من تحت الركام.. قصة أمة ترفض أن تموت

في الأيام الحالكة التي يعتقد فيها البعض أن الستار قد أُسدل على فصل من فصول المجد، تظهر الحقيقة الأعمق والأكثر صلابة: الوطن لا يضيع، بل يختبئ في قلوب أبنائه ليولد من جديد.
كم هو واهم من ظنّ أن سنوات العُسرة أو ضربات المحنة هي النهاية! بل إنها ليست سوى فاصل زمني إجباري، استراحة محارب تُتيح لنا فرصة نادرة لإعادة قراءة المشهد وتصحيح المسار، وتكشف معادن الرجال.

القطاع العقاري.. البوصلة التي تشير إلى العودة

 

في قلب أي أزمة، يُعد القطاع العقاري والبنية التحتية الوريد النابض الذي يعكس حالة الثقة في المستقبل. عندما تتوقف الحركة، يظن المتشائم أن القيمة قد فُقدت إلى الأبد، ولكن للمغادرين والقاعدين على حد سواء أقولها بوضوح: العقار يمرض ولا يموت.

إن حركة النهوض بدأت بالفعل، ليس في التصريحات الرنانة، بل في صميم الواقع الذي لا يكذب، فعودة المواطنين وكل حقيبة تعود إلى أرض الوطن، وكل أسرة تقرر العودة للاستقرار، هي تصويت بالثقة في المستقبل، وهي الشرارة التي تُعيد إشعال الطلب الحقيقي على السكن والمرافق والخدمات. هؤلاء العائدون ليسوا ضيوفًا، بل هم رأس المال الحقيقي الذي سيُعمّر ويُنتج.

استقبال وفتح المطار

حين تُفتح الأبواب، لا يدخل المسافرون فحسب، بل تدخل معهم الاستثمارات والخبرات ورؤوس الأموال المهاجرة التي كانت تنتظر الإشارة الخضراء. إنها إشارة للعالم بأن هذا البلد قرر أن يتنفس بعمق، وأن زمن العزلة قد ولى.

البناء على نحو أفضل (Build Back Better)

نهضتنا القادمة يجب ألا تكون مجرد ترميم لبيوت منهارة أو رتق لثقوب في البنية التحتية، فهذه المحنة الكبرى تمنحنا تفويضًا تاريخيًّا لإعادة البناء على نحو أفضل.
لا ينبغي أن ينصب التركيز على العاصمة فحسب، فالنهوض الحقيقي يبدأ بتوزيع عادل للتنمية واستغلال الإمكانات غير المستغلة في الأقاليم، وتخطيط مدن جديدة أكثر استدامة ومرونة وقدرة على الصمود في وجه أي تحديات مستقبلية.

الشراكة هي أساس القوة، وعلى الحكومة والقطاع الخاص، محليًّا ودوليًّا، أن ينسجوا شبكة من الشراكات الذكية. يجب تسهيل الإجراءات وتقديم حوافز حقيقية للمستثمرين الشرفاء، كما يجب أن نتبنى مشاريع الإسكان الميسر والخدمات اللوجستية باعتبارها أولوية قصوى.

الرقمنة ومحاربة الفساد

لن ننهض بجدية ما لم نؤمّن القطاع العقاري من آفة الفساد والتلاعب بالملكيات. فالتحول الرقمي وتطبيق «الرقم العقاري الموحّد» ليسا ترفًا، بل هما ضمانة لاستعادة ثقة المواطن والمستثمر في آن واحد.

رسالة إلى من فقد الأمل

إذا كنت ممن يقف على الأطلال ويتساءل: كيف نبدأ؟ فاعلم أن الإجابة تبدأ بالخطوة الأصغر.
ابدأ بالترميم، فترميم بيتك ليس مجرد بناء حائط، بل هو ترميم للثقة وإعلان ولاء لمستقبلك ومستقبل أبنائك.
الفرص موجودة بكثرة لمن يمتلك الرؤية، لأن الأسعار في القاع، وعودة الحياة ستجعل العائد حتميًّا.

لا تنتظر بطلًا سياسيًّا أو معجزة اقتصادية، فالنهوض يولد من إصرارك على الذهاب إلى عملك كل صباح، وإعادة تشغيل مصنعك، وتنظيف شارعك، ودفع عجلة الحياة مجددًا.

رسالة أخيرة: ثورة الشباب العمرانية

في خضم هذه المعركة من أجل إعادة الإعمار، يجب ألا ننسى القوة الأكثر فتكًا وابتكارًا لدينا «الشباب».
إن الشباب يمثلون أكثر من 50% من السكان، وهم ليسوا مجرد أرقام في الإحصاءات، بل هم وقود التغيير ومهندسو المستقبل الرقمي والمستدام.
لذا، ندائي موجّه إلى صنّاع القرار وكبار المستثمرين: اتركوا الفرصة لهذا الشباب! امنحوهم الثقة، وافتحوا لهم مسارات القيادة والابتكار في التخطيط والبناء. إنهم يمتلكون الطاقة والرؤية والقدرة على تطبيق تقنيات البناء الحديثة التي تختصر الزمن والجهد.

كفانا تهميشًا، فالشاب الذي يملك حلمًا هو من سيُعيد بناء هذا الوطن بشكل أفضل وأسرع مما نتخيل.
تذكروا جيدًا، من ظنّ أن السودان ضاع أو أن أمة قادرة على البناء والتغيير قد انتهت، فهو واهم كبير.
الآن هو وقت البنّائين، لا وقت المشككين. لِنصنع معًا قصة ملهمة جديدة تُروى للأجيال القادمة.


إعلان