بعد سنوات من الحرب الأهلية والتغيرات السياسية المتسارعة، برز اسم أحمد الشرع قائدا جديدا لسوريا، متوليا منصب الرئيس المؤقت في مرحلة انتقالية مفصلية. لم يأتِ وصوله إلى السلطة عبر انتخابات أو توافق سياسي، بل فرضه واقع ميداني جديد، أعاد تشكيل الخارطة السياسية في البلاد. وبينما يرى البعض فيه قائدا قادرا على إعادة توحيد سوريا، يرى آخرون أن ماضيه العسكري وانتماءاته الفكرية قد تشكل عقبة أمام بناء دولة حديثة ومستقرة.
وُلد أحمد الشرع عام 1982 في مدينة درعا، ودرس الحقوق في جامعة دمشق قبل أن ينخرط في العمل المسلح ضمن صفوف المعارضة مع اندلاع الثورة السورية عام 2011. سرعان ما برز أحد القادة الميدانيين الأكثر نفوذا، وتولى لاحقا قيادة “هيئة تحرير الشام” التي مارست دورا محوريا في السيطرة على إدلب وأجزاء واسعة من شمال سوريا.
بعد سقوط نظام بشار الأسد في أواخر 2024، أعلن الشرع استقالته من قيادة “هيئة تحرير الشام” وتحوُّله إلى العمل السياسي، مؤكدا أن المرحلة الجديدة تتطلب قيادة مدنية لا عسكرية. هذا الإعلان فتح الباب أمام توليه رئاسة الحكومة الانتقالية، مستندا إلى دعم واسع من قواته السابقة والفصائل المعارضة الأخرى، إلى جانب شبكة من العلاقات الإقليمية والدولية.
برنامج الشرع السياسي.. وعود وآمال
في خطابه الأول رئيسا مؤقتا، حدَّد الشرع مجموعة من الأهداف التي تسعى حكومته لتحقيقها، أبرزها:
إعادة بناء مؤسسات الدولة: أكد ضرورة توحيد الجيش والأجهزة الأمنية تحت قيادة مركزية لضمان استقرار البلاد. كما شدَّد على أن دمج الفصائل المسلحة في جيش وطني واحد يجنب سوريا السيناريو الليبي، إذ أدى تشرذم القوى العسكرية إلى صراعات داخلية لا نهائية.
صياغة دستور جديد: أعلن تشكيل مجلس تشريعي مؤقت للإشراف على وضع دستور يعكس تطلعات الشعب السوري، لكنه لم يوضح معايير تشكيله، مما يثير تساؤلات بشأن استقلاليته.
إعادة اللاجئين: تعهد بوضع خطط لتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بكرامة وأمان، لكنه لم يوضح كيفية توفير الضمانات الأمنية والاقتصادية لعودتهم.
إصلاح الاقتصاد: شدَّد على أهمية إعادة بناء البنية التحتية وإنعاش الاقتصاد عبر التعاون مع الدول الإقليمية والدولية.
المصالحة الوطنية: دعا إلى تجاوز الخلافات السابقة وبناء مستقبل مشترك على أساس العدالة والمساواة، مؤكدا أن “الرحمة والعدل والإحسان عند القدرة” يجب أن تكون مبادئ الحكم، محذرا من أن “السلطة والمال فساد عظيم لولا الأخلاق”.
هذه الأهداف الطموحة قوبلت بترحيب من بعض الأطراف، لكن نجاحها يظل مرهونا بقدرته على تجاوز التحديات الداخلية والخارجية.
التحديات الداخلية.. إرث الحرب والصراعات المستمرة
رغم إعلان انتهاء الصراع مع النظام السابق، فما زالت سوريا تعاني انقسامات حادة على المستوى الاجتماعي والسياسي، ومن أبرز العقبات التي يواجهها الشرع:
بناء جيش وطني جديد: تبنّى سياسة التجنيد الاختياري لاستقطاب الشباب غير المنتمين إلى الفصائل المسلحة، في محاولة لتأسيس جيش موحد بعيدا عن إرث الحرب والانقسامات السابقة.
العلاقة مع “قوات سوريا الديمقراطي” (قسد): الصراع مع “قسد” المدعومة من الولايات المتحدة ما زال قائما، وسط توقعات بمواجهة محتملة لاستعادة السيطرة على مناطق النفط في شمال شرق البلاد.
حقوق المرأة والمجتمع المدني: واجه الشرع انتقادات بسبب مواقفه المحافظة، مثل رفضه مصافحة وزيرة الخارجية الألمانية، وتصريحات مستشاره المثيرة للجدل عن دور المرأة. ورغم محاولته تهدئة هذه المخاوف، فما زال سجله الحقوقي محل جدل داخلي ودولي.
إعادة الإعمار: تضررت البنية التحتية في سوريا بشكل كبير خلال الحرب، ما يضع تحديا ضخما أمام حكومته لإعادة بناء المدن وتحفيز الاقتصاد.
التحديات الخارجية.. الاعتراف الدولي والعلاقات الإقليمية
على المستوى الدولي، تتباين مواقف الدول الكبرى تجاه قيادة أحمد الشرع. الولايات المتحدة رفعت اسمه من قائمة المطلوبين، مما يُعَد إشارة ضمنية لقبولها التعامل مع الواقع الجديد. كما أن روسيا وتركيا كانتا على تواصل معه منذ فترة، في محاولة لضبط توازن القوى في المنطقة.
العلاقة مع تركيا
تمثل تركيا أحد أبرز حلفاء الحكومة الجديدة، إذ يُتوقع أن تؤدي دورا مهمّا في أي مواجهة محتملة مع “قسد”، فضلا عن دعمها لإعادة إعمار المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة.
إسرائيل وسوريا تحت حكم الشرع
إسرائيل تنظر بقلق إلى تحركات الشرع، خاصة ما يتعلق بتطوير الطائرات المسيَّرة والصواريخ البعيدة المدى. تصريحات الشرع عن “تعزيز الردع السوري” زادت من المخاوف الإسرائيلية، وسط تكهنات بأن المواجهة بين الطرفين قد تكون مسألة وقت فقط.
عوامل النجاح: فرص تحقيق الاستقرار
رغم الجدل بشأن ماضيه، فهناك عوامل قد تمكّن الشرع من تحقيق الاستقرار وإعادة بناء سوريا، منها:
✔️ إعادة هيكلة الجيش: عبر استقطاب عناصر جديدة وتوحيد الفصائل تحت راية وطنية، مما يعزز الاستقرار العسكري.
✔️ نهج براغماتي في الحكم: إذ يسعى إلى الموازنة بين معتقداته السياسية والواقع الدولي، مما يتيح له فرصة التفاوض مع القوى الكبرى.
✔️ تركيزه على إعادة الإعمار: إدراكه لأهمية الاقتصاد والتنمية قد يدفعه إلى تبنّي سياسات اقتصادية مرنة لتعافي سوريا.
✔️ محاولات المصالحة الوطنية: دعوته لمصالحة شاملة قد تكون خطوة في اتجاه تهدئة الصراعات الداخلية وتخفيف حدة الاستقطاب السياسي.
الأخطار المحتملة.. تحديات قد تعرقل مسيرته
* غموض الشرعية القانونية: لم يوضح الشرع ما هو مصدر شرعيته، ومن سيضع القوانين؟ وهل سيتم الاحتكام إلى استفتاء شعبي أم أن السلطة ستُفرض؟
* المجلس التشريعي المعيَّن لا المنتخب: تعيين المجلس من قِبل الشرع بدل انتخابه يثير مخاوف من كونه هيئة شكلية دون صلاحيات حقيقية.
* التوقيت المثير للجدل: إعلان رئاسته عبر دعم الفصائل بدلا من انتظار المؤتمر الوطني أضعف من رمزية توليه الحكم، وأثار تساؤلات بشأن شرعيته.
* ضعف الإخراج الإعلامي: الإعلان عن الخطاب وكأنه موجه إلى الشعب، ثم اكتشاف أنه موجه إلى الفصائل العسكرية فقط، أثار استياء واسعا.
ختاما: مستقبل غامض لسوريا تحت قيادة الشرع
تولي أحمد الشرع قيادة سوريا يفتح فصلا جديدا في تاريخ البلاد، لكنه لا يخلو من التحديات. نجاحه يعتمد بشكل أساسي على قدرته في تحقيق توازن بين متطلبات الداخل وضغوط الخارج. في الوقت الذي يأمل فيه البعض أن يتمكن من قيادة سوريا نحو مرحلة من الاستقرار والتنمية، يخشى آخرون أن يكون حكمه امتدادا للاضطرابات التي عانتها البلاد على مدار أكثر من عقد.
“الناس ليسوا مجرد جمهور سلبي، بل هم مواطنون لديهم حق في معرفة كيف تدار بلادهم، واحترام عقولهم شرط أساسي لبناء شرعية حقيقية”.