يديعوت أحرونوت: الحسم في غزة غير مرتبط بواشنطن بل بمدى تحمل الرأي العام الإسرائيلي لتبعات الحرب

نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية مقالا لـ”رون بن يشاي” أحد أبرز الصحفيين العسكريين في إسرائيل، قال فيه إنه بعد عدة مناقشات مع قادة إسرائيليين كبار في المنطقة وفي قيادة سلاح الجو، توصل إلى انطباع واضح مفاده أن الجيش يستطيع “تحقيق الحسم في حرب غزة وإكمال أهداف الحرب التي فرضها عليه المستوى السياسي، لكن الأمر للأسف، سيتطلب دفع ثمن غال في الخسائر وسيتطلب الكثير من الوقت، على أقل تقدير عدة أشهر”.
وأضاف “السؤال هو ما إذا ما أعطى الجمهور والمستوى السياسي الوقت والدعم المعنوي والسياسي للجيش، إذن فهو بحاجة إلى تحقيق هذه الأهداف. فكما يعتقد مسؤولون أمنيون، فإن كل شيء الآن غير مرتبط بالولايات المتحدة، بل بالرأي العام الإسرائيلي، وبقُدرة العامة في إسرائيل على الصمود والمساندة التي سيمنحونها للساسة”.
وأشار بن يشاي بعد ذلك إلى زيارته القصيرة لخان يونس والانطباع الذي أخذه بعد المكوث فترة مع القوات الإٍسرائيلية في شمال غزة، حيث يمكن بوضوح معرفة طبيعة القتال في الشمال وأنه “من المتوقع أن يحتاج وقتا وقوة نفسية كبيرة”.
وحسب بن يشاي فإن “الجيش الإسرائيلي سيطر على أغلب مناطق شمالي القطاع سواء كانت فوق الأرض أو تحتها”، موضحا أنه “في حيي التفاح والدرج تدور اشتباكات عنيفة مع مقاتلي حماس الذين ما زالوا على قيد الحياة وعلى الأرجح مع من ترك حيي الشجاعية والزيتون من المقاتلين”.
ورغم خلو الحي من المواطنين فإنه تدور به اشتباكات شرسة، مشيرا إلى أن الكتيبة (162) في الجيش باتت مجبرة على القتال من زقاق إلى زقاق، ومن فتحة نفق إلى فتحة نفق آخر ومن ساحة ألغام إلى أخرى أمام أسلحة الـ(آر بي جي).
ويرى بن يشاي أن “هناك شعورا يسود الجيش الإسرائيلي بأن القتال الشرس انتهى في شمال غزة، بينما تحتدم جبهات القتال في وسط القطاع التي ستستغرق وقتا أطول”، على حد تقديره.
ويستطرد “أثناء جولة بداخل مقاتلة النمر في محور صلاح الدين -الذي يربط شمال غزة بجنوبه- يمكن فهم لماذا تعتبر المناطق المفتوحة من مزارع وحقول وبنايات قليلة نسبيًّا في خان يونس وبني سهيل، أكثر خطورة على قوات الجيش الإسرائيلي من المناطق العمرانية المزدحمة التي كان يتركز فيها القتال قبل ذلك”.
ووصف بن يشاي الدمار الذي شاهده في شمال القطاع قائلا “رأيته فقط في غروزني -عاصمة الشيشان- في عام 2000 عندما جاء فلاديمير بوتين لزيارة المنطقة هناك في يوم الانتخابات الرئاسية الروسية”.
وتابع أن “الجزء الأكبر في شمال القطاع سُحق قبل بداية الحرب البرية، كما أن 70% من مباني الشمال تحولت إلى خراب ودمار، وهو ما يُصعّب على المقاومين الخروج من فتحات الأنفاق والاشتباك مع الجيش”، مضيفًا “في أغلب الحالات يجب على الجيش بدايةً تمشيط المباني الناجية حتى الآن -والتي لم يبق كثير منها- والدخول إليها”.

وفي المقابل يتحدث يشاي عن أن الأنفاق في خان يونس وفي المنطقة الوسطى تبدو منتشرة في كل مكان، حيث تفاجأ الجيش بأن شبكة الأنفاق في القطاع أكبر بـ500% أو 600% من تقديراته.
وقال “فإذا كان الجيش يعتقد سابقًا أن الحديث يدور حول 500 كيلومتر من الأنفاق ونحو 1000 نفق في جميع أنحاء القطاع، فالآن يتم الحديث عن آلاف الكيلومترات من الأنفاق وعن الآلاف من فتحات الأنفاق”.
ويتوقع بن يشاي أن “أي تحرك سريع ومتهور من قبل الجيش سيكلفه ثمنًا غاليًا من حياة جنوده، لذلك يجب أن يكون التحرك ببطء”.
أنماط عمل سلاح الجو الإسرائيلي
يقول رون بن يشاي “يوجد عامل إضافي يُعيق سلاح الجو في وسط القطاع، وهو الرغبة في عدم الإضرار بالمحتجزين لدى حماس سواء كانوا فوق الأرض أو تحتها. وفي هذا السياق يمكننا قول شيئين فقط: الأول أن أغلب المحتجزين موجودون الآن في وسط القطاع. والثاني، أنه وعلى الأرجح فإن قائد حماس يحيى السنوار أحاط نفسه بعدد غير محدد من المحتجزين الإسرائيليين خاصة من الجنود والمجندات، بغرض أنه ما إذا وصل إليه الجيش وإلى مجموعة القيادة العليا لحماس فإن المحتجزين الإسرائيليين كذلك سيتضررون من نيران الجيش أو أن المقاومة ستقتلهم”.
ويضيف “هذا هو السبب المباشر في أن السنوار وقيادة حماس في غزة يشعرون بأن لديهم القدرة على أن يُملوا على إسرائيل شروط وقف الحرب -ليس هدنة مؤقتة ولكن وقف نهائي للحرب- وانسحاب القوات الإسرائيلية لمسافة غير محددة”.

وأكد بن يشاي أن استخدام سلاح الجو في هذه الحرب مختلف عن أي حرب سابقة أدارها الجيش أو أي من الجيوش الأخرى بالعالم. فسلاح الجو لا يقوم بالقصف من الجو فقط الذي يُبعد السكان المدنيين الفلسطينيين ويساعد القوات البرية على التقدم نحو شمالي القطاع، بل في الوقت الحالي فإنه يعمل بعدة أنماط إضافية جميعها بهدف توفير غطاء ناري لهم لتقليل الخسائر.
وتابع “ثمة نمط إضافي، هو التحضير لهجوم القوات البرية ليسهل عليها الاستيلاء على الهدف. ولأجل ذلك تُحدد القوات البرية لسلاح الجو المناطق الملغمة، فتحات الأنفاق وأهدافا أخرى. وبما أن الصواريخ المستخدمة دقيقة ومتنوعة، فإن الغارات التي تنفذ غالبًا من قبل طائرات مقاتلة تكون على مسافة من 100 إلى 150 متر من القوات الإٍسرائيلية وهو ما لم يكن ممكنًا في الماضي”.
ويختتم بن يشاي مقاله بالقول “بشكل عام سلاح الجو يعمل كذراع إضافية للقوات البرية، وهذه الحقيقة تُتيح تسريع العملية في الشمال حيث يعمل سلاح الجو بشكل مكثف لإبعاد حزب الله عن الحدود، لكن واهم من يظن أنه يمكن فعل هذا عن طريق الجو فقط، وعلى الأرجح سيتطلب الأمر مناورة برية محدودة لإبعاد حزب الله ليس فقط لأبعد مدى تستطيع أن تستهدفه الصواريخ المضادة للدبابات وهو8 كيلومترات، بل أبعد من ذلك”.
وأكد “هذا مع العلم بأن مدى القذائف المضادة للدبابات المستقبلي قد يكون أكبر من ذلك بكثير. ففي الشمال يوجد ضرورة للوصول إلى وضع لا يستطيع حزب الله فيه إدارة أو تشغيل قوة عسكرية في جنوب لبنان. لكن هذا الأمر سيتطلب الانتظار حتى تحرير المحتجزين في غزة، ومن ثم الإضرار بالقيادة العليا في حماس وتفكيك البنية التحتية الرئيسية لها في القطاع”.