مؤتمر “فلسطينيو الداخل” يرسم ملامح استراتيجية نضال ضد التمييز العنصري الإسرائيلي
نظَّمه مركز الجزيرة للدراسات بالتعاون مع قناة الجزيرة مباشر

نظَّمَ مركز الجزيرة للدراسات، بالتعاون مع قناة الجزيرة مباشر، مؤتمرًا بحثيًّا، عبر تقنية التواصل المرئي، بعنوان “فلسطينيو الداخل ومؤسسة الحكم الإسرائيلية”، خلال الفترة من 26-28 أغسطس/آب 2023، شارك فيه نخبة من الباحثين والسياسيين والأكاديميين.
سلَّط المؤتمر الضوء على أوضاع الفلسطينيين في الداخل، وبالأخص التحديات التي تواجههم والفرص المتاحة أمامهم. وفي هذا السياق، استعرض المتحدثون العديد من التحديات التي من أبرزها التمييز والعنصرية، وتصاعد قوة اليمين المتطرف وتمكنهم من مكامن الدولة الإسرائيلية، وافتقاد فلسطينيي الداخل الآليات التي تعزز عملهم الجماعي للحصول على كامل حقوقهم السياسية والمدنية، فضلًا عن المخاوف التي تنتابهم من الذوبان وتآكل الهوية.
اقرأ أيضا
list of 3 items- list 1 of 3خلال 24 ساعة.. 4 قتلى فلسطينيين بجرائم إطلاق نار داخل أراضي 48
- list 2 of 3خطة إسرائيلية لشرعنة 155 بؤرة عشوائية في الضفة الغربية
- list 3 of 3العفو الدولية تطالب بإطلاق سراح الأسير الفلسطيني وليد دقة فورا
كما ناقش المؤتمر الفرص المهيأة أمام فلسطينيي الداخل وكيفية تعظيم الاستفادة منها، والتي من أبرزها قوتهم الديمغرافية، وتكوينهم العلمي والمهني المميز، وزيادة الوعي الدولي بقضيتهم.
التمييز العنصري
وخلص المتحدثون في المؤتمر إلى أن فلسطينيي الداخل يعانون التمييز العنصري على مستوى الدولة والمجتمع رغم أنهم مواطنون إسرائيليون يحملون بطاقات الهوية الإسرائيلية، وتتجلى هذه العنصرية في تقليل الميزانيات المخصَّصة للمدن والبلدان ذات الأغلبية العربية، فلا يوجد مستشفى ولا جامعة ولا محطة قطار في مدينة عربية، كما أن نحو 150 ألف فلسطيني (إسرائيلي) يعيشون في قرى بصحراء النقب لا تتوافر فيها الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وصرف صحي، فضلًا عن حرمان فلسطينيي الداخل من الترقي في الوظائف الحكومية العليا ذات التأثير في رسم السياسات واتخاذ القرارات، بالإضافة إلى العنف اللفظي والجسدي ضد الشخصيات البارزة، والمحاولات المستمرة، أمنيًّا وقانونيًّا، للتضييق على العمل السياسي للأحزاب العربية.
وطرح المتحدثون في المؤتمر اقتراحات عدة للتعامل مع هذا التمييز، من أهمها الاتفاق على توصيف الحالة السابقة الذكر على أنها صادرة من “نظام فصل عنصري” يشبه نظام “الأبارتهايد” في جنوب إفريقيا إبان حكم البيض لهذا البلد، ومن ثمَّ فالصورة التي سيحصل عليها فلسطينيو الداخل أمام المجتمع الدولي هي صورة أقلية عرقية تحمل “اسميًّا” لقب “مواطنين” لكنها لا تتمتع بحقوق المواطنة وتطالب بالعدالة والمساواة.
وشدَّد المتحدثون في المؤتمر على ضرورة بلورة الخطاب السياسي والإعلامي والحقوقي لفلسطينيي الداخل على هذا الأساس، وتوحيد جهودهم لتفكيك منظومة الفصل العنصري الإسرائيلي “الأبارتهايد” كاملة، وعدم اقتصار الدعوات على إنهاء الاحتلال فقط.
استراتيجية تحرر
وقدَّم المتحدثون في المؤتمر رؤيتهم لكيفية التعامل مع التحديات التي تواجه فلسطينيي الداخل مما سبقت الإشارة إلى بعضها، وأكدوا حاجة القضية الفلسطينية عمومًا إلى بناء استراتيجية تحرر وطني.
وفي سياق المساعي الرامية إلى بناء استراتيجية تحرر وطني، ذكر المتحدثون أن المقاومة بجميع صورها وأشكالها، سواء السلمية منها أو المسلحة، التي تتناسب وظروف كل تجمّع فلسطيني سواء داخل الخط الأخضر أو الضفة وغزة أو في الشتات، ستبقى خيارًا للشعب الفلسطيني لتحقيق أهداف تلك الاستراتيجية.
كما أوصوا في هذا الصدد بتكثيف التواصل بين كل مكونات الشعب الفلسطيني السابقة الذكر، وضرورة الإسراع في إنشاء المؤسسات الفلسطينية المنتخبة للتحدث باسم الشعب الفلسطيني وللتعبير عن مطالبه، كما يراها هو لا كما تمليها مصالح بعض القيادات والنخب.
وأوصى المتحدثون كذلك بأهمية العمل على تعزيز الهوية الوطنية والقومية للشعب الفلسطيني داخل الخط الأخضر، رغم التحديات التي تواجههم في هذا الصدد، وبالأخص المتعلق منها بالمناهج التعليمية التي تُدَرَّس للطلاب العرب، والتي تقدم فقط السردية الإسرائيلية، وتستعمل في هذا السياق المفردات والمصطلحات الإسرائيلية-الصهيونية، ولا تتم الإشارة إلى الرواية الفلسطينية وما حلَّ بهم وبأرضهم.
وأوصى المتحدثون أيضًا بتعزيز الحضور العربي في المجتمع الإسرائيلي عبر الانخراط في مؤسسات الدولة الإسرائيلية للاستفادة من هذا الحضور اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، ولاستقطاب الشرائح الإسرائيلية غير المتطرفة التي تؤمن بفكرة حل الدولة الواحدة القائمة على العدل والمساواة، وأكدوا أن ذلك سيكون في مصلحة الجميع؛ اليهود والعرب على السواء.
العمل الجماعي
نظر المتحدثون في المؤتمر إلى تعدد الأحزاب السياسية العربية التي تعمل وسط فلسطينيي الداخل على أنه عامل إيجابي يعكس التنوع والثراء، لكنهم شددوا على أهمية تعزيز آليات العمل الجماعي بين هذه المكونات، وذلك بالاتفاق على قواسم مشتركة وأدوات عمل موحَّدة يستطيعون من خلالها زيادة تأثيرهم في منظومة الحكم الإسرائيلية والحصول على مكاسب سياسية ومدنية أكبر.
وفي هذا الصدد، أعرب المتحدثون عن تفاؤلهم بمستقبلهم ومستقبل قضيتهم، وعزوا هذا التفاؤل إلى ما وصفوه ببداية تفكك المشروع الصهيوني على إثر تصاعد موجات التطرف الديني، وإلى عدم قدرة إسرائيل حاليًّا ومستقبلًا على التعامل مع المعادلة الديمغرافية التي تميل لصالح الفلسطينيين، وكذلك إلى عدم قدرة دولة الاحتلال الإسرائيلي على نزع صفة “الأبارتهايد” عن نفسها، ولا قدرتها على إمكانية إيقاف المقاومة والنضال الوطني الفلسطيني، وخلصوا إلى أن هذه العوامل إنما هي عناصر قوة وأمل وثقة في المستقبل.