فاتورة الاستبداد.. كيف انهار الاقتصاد السوري في ظل حكم الأسد؟

الاقتصاد السوري انكمش بنسبة 85% خلال حكم الأسد
الاقتصاد السوري انكمش بنسبة 85% خلال حكم الأسد (غيتي)

ترسم تقارير المنظمات الدولية صورة قاتمة لملامح الانهيار الشامل الذي شهده الاقتصاد السوري في ظل 24 عاما من حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد الذي فر من سوريا، الأحد الماضي، بعد دخول قوات المعارضة المسلحة إلى العاصمة دمشق.

وأشار بيان أصدره برنامج الأمم المتحدة للتنمية، الخميس، إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لسوريا تراجع بشدة ليصل حاليا إلى نحو 15% فقط مما كان عليه في عام 2011، ما يعني انكماشا في الاقتصاد السوري بنسبة 85%، وهي نسبة كبيرة توضح التراجع الحاد للقدرات الإنتاجية لكل القطاعات في سوريا.

وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لسوريا في عام 2011 نحو 67.5 مليار دولار، ما وضع سوريا في المرتبة رقم 68 على المستوى العالمي، وبشكل مشابه لدول مثل باراغواي وسلوفينيا.

ثم تراجع ترتيب سوريا عالميا إلى المرتبة رقم 129 في عام 2023، مع تراجع ناتجها الإجمالي إلى 9 مليارات دولار فقط، ليصبح حجم الاقتصاد السوري مشابها لحجم اقتصاد تشاد أو السلطة الفلسطينية.

الليرة السورية انهارت خلال حكم الأسد
الليرة السورية انهارت خلال حكم الأسد (غيتي)

“خسارة 35 عاما من التنمية”

وكانت نتيجة هذا الانهيار الاقتصادي، كما أوضح تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية، أن “تراجع ترتيب سوريا على مؤشر التنمية البشرية في الفترة ما بين 2010 و2022 بنسبة 16%، وهو ما يعادل خسارة 35 عاما من التنمية”.

وتراجع ترتيب سوريا على مؤشر التنمية البشرية العالمي من 117 عام 2010 إلى 157 عام 2022.

وأشار البيان إلى أن أغلبية الأسر السورية تكافح في الوقت الحالي لتوفير الاحتياجات الأساسية، مثل الغذاء والوقود وتكاليف العلاج والدراسة لأبنائها، خاصة مع انهيار سعر صرف الليرة السورية.

وفي عام 2011، وقبل قيام نظام الأسد بقمع الثورة التي اندلعت ضده، كان سعر الصرف في سوريا يبلغ ما بين 45 و54 ليرة للدولار الواحد، وفق بيانات البنك الدولي، بينما ارتفع في عام 2023 إلى أكثر من 13 ألف ليرة سورية.

كما ارتفعت نسبة التضخم، وفق بيانات البنك الدولي، من 5.8% عام 2011 إلى 140% عام 2023، وذلك نتيجة عوامل عدة، منها تراجع الإنتاج في قطاعات أساسية مثل النفط والزراعة، والانخفاض الحاد في قيمة الليرة السورية، ورفع الدعم الحكومي عن الخبز والوقود.

ملايين السوريين تحولوا إلى لاجئين ونازحين يعيشون في ظروف قاسية
ملايين السوريين تحولوا إلى لاجئين ونازحين يعيشون في ظروف قاسية (غيتي)

اتساع دائرة الفقر

ووفق تقرير للبنك الدولي عن الوضع في سوريا، صدر في مايو/أيار 2024 بعنوان “انكماش النمو وتدهور رفاهية الأسر في سوريا”، فإن نحو 69% من السكان في سوريا يعانون الفقر، وهو ما يصل إلى نحو 14.5 مليون سوري.

كما بلغت نسبة الفقر المدقع نحو 27% من السكان، أي نحو واحد من كل أربعة من السكان يعاني الفقر الشديد، بينما كانت النسبة لا تُذكر عام 2009.

ويشير تقرير البنك الدولي إلى الدمار الكبير في البنية الأساسية في سوريا، خاصة بالنسبة للقطاع الصحي وقطاعات حيوية مثل الكهرباء والنقل، والدمار الذي تعرضت له مدن سورية كبرى مثل حلب، مما أدى إلى تدهور شديد في مستوى حياة أغلبية السوريين.

تراجع قطاعي النفط والزراعة

وكان قطاعا النفط والزراعة ركيزتين أساسيتين للاقتصاد السوري، حيث كانت إيرادات النفط تمثل تقريبا نحو 25% من إيرادات الحكومة السورية.

وأسهم القطاعان معا بنحو نصف الناتج المحلي الإجمالي لسوريا حتى عام 2011.

وتراجع الإنتاج الزراعي في سوريا مع هجرة أعداد كبيرة من المزارعين من جانب، والأضرار التي لحقت بالبنية الأساسة لهذا القطاع مثل أنظمة الري والنقل من جانب آخر.

وحتى عام 2011، كانت سوريا تنتج نحو 383 ألف برميل من النفط يوميا، طبقا لبيانات البنك الدولي، ثم تراجعت القدرة على الإنتاج بشكل حاد لتصل إلى نحو 90 ألف برميل يوميا في عام 2023، بما في ذلك حقول النفط السورية التي كانت خارج سيطرة النظام.

وكان نظام الأسد قد فقد السيطرة على أغلب حقول النفط في شمالي سوريا، إذ تمكن تنظيم الدولة من السيطرة عليها لفترة، ثم خضعت لسيطرة الميلشيات الكردية.

وأشار تقرير للإذاعة الألمانية “دويتش فيله”، الخميس، إلى أن العقوبات الدولية أضعفت بشدة قدرة النظام السابق على تصدير النفط، خاصة مع انخفاض الإنتاج إلى أقل من 9000 برميل يوميا عام 2023 في المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام، الأمر الذي جعله يعتمد بشكل كبير على النفط المستورد من إيران.

وقدَّمت إيران دعما اقتصاديا وعسكريا كبيرا لنظام الأسد، كان أحد أسباب قدرته على الاستمرار في الحكم منذ اندلاع الاحتجاجات ضد نظامه في عام 2011.

وتحتاج سوريا في الوقت الراهن إلى استثمارات هائلة لإعادة الإعمار. وكان البنك الدولي قد قدَّر الخسائر الاقتصادية والمادية التي لحقت بسوريا نتيجة الحرب بما لا يقل عن 220 مليار دولار.

المصدر : الأمم المتحدة

إعلان