حين يعود الإسلام غريبًا تأتي عسقلان ببشائر النصر.

عسقلان (منصات التواصل)

منذ أن أشرق نور النبوة على مكة والإسلام يعرف طريقه بين الغربة والتمكين. في بدايته كان غريبًا، قلة مستضعفة في عيون قريش والعالم، وظنّ الناس أن هذا الدين سيذوب في زحام القبائل والإمبراطوريات، لكن الله أذن له أن يعلو فانتصر وأقام حضارة امتدت قرونًا حتى صار هو الحاضر والآخرون من حوله الغرباء.

قال رسول الله ﷺ:
«بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء».
إنها ليست نبوءة انكسار بل بشارة انتصار، فالغربة ليست نهاية وإنما مرحلة على أعتاب فجر جديد.

🔹 غربة أولى وغربة أخيرة

في الغربة الأولى كان المسلمون قلة يُطارَدون ويُسخَر منهم، ثم كانت الهجرة فالفتح فالخلافة الراشدة. وفي آخر الزمان يعود المشهد ذاته: أمم تتداعى على المسلمين، شعوب ترى فيهم ضعفًا وهشاشة وأنهم غرباء لا مكان لهم في حضارة العصر.

لكن الوعد قائم والبشارة حاضرة. سيبقى الغرباء هم حملة المشعل يثبتون على دينهم حين يفرّ الناس ويصمدون على الحق حين يساوم الجميع.

هنا تظهر عسقلان قلب الغربة.

وفي وسط هذه الغربة يطل علينا حديث آخر يضيء بقعة بعينها على مسرح الغربة.
قال ﷺ عن عسقلان:
«عُسْقَلانُ تُدْعَى فِي الْجَنَّةِ حَارِسَةَ الْجَنَّةِ فِيهَا دَفْنُ سَبْعِينَ أَلْفًا مِنَ الشُّهَدَاءِ وَهِيَ أَحَدُ مَفَاتِيحِ الْجَنَّةِ».

ليست عسقلان وحدها بل كل فلسطين هي ميدان الرباط حيث يقدّم الغرباء دماءهم على عتبات الأمل. السبعون ألفًا من الشهداء ليسوا رقمًا جامدًا بل رمزًا أن هذه الأرض هي خزان الدم الطاهر الذي يثبت للأمة أن الغربة ليست موتًا بل حياة ممتدة في سبيل الله.

يرسم لنا الرسول خارطة الطريق حتى لا نتوه أو يصعب علينا المسير ويثقل، فهل يتوه من سار على دربه؟

🔹 المراحل المرسومة

يقول النبي ﷺ في الحديث الذي رواه أحمد:
«تكون فيكم النبوة ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم تكون ملكًا عاضًا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكًا جبريًا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة».

هذه ليست مجرد كلمات بل خريطة للمستقبل. النبوة والرسالة ثم الخلافة الراشدة. ملك عاضّ تتوارثه البيوت فيه قوة وظلم. ملك جبري يطغى فيه القهر وتُحكم الأمة بالحديد والنار. ثم يعود النور كما بدأ خلافة على منهاج النبوة كأنما يعيد الله الدورة مرة أخرى ليُثبت أن وعده لا يتخلّف.

إنه لا ينطق عن الهوى، فحين ننظر إلى الدماء في غزة وإلى صبر المرابطين فيها ندرك أن هذه الأحاديث ليست مجرد أخبار بعيدة بل هي البشارات التي أتت إلينا عبر القرون تتنفس بيننا اليوم لتهدأ من روع الجزعين وتربط على قلب المكلوم وتزيد من ربط القلوب التي بدأت تقنط من كثرة الظلم والخذلان. فالغربة التي نعيشها اليوم ليست نكسة بل طريق إلى الخلافة الموعودة. وعسقلان التي تحتضن شهداءها إنما تُعد مفاتيح الجنة لمن يصبر لأوائها. والمستقبل كما وعد الصادق المصدوق ﷺ سيعود إلى الإسلام عزيزًا، غريبًا أول الأمر ثم غالبًا منصورًا آخر الزمان.
فطوبى للغرباء.


إعلان