“البعوض والدبابير”.. نيويورك تايمز تكشف كيف يستخدم جيش الاحتلال الفلسطينيين دروعا بشرية في حربه على غزة
بعد أن عثر جنود الاحتلال على شاب فلسطيني يدعى محمد شعيب، مختبئًا مع عائلته في أوائل مارس/آذار الماضي، احتجزوه مدة تقارب 10 أيام، ثم أفرجوا عنه دون توجيه أي تهم إليه.
وخلال تلك الفترة، قال شعيب لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن الجنود استخدموه كـ”درع بشري”.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالاحتلال يفرج عن 18 اعتقلهم من غزة ولقطات ترصد لحظة وصولهم إلى خان يونس (فيديو)
“أكلنا الطحين بدوده”.. الجوع يدفع نازحي غزة إلى صناعة الخبز من أعلاف الحيوانات (فيديو)
“هل تذكر يا نتنياهو؟”.. سرايا القدس تضرب بحمم الهاون قوات الاحتلال وآلياته شرق رفح (فيديو)
وأضاف محمد، الذي يبلغ من العمر 17 عامًا “أُجبرت على السير مكبلًا بالأصفاد عبر أنقاض بلدتي الخاوية، خان يونس، في جنوب غزة، بحثًا عن المتفجرات التي وضعتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس). ولتجنب تفجير أنفسهم، جعلني الجنود أمشي أمامهم”.
“أرسلوني مثل الكلب”
وقال محمد، وهو طالب في المدرسة الثانوية “أرسلني جنود الاحتلال مثل الكلب إلى شقة مفخخة. كنت أعتقد أن هذه ستكون اللحظات الأخيرة في حياتي”.
وأظهرت تحقيقات أجرتها صحيفة نيويورك تايمز أن الجنود وعملاء الاستخبارات الإسرائيليين، خلال الحرب في غزة، قاموا بانتظام، بالضغط على الفلسطينيين المعتقلين مثل محمد شعيب، للقيام بمهام استطلاع فيها أخطار كبيرة، وذلك لتجنب تعريض الجنود الإسرائيليين للخطر في ساحة المعركة.
ولم تُعرف ملابسات هذه العمليات كاملة، لكن التقارير تفيد بأن هذه الممارسة -التي تعد غير قانونية بموجب كل من القانون الإسرائيلي والقانون الدولي- قد تم استخدامها من قبل ما لا يقل عن 11 فرقة في خمس مدن في غزة، وغالبًا ما قام بها ضباط من وكالات الاستخبارات الإسرائيلية.
ممارسات روتينية بدعم لوجيستي
ووفقا للصحيفة، فقد أُكرِه المعتقلون الفلسطينيون على استكشاف الأماكن التي يعتقد الجيش الإسرائيلي أن مقاتلي حماس قد أعدوا فيها كمائن أو فخاخًا في غزة. وقد أصبحت هذه الممارسة أكثر انتشارًا بشكل تدريجي منذ بداية الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وجرى إجبار المعتقلين على الاستطلاع والتصوير داخل شبكات الأنفاق حيث يعتقد الجنود أن المقاتلين لا يزالون مختبئين. كما تم إدخالهم إلى مبان مزودة بألغام للعثور على المتفجرات المخفية. وطُلب منهم التقاط أو تحريك أشياء مثل مولدات المياه وخزانات المياه التي كانت تخشى القوات الإسرائيلية أن تحتوي على مداخل أنفاق أو فخاخ.
وأجرت صحيفة نيويورك تايمز مقابلات مع 7 جنود إسرائيليين، شهدوا أو شاركوا في هذه الممارسة، فوصفوها بأنها “روتينية وعادية ومنظمة، وتتم بدعم لوجستي كبير وبمعرفة الرؤساء في ساحة المعركة”.
كيف يتعامل القانون الدولي مع استخدام المدنيين دروعًا بشرية؟
وتحدثت الصحيفة إلى 8 مسؤولين جرى إطلاعهم على هذه الممارسة، جميعهم طلبوا عدم الكشف عن هويتهم. وأكد الجنرال العسكري تامير هايمان، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية، استخدام شكل من أشكال هذه الممارسة، مشيرًا إلى أن بعض المعتقلين جرى إجبارهم على دخول الأنفاق، كما قدم 3 فلسطينيين شهادات رسمية حول استخدامهم دروعًا بشرية.
من جانبه، قال الجيش الإسرائيلي في بيان إن “التوجيهات والإرشادات تحظر بشكل صارم استخدام المدنيين المحتجزين من غزة في العمليات العسكرية”. وأضاف أن شهادات المعتقلين الفلسطينيين والجنود الذين تمت مقابلتهم ستُدرس من قبل السلطات المعنية.
ويحظر القانون الدولي استخدام المدنيين دروعًا بشرية. كما يحظر إرسال المقاتلين الأسرى إلى أماكن قد يتعرضون فيها لإطلاق النار.
جريمة حرب
وقال البروفيسور مايكل شميت، الباحث في الأكاديمية العسكرية في ويست بوينت الذي درس استخدام الدروع البشرية في النزاعات المسلحة، إنه لم يعرف جيشا يستخدم المدنيين أو أسرى الحرب في مهام استكشاف تهدد حياتهم بشكل روتيني في العقود الأخيرة، باستثناء الجيش الأمريكي في فيتنام، والجيش الإسرائيلي في فلسطين، مؤكدا أن “هذا يُعتبر جريمة حرب”.
وأوضح المسؤولون الإسرائيليون الذين تحدثوا إلى نيويورك تايمز، أنهم بدؤوا استخدام هذه الممارسة خلال الحرب الحالية بسبب رغبتهم في “تقليل الأخطار” على قوات المشاة.
وقال جنديان إسرائيليان إن أعضاء من وحداتهم القتالية، أعربوا عن معارضتهم للقيادات. وأفاد الجنود أن بعض الضباط ذوي الرتب المنخفضة حاولوا تبرير هذه الممارسة بقولهم إن المعتقلين الفلسطينيين “إرهابيون” وليسوا مدنيين محتجزين دون تهم.
“حياتهم أقل قيمة”
وأشاروا إلى أنهم قيل لهم إن “حياة الإرهابيين أقل قيمة من حياة الإسرائيليين”، على الرغم من أن الضباط غالبًا ما استنتجوا أن هؤلاء المعتقلين لا ينتمون إلى “جماعات إرهابية”.
وقال جهاد صيام (31 عامًا) وهو مصمم غرافيك فلسطيني كان جزءًا من المجموعة، إن إحدى الفرق الإسرائيلية أجبرت حشدًا من الفلسطينيين النازحين على السير في المقدمة كغطاء أثناء تقدمهم نحو مخبأ لرجال المقاومة في وسط مدينة غزة.
وأضاف صيام “طلب الجنود منا التقدم إلى الأمام حتى لا يرد الجانب الآخر بالنيران”. وعندما وصل الحشد إلى المخبأ، خرج الجنود من خلف المدنيين ودخلوا المبنى بسرعة.
وبعد أن بدا أنهم قتلوا المسلحين، قال صيام إن الجنود الإسرائيليين تركوا المدنيين يذهبون لحال سبيلهم.
متاهة من الفخاخ
وتحولت أجزاء كبيرة من غزة، بحسب الصحيفة، إلى متاهة من الفخاخ والمخابئ السرية، حيث قامت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بنصب كمائن متفجرة في المنازل والمؤسسات المهجورة، أو استخدمتها قواعد عسكرية مؤقتة ومخازن للأسلحة.
وبعد اجتياح غزة في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال الجنود الإسرائيليون إنهم وجدوا أنفسهم في خطر شديد عند دخول المنازل أو مداخل الأنفاق المحتمل أن تكون مفخخة. ولمواجهة هذا التهديد، استخدموا الطائرات المسيّرة والكلاب المدربة لتفتيش المواقع قبل الدخول.
وعندما لم تكن هناك كلاب أو مسيّرات متاحة، كانوا في بعض الأحيان يرسلون الفلسطينيين.
صوت القطة
وقال بشير الدلو (وهو صيدلي من مدينة غزة) إنه أُجبر على العمل درعًا بشريًّا في صباح يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد أن تم القبض عليه في منزله. وكان الدلو، البالغ من العمر 43 عامًا الآن، قد فرّ من الحي مع زوجته وأربعة من أبنائه قبل أسابيع، لكنه عاد لفترة قصيرة للحصول على بعض الإمدادات الأساسية، رغم أن الحي كان عبارة عن “ساحة قتال”.
وقال الدلو في مقابلة في غزة مع نيويورك تايمز بعد إطلاق سراحه دون توجيه أي تهم، إن الجنود أمروه بخلع ملابسه حتى السروال الداخلي، ثم قاموا بتقييده بالأصفاد وتغطية عينيه.
وبعد استجوابه حول أنشطة حماس في المنطقة، قال الدلو إن جنود الاحتلال أمروه بدخول ساحة منزل قريب مكون من خمسة طوابق. وأضاف “كانت الساحة مليئة بالأنقاض، بما في ذلك أقفاص الطيور، وخزانات المياه، وأدوات البستنة، وعدد من الكراسي المحطمة وألواح الزجاج المكسورة”.
وتذكر الدلو ما جرى قائلا “دفعني ثلاثة جنود للأمام بعنف. كانوا يخشون من وجود أنفاق تحت الأرض أو متفجرات مخبأة تحت أي شيء هناك”. وأشار إلى أنه سار حافي القدمين؛ مما أدى إلى إصابته بجروح بالغة جراء السير على قطع الزجاج المكسورة.
ومع ربط يديه خلف ظهره، قال الدلو إنه أُمر بالتجول حول الساحة، وهو يركل الطوب، وقطع المعدن، والصناديق الفارغة. وفي مرحلة ما، قام الجنود بربط يديه أمامه حتى يتمكن من دفع الأشياء المشبوهة بسهولة أكبر في طريقه.
ثم تحرك شيء ما فجأة من خلف مولد الكهرباء في الساحة، فبدأ الجنود إطلاق النار نحو مصدر الضوضاء، وكانوا على وشك إصابة الدلو نفسه، كما قال، ليتضح لاحقا أن مصدر الصوت كان مجرد قطة عابرة.
بعد ذلك، أمر الجنود الدلو بمحاولة تحريك المولد، مشتبهين في أنه قد يخفي مدخل نفق. وبعد تردده، خوفًا من ظهور مقاتلي حماس، ضربه أحد الجنود على ظهره بمؤخرة بندقيته.
وقال الدلو إنه في وقت لاحق من ذلك اليوم، أُمر بالمشي أمام دبابة إسرائيلية أثناء تقدمها نحو مسجد، حيث كان الجنود قلقين من مواجهتهم مقاتلي حماس في الطريق. وأضاف أنه تم أخذ بعض جيرانه للبحث عن مداخل أنفاق في مستشفى قريب، هو مستشفى الرنتيسي، ولم يرهم منذ ذلك الحين.
البعوض والدبابير
وخلال الحرب، استخدم جنود الاحتلال عبر وحدات مختلفة، مصطلحات معينة للإشارة إلى المحتجزين. وكان مصطلح “دبور” أحد هذه المصطلحات، ويعني “الأشخاص الذين تم إحضارهم إلى غزة من إسرائيل بواسطة ضباط الاستخبارات لمهام محددة قصيرة”.
بينما كان مصطلح “بعوضة” يصف المحتجزين الذين تم أسرهم في غزة وتم نشرهم بسرعة دون نقلهم إلى إسرائيل، وأحيانًا لعدة أيام وحتى أسابيع. ووفقا للصحيفة، كان يتم استخدام “البعوض” أكثر بكثير من “الدبابير”.
وتم اعتبارهم جميعًا غير ذوي قيمة، وفقًا لما ذكره الجندي. حيث تذكر أنه سمع ضابطًا يقول “إذا انفجر النفق، فليكن هو من يموت وليس واحدًا منا”.