لماذا تحالف الهلال الأحمر القطري مع “أبو السبعين”؟

الكاتب (يسار) مع أحد المشاركين في مشروع السلام بغرب دارفور

من وقائع رحلتي في غرب دافور لبناء السلام عام 2015 جلست في اجتماع مهم بين شيوخ المزارعين وشيوخ الرعاة في قرية “أرارا” بغرب دارفور، مع الدكتور “أبو بكر صالح” والمهندس “حسن”، لأجل التفكير في حل لمشكلة هجوم القطعان، والرعاة على أراضي المزارعين. فسأل الشيخ آدم شيوخ قبائل الرعاة: “لماذا تهجم إبلكم وأبقاركم على الأراضي الزراعية؟” فقالوا: “نحن لا نريد الضّرر لأحد، ولا نتعمّد مهاجمة إخواننا المزارعين إطلاقا، ولكن نتيجة الجفاف في المنطقة أصبحنا لا نجد الكلأ الكافي لإطعام الحيوانات، ومع عطش وجوع الحيوانات، صارت تهرب منا، وتشرد إلى أماكن المزارعين، فالأمر ليس بإرادتنا، إنما هو الجوع يدفع الحيوانات قبل أن يدفعنا، فما الحيلة؟!”.

***

ثم قال الشيخ يحيى شيخ قبائل الرعاة: “المطر بيد الله سبحانه، وإنبات العشب ليس بأيدينا نحن! فالأمر كله لله يصرفه كيف يشاء”، ثم زاد النقاش وعلا الحوار بين الجموع، وحينها قال أحد شيوخ الرعاة: “لديّ حل ممتاز سيُعالج مشكلة الجفاف، ويطمئن المزارعين!” فالتفت إليه الجميع، متشوّقين لسماع رأيه، فقال: “الحل أن يُوفر لنا الهلال الأحمر القطري أعلافا للحيوانات”. وهنا تكلم الدكتور أبو بكر أحد مشرفي العمل الميداني للهلال الأحمر القطري في المنطقة وقال: “هذا أمر مستحيل تنفيذه، لأنه يحتاج إلى ميزانية ضخمة جدا خارج قدرات الهلال الأحمر. وثانيا الكميات المطلوبة ضخمة جدا”. فتهاوى هذا الحل المُقدم من قبل شيخ الرعاة، ولكن الحوار في الجلسة وفق كلام الشيح يحيى استمر، حتى تكلم المهندس حسن مدير بعثة الهلال الأحمر القطري في غرب دارفور، وبحكم عمله السابق في منظمة الفاو المُهتمة بالزراعة بالعالم قال: “أنا أعرف أنواع الحشائش الموجودة في غرب دارفور، وخاصة تلك التي تتغذى عليها القطعان من الإبل والأغنام وأشهرها نوع اسمه “أبو السبعين”، فما رأيكم لو تعاون الجميع في بذر بذور هذه الحشائش في موسم الجفاف وقبل هطل المطر على المراعي، حتى إذا جاء المطر نبتت هذه الحشائش مرةً أخرى بغزارة مُوفرةً الكلأ للإبل” ومن ثم لا تهاجم حقول الفلاحين؟

***

فوافق الجميع من الرعاة والفلاحين على تجربة الفكرة في الموسم الحالي، ورؤية النتائج وما سيحدث من تطورات في الموضوع، وفعلا تولت لجنة “حماية الموسم الزراعي” تنفيذ المشروع. وقد قامت اللجنة بمساعدة الأهالي بزراعة عشرة آلاف هكتار بعشبة “أبو السبعين”، ومع هطل الأمطار تحولت الأرض القاحلة الصفراء إلى جنة خضراء، ونجحت التجربة الأولى. وبعد ذلك تم تعميمها على باقي المناطق. وقبل وداع الشيخ يحيى، قدم لنا الرجل هدية جميلة وغير متوقعة ولا يمكن تخيلها؛ إذ أهدانا أعوادا من قصب السكر التي يزرعها في حقله، وقال لي بكل عفوية وبساطة: “تمتع بمذاق هذه الأعواد وأنت في الطريق”. تكشف لنا هذه التجربة المحلية في بناء السلام، أن البدائل المفيدة في إنهاء الصراع والعنف بين الناس؛ تنبع من مشاركة أهالي المناطق المتضررة في الحلول، من داخل البيئة المحلية، وعدم اعتماد الوصفات الجاهزة التي تأتي من جهات بعيدة كل البعد عن العمل الميداني.


إعلان