رصاص متطاير وفوضى عارمة.. عشرات المفقودين بولاية شرق الجزيرة وسط السودان

استطاع الموظف الحكومي خضر علي، الهرب مع عائلته من هجوم قوات الدعم السريع على مدينته في ولاية الجزيرة وسط رصاص متطاير وفوضى عارمة، لكن ما إن أصبح بأمان، حتى اكتشف أنّه فقد أثر ابن أخيه المريض محمد.
ويبلغ ابن شقيقه 17 عاما، وهو مصاب بمرض جلدي يحتاج إلى رعاية طبية خاصة، وهو من عشرات الأشخاص الذين أبلغ ذووهم عن فقدانهم مع تصاعد العنف في الولاية الذي دفع أكثر من 47 ألف شخص إلى النزوح.

“خرجنا في حالة من الفوضى”
ويروي خضر علي (47 عاما) قصته بتوتّر واضح قائلا “خرجنا في حالة من الفوضى، وكان إطلاق النار في كل اتجاه.. بعد أن أصبحنا خارج المدينة اكتشفنا أن ابن أخي غير موجود”.
وقال بضيق شديد “هو مريض بعيب خلقي في خلايا الجلد لا يتحمّل الجفاف لأكثر من ساعة ويحتاج لرعاية خاصة”.
وكان علي يعيش في مدينة رفاعة التي تعرضت لهجوم من قبل قوات الدعم السريع في 22 أكتوبر/تشرين الأول، دفعه إلى النزوح مع أسرته وأسرة شقيقه الراحل.
نزوح الآلاف
ووصل خضر علي إلى مدينة حلفا الجديدة في ولاية كسلا (150 كيلومترا شرق رفاعة) بعد رحلة مضنية استغرقت ثلاثة أيام، وقال بقلق بالغ “مرّت حتى الآن ستة أيام ولا نعرف عنه شيئا”.
وأدت موجة العنف في الجزيرة إلى نزوح عشرات الآلاف. ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إن أكثر من 47 ألف شخص نزحوا إلى ولايتي كسلا والقضارف.
“أحياء أم أموات؟”
وإلى مدينة حلفا الجديدة، وصل أيضا محمد العبيد من قرية الهجليج وقال “حتى الآن أحصينا 170 مفقودا من قريتنا.. هناك أسر بأكملها لا يُعرف لها أثر”، وأضاف “بعض الأطفال يصلون من دون ذويهم”.
ومنذ فبراير/شباط الماضي، انقطعت شبكات الاتصالات وخدمات الإنترنت عن الولاية بصورة شبه كاملة، وهو ما يعوق التواصل.
ويقول الناشط علي بشير الذي ينظّم عملية النزوح من قرى شرق ولاية الجزيرة “انقطاع الاتصالات يفاقم مسألة المفقودين”.
وتعجّ مواقع التواصل الاجتماعي في السودان بمنشورات تبلّغ عن مفقودين، وأطلق ناشطون صفحات لنشر صور وأسماء المفقودين وغالبيتهم من المسنّين والأطفال.
مواجهات عنيفة
وشهدت مدينة تمبول في ولاية الجزيرة مواجهات عنيفة قبل أسبوعين بين الجيش وقوات الدعم السريع، وبعد ساعات فقط من إعلان الجيش سيطرته على المدينة، عاد الدعم السريع وشنّ عمليات؛ مما دفع آلاف المدنيين إلى النزوح.
ومن بين هؤلاء التاجر عثمان عبد الكريم الذي فقد أثر اثنين من أبنائه، يقول إن أحدهما في الخامسة عشرة والثاني في الثالثة عشرة وكانا خارج المنزل لحظة بداية الهجوم.
وأوضح عثمان البالغ من العمر 43 عاما، ما وقع قائلا “كانا خارج المنزل لحظة الهجوم مساء السبت 19 أكتوبر فاضطررنا لنغادر من دونهم.. مضت الآن عشرة أيام، ولا نعرف إن كانوا أحياء أم أمواتا”.
اندلاع المعارك في السودان
واندلعت المعارك في السودان منتصف إبريل/نيسان 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة حليفه ونائبه السابق محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي.
وخلّفت الحرب عشرات آلاف القتلى، وشرّدت أكثر من 11 مليون شخص من بينهم 3.1 ملايين نزحوا خارج البلاد، حسب المنظمة الدوليّة للهجرة، وتسبّبت، وفقا للأمم المتحدة، في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث.
ويخوض الطرفان معارك عنيفة في ولاية الجزيرة التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع منذ أواخر العام الماضي، وبعد انشقاق أحد قادتها في الولاية وانضمامه إلى الجيش، شنّ الدعم السريع هجمات على مناطق، وحدثت مواجهات أدّت إلى مقتل نحو 200 شخص خلال 10 أيام.