أحلام مكسورة وقلوب صامدة.. كيف مرت الحرب على مبتوري الأطراف في غزة؟
في أزقة غزة المدمرة وبين أنقاض المنازل، تتردد أصداء الألم والأمل. هنا، يخوض مبتورو الأطراف معركة مزدوجة ضد آثار الحرب القاسية وتحديات إعاقتهم الجديدة. مع كل يوم يمر تزداد معاناتهم، لكن إرادتهم تبقى صلبة كصخور شاطئ غزة.
وَفق تقرير منظمة الصحة العالمية، بلغ عدد عمليات البتر جراء الإبادة الجماعية في قطاع غزة ما بين 3105 عمليات و4050 عملية، خلف كل رقم قصة إنسان، حلم مكسور، وإرادة تتحدى الصعاب.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsوحيدون في غزة بعد استشهاد زوجته.. مسنّ يتمنى لقاء أبنائه بعد غياب 13 سنة (فيديو)
غزة.. طفلة تستخدم حذاء من علب التونة بسبب منع الاحتلال دخول الأحذية (فيديو)
كيف مر عام الحرب على أصحاب متلازمة داون في غزة؟ (فيديو)
براعم الأمل تنبت من بين الركام
الطفلة دانا سالم “ديب”، ذات الثمانية أعوام، كانت تحلم بأن تصبح طبيبة أسنان. اليوم، تجلس على سريرها البسيط، تنظر إلى مكان يدها المفقودة بعينين تملؤهما الدموع والتساؤلات. في ديسمبر/كانون الأول الماضي، استيقظت دانا على كابوس حقيقي، صوت أمها تناديها وسط الركام والدماء.
بصوت يرتجف، تروي دانا “عندما استيقظت رفعت الغطاء عن جسدي وتفاجأت بعدم وجود يدي. بكيت وأنا أنادي على أمي وأتساءل أين يدي، جاوبتني حينها بأنها ذهبت إلى ربها”.
لم تفقد دانا يدها فحسب، بل فقدت إخوانها وعددا من أفراد عائلتها، لكنها رغم صغر سنها تحاول أن تجد القوة للاستمرار، تقول “كُنا نخاف من أصوات القصف، لكن لم أتوقع أن أفقد إخواني وبيت جدي. ومع ذلك تقبلت بتر يدي لأننا نعيش الحرب، ولم يكن هناك خيار آخر أمامي”.
أمهات يحملن العالم بنصف جسد
شروق أبو سكران، أرملة شابة وأم لطفل لم يتجاوز مره عاما ونصف العام، لم تتخيل يوما أنها ستكون هدفا لصواريخ الاحتلال. فقدت زوجها في الأشهر الأولى من الحرب، ثم بدأت رحلة معاناة جديدة لتأمين لقمة العيش لطفلها.
بدأت شروق في بيع المعجنات في المستشفيات، متحملة حياة شاقة بعد أن سلبتها الحرب زوجها وأخاها ووالدها. لكن القدر كان له رأي آخر، فقد باغتها صاروخ إسرائيلي في البيت الذي نزحت إليه، مما أدى إلى بتر قدميها.
اليوم، تجلس شروق على كرسيها المتحرك، تحتضن طفلها وتقول بصوت يمتزج فيه الألم بالأمل “أتمنى أن تنتهي الحرب قريبا حتى أتمكن من تركيب أطراف صناعية. أريد أن أقف على قدمي من جديد، من أجل طفلي”.
فادية الدحدوح، أم لخمسة أطفال، تروي قصتها المؤلمة “في سبتمبر الماضي قُصف المنزل وبُترت قدمي اليسرى كما بُترت قدم ابنتي راما اليمنى. نجا طفل من الأطفال الأربعة الآخرين، وارتقى الزوج”.
مع مرور عام على الحرب، تستذكر فادية معاناتها مع النزوح المتكرر والخوف على أطفالها. تقول بحسرة “أشعر بالعجز أمام جوع أطفالي في ظل انعدام الطعام وانتشار المجاعة. خوفي من تكرار المأساة وعدم قدرتي على حماية من تبقى لي يضاعف ألمي كل يوم”.
رجال يواجهون الحياة بنصف جسد وقلب كامل
محمد موعد يواجه محنة مضاعفة، حيث إنه لم يفقد ساقه فحسب، بل يعاني أيضا من ضعف في السمع والبصر بعد إصابته. يقول بمرارة “كل شيء صعب. لدي حوالي 20 شظية لم تُستخرج من جسمي بعد. أنتظر انتهاء الحرب لاستئصالها، لأنه لا توجد إمكانيات الآن”.
يصف محمد لحظات ما بعد الإصابة “عندما أفقت، لم أكن أسمع أو أرى. ظلوا يغسلون عيني اليسرى تدريجيا حتى استعدت بصري جزئيا. وبعد أسبوع، بدأ السمع يعود تدريجيا”، ويضيف “أجد صعوبة في التنقل والذهاب لتلقي العلاج. ما يزيد معاناتي الحصار المشدد على غزة مما يمنعني من السفر وتلقي العلاج في الخارج”.
محمود عفانة، المصاب بمرض السكري، أصيب بقذيفتين أثناء محاولته تأمين الطعام لبناته الثلاثة وعائلته. بُترت قدمه وظل حبيس المعاناة لأشهر طويلة. يقول بصوت يختنق بالدموع “إذا كنتم تخافون من الحرب، فأنا أخشى على صحتي وعلى قدرتي على حماية بناتي الثلاث”.
“لن أتمكن من الوقوف في الصيدلية”
الصيدلاني نور قشقش يتذكر لحظات ما بعد إصابته “أول شيء خطر في بالي هو أنني لن أتمكن من الوقوف في الصيدلية بعد الآن. شعرت أن طموحاتي وحياتي انتهت في تلك اللحظة. ولكن كان عليّ أن أقبل بقضاء الله، فلم يكن لدي خيار آخر”.
يصف نور التحديات اليومية التي يواجهها “يجب أن أتحمل وزني بالكامل على عكازين، وأنا لم أعتد على ذلك. الأمر صعب للغاية، وخصوصا في عملي كصيدلاني، حيث التنقل جزء أساسي من يومي”.
رغم كل هذه المعاناة، يبعث نور برسالة أمل قوية “رسالتي للمصابين والمكلومين في هذه الحرب، من شخص عانى مثلكم، أن لا شيء يمكن أن يوقفكم أمام تحقيق أحلامكم. لا قوة في العالم تمنعكم طالما كانت إرادتكم قوية”.
في نهاية المطاف، تبقى قصص هؤلاء الأبطال شهادة حية على قوة الإرادة الإنسانية. رغم فقدانهم لأطرافهم، فإنهم لم يفقدوا الأمل في غد أفضل، ويواصلون كفاحهم اليومي بعزيمة لا تلين.