله صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى»، وقوله: (رجلًا) من باب التغليب لا من باب الحصر، بل المرأة أيضًا يشملها الخطاب.


إعلان