مع احتدام المعارك بين إسرائيل وحزب الله.. أين الجيش اللبناني؟

منذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1990، عمل جيش البلاد بشكل أساسي كحصن داخلي ضد التوترات الطائفية (شتر ستوك)

منذ أن غزت القوات الإسرائيلية جنوب لبنان وبدأت القتال مع حزب الله على الأرض للمرة الأولى منذ عقدين، كان هناك غياب ملحوظ للجيش اللبناني.

وقالت صحيفة (فايننشال تايمز) البريطانية، إن القوات المسلحة اللبنانية تشهد حالة من “الضعف والهشاشة” في بلد لا تملك فيه القوات العسكرية قدرة تذكر لصد أي عدوان خارجي، في ظل سيطرة شبه كاملة لحزب الله على جنوب لبنان.

وقال سامي عطا الله، المدير المؤسس لـ(مبادرة سياسات الغد) في بيروت إن “للجيش اللبناني وظيفة مختلفة عن أي جيش آخر، إذ لا يمتلك الجيش الموارد للدفاع عن أراضيه، بل يُستخدم للحفاظ فقط على الاستقرار الداخلي”.

وأضاف عطا الله “لا أعتقد أن المؤسسة السياسية اللبنانية كانت ترغب تاريخيًا في وجود جيش قوي يتجاوز السيطرة الطائفية”.

كم عدد أفراد الجيش اللبناني؟

وأشار إلى أن القوى الأجنبية المؤثرة في المنطقة لم يكن لديها “أي اهتمام بالسماح للجيش اللبناني بالنمو كقوة قد تهدد الهيمنة العسكرية الإسرائيلية”، على الرغم من أن العديد من تلك القوى، ومن بينها الولايات المتحدة، قد شاركت في تقديم الدعم والتمويل للمؤسسة العسكرية في لبنان. ففي عام 2022، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها استثمرت أكثر من 3 مليارات دولار في تدريب وتعزيز قدرة القوات المسلحة اللبنانية منذ عام 2006.

ومنذ نهاية الحرب الأهلية التي دامت 15 عامًا في البلاد عام 1990، عملت القوات المسلحة اللبنانية إلى حد كبير كحصن محلي ضد التوترات الطائفية. ويبلغ عددها حوالي 80 ألف فرد ولكنها بلا سلاح جوي، ولا يمكنها مواجهة حزب الله في فنائها الخلفي ولا الدفاع عن البلاد ضد أي هجوم إسرائيلي. وبدلًا من الانخراط في القتال الدائر حاليًا، اقتصر دورها إلى حد كبير على دعم المدنيين.

وأشارت الصحيفة إلى مقتل أربعة من أفراد الجيش اللبناني وإصابة عدد آخر بنيران جيش الاحتلال منذ اجتياح الأراضي اللبنانية الأسبوع الماضي، بما في ذلك اثنان قُتلا يوم الجمعة إثر غارات جوية إسرائيلية أصابت مبنى بالقرب من نقطة تفتيش تابعة للجيش اللبناني.

قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون يتفقد قواته في جولة أول سبتمبر/أيلول الماضي (صفحة الجيش)

جيش بلا تحصينات دفاعية

من جانبه، قال أرام نيرغزيان، الباحث بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في الولايات المتحدة، إن أي حكومة لبنانية حديثة لم “تنفق بشكل موثوق على الدفاع بطرق تركز على تعزيز قدرة الجيش اللبناني على الانتشار في الجنوب، ناهيك عن الدفاع عنه”.

وأضاف “ليس لدى الجيش اللبناني شبكة من المخابئ ولا حتى غيرها من الحصون التي يمكنه التراجع إليها. وتعتبر معظم مواقع الجيش مكشوفة ويمكن استهدافها بسهولة من قبل المدفعية أو القوات الجوية”.

كما أن الانهيار المالي طويل الأمد في لبنان والممتد منذ عام 2019 أضر بالجيش اللبناني.

وفي هذا السياق، أشار سامي رماح، وهو عميد متقاعد بالجيش، إلى أن راتبه التقاعدي الشهري انخفض مما يعادل 4000 دولار إلى 500 دولار فقط منذ بدء الأزمة.

وقال “أعتمد على تحويل شهري قدره 500 دولار من ابني في الولايات المتحدة”، مضيفًا “أعيش حاليًا على حافة الفقر”.

معارك انتصر فيها الجيش اللبناني

لكن في المقابل، أشارت الصحيفة، إلى أن الجيش اللبناني ليس بهذا الضعف في الحقيقة. فمنذ أن خاض حزب الله آخر حرب ضد إسرائيل عام 2006، ساهمت المساعدات الخارجية، لا سيما من الولايات المتحدة، في احترافه وتحديثه استعدادًا لأدوار أكبر مستقبلًا إذا تغيرت موازين القوة داخل لبنان.

وركزت الجهود على وحدات النخبة الخاصة، حيث قال نيرغزيان إن لبنان أصبح لديه “واحدة من أكثر قوات مكافحة الإرهاب قدرة في المنطقة”.

ومكّن هذا الأمر الجيش من مواجهة بعض الجماعات المسلحة والانتصار عليها، لا سيما تنظيم الدولة في عام 2017، عندما هددت الجماعة حدود البلاد خلال الحرب الأهلية السورية. كما قام الجيش، بدعم من بريطانيا وكندا والولايات المتحدة، بإنشاء 4 كتائب حدودية على الحدود مع سوريا، لكن ليس على الحدود الجنوبية مع إسرائيل، حيث يوجد حزب الله.

جندي لبناني (الحساب الرسمي للجيش)

الجيش اللبناني والقرار 1701

وأوضحت الصحيفة أن دور الجيش اللبناني سيتوسع إذا تم تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي أنهى حرب 2006 والذي ينص على انسحاب حزب الله شمال نهر الليطاني، على بعد 30 كم من الحدود مع إسرائيل. وتعهدت بريطانيا، بتقديم 10 ملايين دولار لتعزيز الدفاعات الحدودية إذا تم تنفيذ القرار في نهاية المطاف.

من جانبه، قال رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، هذا الشهر، إن لبنان مستعد لتنفيذ القرار بعد وقف إطلاق النار، لكنه أضاف أن الجيش اللبناني يحتاج أولًا إلى تحسين تجهيزاته.

وأضاف “فيما يتعلق بالأسلحة، يعرف الجميع أن الجيش اللبناني لا يمتلك كل ما يجب أن يمتلكه، لذلك سنحتاج إلى بعض الوقت”.

هل يستطيع الجيش اللبناني أن يحل محل حزب الله؟

وأشارت الفايننشال تايمز إلى أن تنفيذ القرار 1701 سيكون مرحبًا به من قبل الشركاء الغربيين للبنان، الذين استثمروا في الجيش في انتظار تلك اللحظة، لا سيما وأن الضربات الشديدة التي تلقاها حزب الله مؤخرًا، قد تضعف جزئيًا قبضته على جنوب لبنان والدولة اللبنانية ككل.

وقال نيرغزيان “لا يمكن لإيران استعادة حزب الله إلى القوة السياسية والعسكرية التي كان عليها من قبل، مما يفتح المجال أمام الجيش اللبناني لتدعيم دوره في الأمن الوطني”.

وأضاف “هذه فرصة تحدث لمرة واحدة، وربما يكون لها آثار طويلة الأمد على ميزان القوة في لبنان والمنطقة بأسرها”.

المصدر : فايننشال تايمز

إعلان