من غزة إلى بيروت.. كيف غيّر طوفان الأقصى خريطة الشرق الأوسط؟
مع مرور عام على بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تأثرت كثير من الجبهات الإقليمية بالمجريات الدولية المتسارعة، ومسّت التغييرات عشرات السياسيين وصنّاع القرار في الشرق الأوسط، وتعدّت التحوّلات مساحة القطاع الضئيلة إلى خارجه، وإن كانت العواقب أشدّ فداحة على أهالي الشريط الساحلي الضيق.
لبنان.. أول الإسناد وثاني النزيف
منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلن حزب الله مشاركته في إسناد غزة، ليكون أول المنضمّين تحت شعار وحدة الساحات، مقتصرًا على قواعد الاشتباك دون خوض حرب مفتوحة، وركز هجماته على معسكرات الجيش الإسرائيلي وأجهزة المراقبة والتجسس في مستوطنات شمال إسرائيل.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsتقرير: الجيش الإسرائيلي يرسل 7 آلاف طلب تجنيد للحريديم
ترامب يختار “مدافِعة شرسة” عن إسرائيل سفيرة لدى الأمم المتحدة
أتراك يمنعون شاحنة إسرائيلية من دخول ميناء درينجه (فيديو)
في المقابل، نفذت إسرائيل عمليات اغتيال في صفوف حزب الله، من بينها اغتيال القيادي فؤاد شكر، حتى انفردت بجبهة لبنان بعدما أمنت خطر جبهة غزة، بدءًا من 17 سبتمبر/أيلول الماضي حين انفجرت الآلاف من أجهزة البيجر واللاسلكي، ثم قضت على نسبة كبيرة من الصفوف الأولى لقيادات المقاومة في غضون أسابيع، وعلى رأسهم الأمين العام للحزب حسن نصر الله، في هجوم إسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت.
وبينما تواصل إسرائيل غاراتها النارية، يجادل سياسيون لبنانيون في خوض الحرب، داعين إلى نزع سلاح حزب الله واستسلامه لتجنب كلفة الدمار والنزوح، ما يهدد بتصدع داخل طوائف لبنان في ظل حالة الفراغ الرئاسي التي تعيشها البلاد.
اليمن.. إسناد بحري وجوّي
وصلت أصداء جماعة الحوثي إلى العالمية بعد تهديدها باستهداف السفن المملوكة، أو التي تشغلها شركات إسرائيلية، أو تلك التي ترفع العلم الإسرائيلي، وذلك بعد 4 أيام فقط من انطلاق عملية طوفان الأقصى، ما تسبب في زيادة أسعار الشحن بثمانية أضعاف السعر الأصلي.
واستهدف الحوثيون خلال عام واحد أكثر من 190 سفينة مرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، وَفق زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، كما أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن استهداف إسرائيل بمسيّرات وصواريخ قطعت نحو 2000 كيلومتر حتى وصلت إلى تل أبيب.
وبينما يزعم يمنيون أن إعلان الحوثي دخول الحرب هو مجرد محاولة لتبييض سمعته في الشرق الأوسط وتقديم جماعته ككيان شرعي يحكم اليمن، فقد وصلت الغارات الأمريكية البريطانية على اليمن إلى 73 غارة وَفق المتحدث باسم الحوثيين.
العراق.. إسناد رغم الوجود الأمريكي
لم تتخلف فصائل المقاومة في العراق عن دعم المقاومة الفلسطينية، حيث هاجمت موقعا عسكريا أمريكيا على الحدود الأردنية السورية ما أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين، في يناير/كانون الثاني الماضي، وإصابة ما لا يقل عن 40 من أفراد الخدمة في هجوم بطائرة دون طيار.
وأسفر هجوم آخر بمسيرة مطلع أكتوبر الجاري عن مقتل جنديين إسرائيليين وإصابة أكثر من 20 آخرين في الجولان المحتل.
لكن دعم الفصائل العراقية للمقاومة الفلسطينية كانت له تبعاته داخل العراق نفسه، حيث ردت الولايات المتحدة بهجمات على مواقع الحشد الشعبي في فبراير/شباط 2024، ما استتبع احتجاج الحكومة العراقية التي ضغطت في سبيل الإسراع بخروج القوات الأمريكية من العراق.
إيران.. مواجهة مباشرة
طوّر طوفان الأقصى من شكل المواجهة بين طهران وتل أبيب لتصل إلى مواجهة مباشرة، فمن ناحية اغتالت إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية ومرافقه الشخصي وسيم أبو شعبان بينما كانا في ضيافة السلطات الإيرانية.
ومن ناحية أخرى شنّت إيران هجومين صاروخيين على إسرائيل، الأول في 13 إبريل/نيسان الماضي، بعد أيام من الغارة الجوية الإسرائيلية على القًنصليَّة الإيرانية في دمشق، التي قتل فيها مسؤول إيراني كبير في فيلق القدس، أما الهجوم الثاني فقد افتتحت به إيران أكتوبر 2024 انتقامًا لاغتيال هنية ونصر الله، بعدما فقد كثيرون الأمل في ردّ تأخر كثيرًا.
مصر.. السلام المتوتر
كان لمصر أدوار عدة بوصفها الجار العربي لغزة، فقد اضطلعت بدورها المعتاد كوسيط بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، وكذلك منعت تهجير الفلسطينيين إلى حدودها ببناء أسوار حصينة، وحاولت تعزيز صمودهم في أرض غزة رغم اصطفاف المئات من شاحنات المساعدات عبر معبر رفح، وبقي أن نذكر أنها تصر حتى الآن على انسحاب الاحتلال من محور فيلادلفيا، وهو ما ترفضه الحكومة الإسرائيلية.
الأردن.. كابوس الاحتلال
استجاب العسكري الأردني المتقاعد ماهر الجازي لخطابات المتحدث باسم كتائب القسام أبو عبيدة، واستغل مروره عبر جسر الملك حسين بين الأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة لينفذ في 8 سبتمبر/أيلول 2024 عملية أطلق فيها النار على أمن المعابر الإسرائيلي أثناء مرور شاحنته وقتل 3 منهم ثم استشهد.
كما اكتسح الإسلاميون انتخابات مجلس النواب 2024 بعد تبنيهم قضية غزة منذ يومها الأول.
فلسطين.. الجانب الآخر من غلاف غزة
أخذ الفلسطينيون مكانهم بين 193 دولة الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، بعدما كانوا مراقبين خلف دبلوماسيي الدول الأعضاء، وتزايدت وتيرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، حيث اعترفت بها كل من سلوفينيا وإسبانيا والنرويج وأيرلندا.
وشنت إسرائيل اجتياحا لمخيمات فلسطينية عدة كان الأوسع من نوعه منذ الانتفاضة الثانية عام 2000، واستشهد منذ بداية العام 742 شهيدا في الضفة الغربية وحدها، فيما اعتقل آلاف آخرون منذ 7 أكتوبر 2023.
تونس.. التطبيع خيانة وليس جريمة
استغلّ الرئيس قيس سعيد جماهيرية القضية الفلسطينية لدى قطاع عريض من الشعب التونسي خلال حملته الانتخابية عام 2019 رافعا شعار “التطبيع خيانة عظمى”.
ومع ذلك فقد حاول عرقلة إقرار مجلس النواب قانون تجريم التطبيع، واصفا هذا المسعى بأنه “تعبير عن الانهزامية”، وأن الخوض فيه بينما يواجه الفلسطينيون أبشع الجرائم أمر ليس منطقيا.
تركيا.. أداء “غير مقنع”
الحضور القوي المعتاد للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لدعم القضية الفلسطينية كان مختلفا خلال هذه الحرب، واقتصر على تصريحات انتقادية يتبادلها مع الحكومة الإسرائيلية، دون قطع العلاقات الدبلوماسية، وانخفض مستوى العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى النصف، حتى توقفت المعاملات التجارية، لكن تدفق الوقود استمر عبر تركيا.
وقد أسفرت نتائج الانتخابات عن خسارة غير مسبوقة لحزب “العدالة والتنمية” الحاكم، ورغم أن السبب اقتصادي بالأساس، فقد أرجع مراقبون هذه الخسارة إلى النبرة المحافظة تجاه الجرائم الإسرائيلية في غزة، واعترف أردوغان أن أداءه في التعامل مع أزمة غزة “لم يقنع أطرافا عدة في المجتمع التركي”.
الكويت.. تضامن شعبي
سمحت السلطات الكويتية بالاحتجاجات المنددة بالحرب الإسرائيلية على غزة، وانتشرت اللافتات والإعلانات التوعوية التي تدعو إلى المقاطعة الاقتصادية، في ظل موقف صريح مناهض للتطبيع في الدولة الخليجية المعروفة بسقف حريات مرتفع.