مديرة مرصد الهجرة بأكسفورد: عقبات قانونية ولوجستية تواجه خطط نقل طالبي اللجوء من أوروبا

مهاجرون على متن سفينة لخفر السواحل الإيطالي في ميناء بألبانيا - 19 أكتوبر (الفرنسية)

كشفت مديرة مرصد الهجرة بجامعة أكسفورد أن خطط بعض الدول الأوروبية بنقل عدد من طالبي اللجوء إلى خارج القارة تواجهها عقبات قانونية ودبلوماسية ولوجستية، وسط تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين وطالبي اللجوء على دول جنوب القارة.

وخططت بريطانيا في عهد رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون لإرسال أعداد من المهاجرين غير النظاميين إلى رواندا، كما أعلنت إيطاليا أنها ستتبع نفس النهج مع المهاجرين بنقلهم إلى ألبانيا.

مهاجرون في مركز احتجاز إداري في ليون بفرنسا -24 أكتوبر (الفرنسية)

التنفيذ الفعلي واجه تحديات

وفي هذا الصدد، قالت الدكتورة مادلين سمبشن، مديرة مرصد الهجرة بجامعة أكسفورد للجزيرة مباشر، إن خطة إيطاليا لمعالجة طلبات اللجوء في ألبانيا تختلف عن الصفقة التي أبرمتها المملكة المتحدة مع رواندا.

وأشارت إلى أن الحكومة الإيطالية ستعيد اللاجئين المعترف بهم إلى إيطاليا، أما المتقدمون من المملكة المتحدة في رواندا فقد تقرر أن يبقوا فيها ويحصلوا على وضع اللاجئ هناك.

وأوضحت مديرة مرصد الهجرة، أن فكرة معالجة طلبات اللجوء في دول خارجية ليست جديدة، إذ حاولت الحكومات تطبيقها لعقود، لكن التنفيذ الفعلي واجه تحديات دبلوماسية ولوجستية وقانونية كبيرة.

وأشارت إلى أن هناك عددًا محدودًا من الدول الآمنة التي توافق على تخصيص أراضيها لهذا الغرض؛ مما يجعل العثور على بلدان تتمتع بأنظمة قانونية قادرة على مواجهة التحديات القانونية أمرًا صعبًا، وهو ما واجهته المملكة المتحدة في قضية رواندا.

قائمة ضحايا مهاجرين على لفافة ورقية ووقفة لتكريم مهاجرين لقوا حتفهم من بينهم رضيع عمره 4 أشهر (الفرنسية)

عقبات أخرى

وأكدت مديرة مرصد الهجرة، أن من العقبات الأخرى التي تعترض هذه الخطط، ضمان الامتثال للقوانين الدولية المتعلقة باللاجئين، وخاصة عندما يكون المتقدمون بعيدين عن الدعم القانوني اللازم، إضافة إلى التكاليف المرتفعة.

وأشارت إلى أن هذه التحديات كانت من الأسباب التي أعاقت تنفيذ سياسة المملكة المتحدة في رواندا، وهي مشكلات واجهتها أستراليا أيضًا، التي تعتبر المثال الرئيسي لدولة طبقت نموذجًا خارجيًّا لمعالجة طلبات اللجوء.

المملكة المتحدة ورواندا

تشترك خطط إيطاليا وألبانيا، والمملكة المتحدة ورواندا، في العديد من النقاط، ومنها محاولة الحد من تدفق المهاجرين، ففي المملكة المتحدة كان الاتفاق مع رواندا يهدف إلى إعادة طالبي اللجوء والمهاجرين غير النظاميين إلى رواندا للحد من الهجرة غير الشرعية، حيث دفعت المملكة المتحدة 240 مليون جنيه إسترليني لحكومة رواندا بحسب تقارير صحفية، ورغم هذا لم تُفعّل الخطة حتى الآن.

جزيرة لامبيدوزا الإيطالية واكتظاظ مراكز الإيواء بالمهاجرين (الفرنسية)

اتفاق إيطالي ألباني

في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أعلنت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني عن خطة أثارت الجدل لنقل المهاجرين الذين يتم إنقاذهم من البحر إلى ألبانيا، حيث ستتم معالجة طلبات اللجوء في مراكز خاصة أنشئت في هذا البلد الصغير في منطقة البلقان.

وجاء الاتفاق ضمن اتفاقية مدتها خمس سنوات وُقّعت بين ميلوني ونظيرها الألباني إيدي راما، وتنص على استضافة ألبانيا لنحو 3 آلاف مهاجر شهريًّا يتم انتشالهم من قبل خفر السواحل الإيطالي في المياه الدولية.

عشرات من المهاجرين في المناطق الحدودية بين تونس وليبيا (رويترز-أرشيف)

أول عملية نقل للمهاجرين

في 16 أكتوبر/تشرين الثاني 2024، وصلت السفينة الإيطالية “ليبرا” إلى ألبانيا وعلى متنها 16 مهاجرًا قادمين من إيطاليا، يحملون جنسيات بنغلاديش ومصر، ونُقلوا إلى مركزين للاجئين في ألبانيا.

وتخطط إيطاليا لإرسال ما يصل إلى 36 ألف طالب لجوء سنويًّا، وبحسب الخطة ستخضع هذه المراكز للقانون الإيطالي، حيث يوجد بها قضاة وموظفو أمن إيطاليون، وستكون مخصصة لاستقبال المهاجرين غير النظاميين من الدول التي تعتبرها إيطاليا دولا آمنة.

قلق من انتهاك حقوق الإنسان

أكدت الحكومة الإيطالية أن الأطفال والنساء الحوامل والمجموعات الضعيفة الأخرى لن يخضعوا للترحيل إلى ألبانيا، ومع ذلك لا توجد ضمانات أو تدابير متخذة لعدم احتجاز هؤلاء الأفراد أو ترحيلهم، وقد حذر باحثون في الهجرة من أن الإخفاق في ضمان حماية هؤلاء الأفراد قد يعرّض حقوقهم الأساسية للخطر.

وعارض القضاء الإيطالي هذه الخطوة، وتبعًا لهذا الحكم أُعيدت دفعة من طالبي اللجوء الذين نُقلوا إلى ألبانيا؛ مما أثار خلافًا واسعًا بين الحكومة الإيطالية والسلطة القضائية.

ونصّ الاتفاق المبرم بين إيطاليا وألبانيا على نقل المهاجرين الذكور من دول تُعتبر “آمنة” إلى مراكز احتجاز في ألبانيا، فور انتشالهم من البحر. ومع ذلك قضت محكمة روما بأن دولًا مثل مصر وبنغلاديش لا يمكن اعتبارها دولا آمنة؛ مما يستلزم إعادة هؤلاء المهاجرين إلى إيطاليا للنظر في طلباتهم للجوء على الأراضي الإيطالية.

وردًّا على الحكم القضائي، سارعت الحكومة الإيطالية إلى تمرير مرسوم جديد لتحديث قائمة الدول التي تعتبرها “آمنة”، مع إمكانية تعديلها كل ستة أشهر.

وعُدّل القانون لاستبعاد دول مثل نيجيريا والكاميرون، وصرح وزير العدل الإيطالي كارلو نورديو بأن هذا التعديل جاء بناءً على حكم المحكمة الأوروبية منتقدا محكمة روما بسبب الطريقة التي فسرت بها حكم محكمة الاتحاد الأوروبي.

آراء متباينة حول الاتفاق

اعتبرت هذه الخطوة من قبل الحكومة الإيطالية سابقة تاريخية تهدف إلى تخفيف الضغط على خدمات الهجرة، لكن المنظمات الحقوقية انتقدت الاتفاق، واعتبرت منظمة العفو الدولية أن هذه المراكز تمثل “تجربة قاسية” تلطخ سمعة الحكومة الإيطالية، كما ذكرت “أطباء بلا حدود” أن هذه الاستراتيجية الجديدة تثير مخاوف جدية بشأن حقوق الإنسان.

ورغم الانتقادات أكدت ميلوني أن هذا الاتفاق يمثل “مسارًا جديدًا وجريئًا” يعكس الروح الأوروبية، ويمكن تكراره مع دول غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي.

ازدياد تحديات الهجرة

تأتي هذه الخطوة في وقت يسعى فيه عدد من دول الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ مواقف أكثر صرامة اتجاه الهجرة، في ظل ضغوط اليمين المتطرف الذي حقق تقدمًا كبيرًا في الانتخابات الأوروبية.

وبحسب وزارة الداخلية الإيطالية فقد انخفض عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا عبر البحر المتوسط بنسبة 61% في الأشهر التسعة الأولى من 2024 مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.

ووصل 54 ألفا و129 لاجئا إلى إيطاليا حتى الآن، مقارنة بـ138 ألفا و947 لاجئا في نفس الفترة من العام الماضي، غالبيتهم من مصر وبنغلاديش وتونس وساحل العاج.

تكاليف الاتفاق

يشير منتقدو الاتفاق إلى أن تكلفة العملية وقدرة مراكز المعالجة المحدودة قد تجعل هذا الاتفاق غير فعّال في تقليل عدد المهاجرين؛ مما قد يؤدي إلى تفاقم المشكلة بدلًا من حلها.

وتشير التقديرات إلى أن تكاليف إنشاء المركزين في ألبانيا ستصل إلى 670 مليون يورو (730 مليون دولار) على مدى خمس سنوات، مع إمكانية تجاوز الإجمالي مليار يورو.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان