“مصريون منسيون في غزة”.. الجزيرة مباشر تلتقي ذوي عالقين في القطاع
في مشهد يتكرر مع كل عملية عسكرية إسرائيلية في غزة منذ وصول حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى سدة الحكم عام 2006 ومحاولة سلطات الاحتلال الإطاحة بها عسكريا، حوصر آلاف المصريين والأجانب ومزدوجي الجنسية داخل القطاع.
واشتكى مواطنون مصريون من عدم تمكن ذويهم في القطاع المحاصر، الذين كانوا في زيارات عائلية، من العودة إلى ديارهم منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد أن تقطعت بهم السبل، حيث يكافحون مع أطفالهم للبقاء على قيد الحياة على أمل العودة سالمين إلى الديار.
باسم وحيدي، أب مصري لثلاثة أبناء ذكور (10 و9 و4 أعوام)، كانوا في زيارة مع والدتهم إلى أهلها في حي الشجاعية شمال شرق مدينة غزة عندما اندلعت الحرب دون مقدمات، وعلقوا هناك ولم يتمكنوا من العودة إلى مصر بسبب الإغلاق الفوري لمعبر رفح، وهو واحد من كثيرين لا يُعرف عددهم.
وقال باسم في حديثه للجزيرة مباشر “أنتظر في الشوارع منذ نحو 40 يوما وضع أسماء أسرتي في الكشوف الخاصة بخروج العالقين دون جدوى، للأسف كل المسؤولين وكل الأرقام المعلنة بما فيها البريد الإلكتروني لا ترد على استفساراتنا، وعندما ذهبنا إلى وزارة الهجرة طلبوا منا عبر أحد الموظفين البسطاء تسجيل أسماء أولادنا وزوجاتنا في استمارة على بوابة رقم 3 بمبنى الوزارة فقط”.
تقترب الحرب من أسبوعها السادس على التوالي، ولم يستطع غير عدد قليل من المصريين مغادرة القطاع حيث لا توجد ممرات إنسانية آمنة لخروج المدنيين، بينما رفضت إسرائيل أي وقف لإطلاق النار أو هدنة إنسانية بتأييد من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية.
وانتقد أهالي بعض المصريين العالقين في قطاع غزة، في تصريحات للجزيرة مباشر، موقف الجهات المعنية من الأزمة، وعدم التواصل معهم لمساعدتهم وتسهيل خروجهم من القطاع المحاصر على غرار باقي دول العالم، وأنها لا تولي اهتماما كبيرا بمواطنيها.
وكشف مساعد وزير الخارجية للشؤون القنصلية والمصريين في الخارج إسماعيل خيرت، خلال اجتماع مع دبلوماسيين أجانب في وقت سابق، أن بلاده تستعد لاستقبال 7 آلاف أجنبي يحملون جنسية أكثر من 60 دولة من المقرر إجلاؤهم من قطاع غزة عبر معبر رفح الحدودي، لكنه لم يتطرق إلى أوضاع المصريين هناك أو أعدادهم.
آلاف المصريين عالقون في غزة
وأضاف وحيدي أن هناك آلاف المصريين ويُقدَّر عددهم بأكثر من 40 ألف في القطاع، وأن هذا العدد قابل للزيادة إلى جانب الفلسطينيين مزدوجي الجنسية، ورغم ذلك لا يوجد أي بيان من أي جهة رسمية بخصوص أعدادهم وأوضاعهم والتسهيلات التي قدمتها الحكومة لهم لتأمين خروجهم، في حين أن الدول الغربية أرسلت موظفي سفاراتها في القاهرة إلى الحدود لإجلاء رعاياها.
وبشأن مطالبهم، أوضح أن هناك مجموعات بأعداد كبيرة على موقع فيسبوك وتطبيق واتساب، تطالب بتحرك حكومي على مستوى المسؤولية كما في دول الغرب من أجل تأمين خروج مواطنيها وتسهيل الإجراءات وفتح قنوات اتصال مع ذويهم في مصر.
ووصف رب الأسرة أوضاع أسرته بأنها “مأساوية” مثلها مثل أكثر من مليوني فلسطيني هناك، وقال “التواصل صعب ولا يوجد مكان آمن، كانوا في منزل وجاء لهم إنذار بالإخلاء والقصف ونزحوا إلى مخيم النصيرات، وبعد انتقالهم كثف الاحتلال القصف هناك، وكانت زوجتي جارة أسرة وائل الدحدوح مراسل قناة الجزيرة التي استشهدت، بينما نجت هي وأولادي بأعجوبة واضطروا إلى النزوح مرة أخرى”.
وأعرب وحيدي عن مخاوفه من حدوث مكروه لأسرته الصغيرة، مشيرا إلى أنه في ظل الأوضاع المأساوية بات غير قادر على فعل أي شيء لأسرته، وأضاف “يقول ابني البكر إن أمنية حياته أن يستحم، والآخر أن يشرب كوب ماء نظيف، كل الأمنيات هناك ممنوعة، لا مياه ولا طعام ولا وقود ولا كهرباء”.
مصر أولى بأولادها
أحمد حسن في العقد الرابع من عمره من محافظة الإسماعيلية، يروي للجزيرة مباشر مأساة أسرته من زاوية مشابهة، إذ كانت في زيارة إلى ذويها في قطاع غزة ولم تستطع العودة، وباءت كل محاولاتها في المغادرة بالفشل.
وتابع “زوجتي وأولادي الخمسة، أكبرهم في الصف الثالث الإعدادي، والأصغر طفل عمره عام واحد، لجؤوا إلى مدرسة تابعة لوكالة الأونروا في مدينة رفح، وآخر اتصال بيني وبينهم كان من عدة أيام، الوضع هناك صعب جدا ولا يوجد معهم أي أموال، في كل مرة تذهب إلى المعبر يعيدونها، لأن اسمها غير موجود ضمن كشوف المغادرين، والانتقال إلى معبر رفح بالسيارة مكلف في ظل عدم وجود وقود”.
وحمّل حسن المعنيين مسؤولية عدم تأمين مغادرتهم القطاع، مؤكدا “هناك تقاعس وتقصير حكومي من قِبل المسؤولين، ويجب ألا يخضعوا لقوائم الانتظار، لأن مصر بلدهم وهي أولى بأولادها، الموت هناك في كل مكان، وأطالب باسمي بالسماح لكل المصريين العالقين بالخروج، نحن أولى الناس بالخروج، هذا بلدنا وهذا معبرنا، فكيف يتم إخراج الأجانب قبل إخراج كل المصريين؟ّ! هذا يسيء لحكومة بلادي، هل يجوز أن يدخل الغريب بيتي قبلي؟ هذا أمر لا يجوز، يفترض أن يكون المواطن على قائمة أولويات واهتمامات الحكومة وليس الأجانب فقط”.