يفغيني بريغوجين.. نهاية مأساوية لقائد فاغنر المثير للجدل

تحوّل يفغيني بريغوجين، زعيم مجموعة “فاغنر” المسلحة الخاصة، إلى لاعب أساسي في الساحة الروسية بفضل الصراع في أوكرانيا، لكن الملياردير الفاحش الثراء انقلب على الرئيس فلاديمير بوتين ليصبح منافسًا له بعد قيادته تمردًا بائسًا على السلطة العسكرية في موسكو في يونيو/حزيران الماضي.
وأمس الأربعاء، كان بريغوجين بين 10 ضحايا تحطّم طائرة خاصة في روسيا، وفق ما أعلنته مجموعة فاغنر.
هذا الرجل الذي طالما حرص على الظهور بشخصية غير تقليدية ومتهورة، تجاوز نقطة اللاعودة عندما قرر السيطرة على الكرملين.
وبعد يوم واحد فقط من بداية تمرد فاغنر، أدان الرئيس الروسي “الخيانة” التي ارتكبها بريغوجين، وعزاها إلى “طموحاته المفرطة ومصالحه الشخصية”.
وكان بريغوجين قد أعلن أنه استولى من “دون إطلاق رصاصة واحدة” على مقر الجيش الروسي في روستوف أون دون، مركز قيادة العمليات في أوكرانيا، بعد أن اتهم الجيش الروسي بأنه قصف في اليوم السابق معسكرات مجموعته. ثم حبس العالم أنفاسه عندما زحف رجاله “المستعدون للموت” نحو موسكو، وأسقطوا طائرات للجيش الروسي.
لكن في النهاية، تراجع زعيم المرتزقة (62 عامًا) عن تمرّده بعد 24 ساعة فقط من انطلاقه، وتفاوض على الذهاب إلى منفى في بيلاروسيا مع رجاله، من دون أن يحال إلى المحاكمة أو يُسجن.
ومما يدل على غموض الاتفاق أن بريغوجين عاد إلى روسيا، حتى إنه تم استقباله في الكرملين في الأيام التي تلت التمرد.
ومع أنه لم يظهر علنًا، فقد تعقبه المدونون ورصدوا تحركات طائراته.
وفي النهاية، ظهر مساء الاثنين 21 أغسطس/آب في مقطع فيديو، قال فيه إنه يعمل في إفريقيا من أجل تعزيز عظمة روسيا في هذه القارة، حيث ينفّذ رجاله منذ سنوات ما يكلفهم به الكرملين.
ففي جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي وليبيا وسوريا، عُرفت “فاغنر” -التي لم يعترف الكرملين بوجودها حتى نهاية عام 2022- منذ 10 سنوات على أنها شريك لأنظمة تريد التخلص من رعاتها الغربيين أو تبحث عن مقاتلين متكتمين ولا يرحمون.
من "طباخ بوتين" إلى تحطم طائرة كان على متنها .. من هو يفغيني بريغوجين قائد مجموعة فاغنر؟#الجزيرة_مباشر | #فاغنر | #روسيا pic.twitter.com/F57gcaHquo
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) August 23, 2023
فرصة من ذهب
وبدا أنّ النزاع في أوكرانيا وفّر فرصة من ذهب لرجل الأعمال للخروج إلى دائرة الضوء بعدما عمل لسنوات في الظل، ليفرض نفسه لاعبا أساسيا في روسيا.
جنّدت فاغنر عشرات الآلاف من السجناء للذهاب إلى الجبهة التي واجه فيها الجيش الروسي صعوبات.
وعلى العكس من كبار المسؤولين الروس، ظهر بريغوجين في ميدان المعركة وصوّر جثث رجاله ليطالب بمزيد من الذخيرة.
وفي مايو/أيار الماضي وبعد أكثر من عام من المعارك الشرسة والدامية، حقق بريغوجين هدفه بإعلانه سيطرة “فاغنر” على باخموت في شرق أوكرانيا محتفيا بانتصار نادر للقوات الروسية على أرض المعركة، وإن استمرت المعارك فيما بعد.
لكن خلال هذه المعركة أيضا تفاقم التوتر مع هيئة أركان الجيش الروسي بقيادة فاليري غيراسيموف ووزير الدفاع سيرغي شويغو اللذين اتهمهما بريغوجين بحرمان فاغنر من الذخائر ونشر عدة لقطات مصورة شتم فيها القادة العسكريين الروس.
وهذا أمر لا يمكن تصور أن يقدم عليه أي شخص آخر في روسيا التي لا تتساهل مع مثل هذه المواقف.
بدأ بريغوجين يظهر إلى دائرة الضوء في سبتمبر/أيلول الماضي بالتزامن مع تكبد الجيش الروسي هزيمة تلو الأخرى في أوكرانيا مما شكل انتكاسة لقارعي طبول الحرب على غراره.
وأكد يومها للمرة الأولى علنا أنه أسس في 2014 مجموعة “فاغنر” المسلحة الناشطة في أوكرانيا وسوريا وإفريقيا كذلك. وفرض نفسه قائدا أساسيا.
وشدد على أن هؤلاء “الشباب، هؤلاء الأبطال دافعوا عن الشعب السوري وشعوب دول عربية أخرى وعن الفقراء الأفارقة والأمريكيين اللاتينيين وأصبحوا إحدى ركائز وطننا”.
وفي أكتوبر/تشرين الأول ذهب أبعد من ذلك عندما دشن بحفاوة مقر “شركة فاغنر العسكرية الخاصة” في مبنى زجاجي في مدينة سان بطرسبرغ في شمال غرب روسيا.
ونشر بريغوجين في فبراير/شباط، مقطعا مصورا يظهره في طائرة حربية وهو يقترح على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تقرير مصير باخموت خلال منازلة جوية.
هيئة الطيران المدني الروسية: اسم قائد مجموعة #فاغنر كان على قائمة ركاب الطائرة الخاصة التي تحطمت شمال العاصمة الروسية #موسكو
https://t.co/e23ELjVkzc— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) August 23, 2023
رحلة صعود
ولكي يبني جيشا على قدر طموحاته، راح بريغوجين المولود مثل بوتين في سان بطرسبرغ، يجند آلاف السجناء ليقاتلوا في أوكرانيا مقابل العفو عنهم.
ويعرف يفغيني بريغوجين أوساط السجون جيّدًا؛ فقد أمضى 9 سنوات في السجن في الحقبة السوفيتية لارتكابه جرائم.
وخرج من السجن عام 1990 عندما كان الاتحاد السوفيتي على حافة الانهيار، وأسس شركة ناجحة لبيع النقانق.
وارتقى السلّم بعد ذلك وصولًا إلى فتح مطعم فخم أصبح من أهم مطاعم سان بطرسبرغ، حين كان نجم بوتين يصعد.
وبعد وصول بوتين إلى سدّة الرئاسة عام 2000 أصبحت مجموعة بريغوجين توفّر خدمات طعام للكرملين، فحظي بلقب “طاهي بوتين”، وقيل إنّه حقق المليارات بفضل عقود عامة.
ويبدو أنه استخدم هذه الأموال لتأسيس مجموعة “فاغنر” وهي جيش خاص، ضمّ في صفوفه أولا مقاتلين قدامى أصحاب خبرة في الجيش وأجهزة الاستخبارات الروسية.
وفي عام 2018، حين لفتت هذه المجموعة الأنظار إليها في أوكرانيا وسوريا وليبيا، بدأت تسري معلومات عن انتشارها في إفريقيا أيضا. وقُتل ثلاثة صحفيين روس كانوا يجرون تحقيقًا حول هذه المجموعة في جمهورية إفريقيا الوسطى.
وفي كييف، قالت الرئاسة الأوكرانية إن تحطم الطائرة في روسيا رسالة من بوتين للنخب الروسية. ورأى مستشار الرئاسة الأوكرانية ميخايلو بودولياك أن رئيس فاغنر “وقع قرار إعدامه حين صدق وعد بوتين وضمانات لوكاشينكو”.
وكان بودولياك يشير إلى الاتفاق الذي توسط فيه رئيس بيلاروسيا وتضمن وعدا من الكرملين بعدم ملاحقة رئيس فاغنر مقابل وقف زحف قواته باتجاه موسكو.
من جانبها، قالت زعيمة المعارضة البيلاروسية في المنفى سفيتلانا تيخانوفسكايا إن بريغوجين “قاتل”، مؤكدة أنه “لن يفتقده أحد”.