تقرير: صور الأقمار الصناعية للقواعد الروسية في سوريا تكشف عن مفاجأة
تفكيك مروحيات ومنظومات دفاع جوي

أجرت روسيا عملية إجلاء لما لا يقل عن 400 جندي من منطقة دمشق خلال الأيام الأخيرة، وفقًا لتصريحات مسؤول في هيئة تحرير الشام، التي أكدت أن العملية تمت بالتنسيق معها.
وصرح كمال اللبابيدي، عضو المكتب السياسي لهيئة تحرير الشام، لصحيفة فايننشال تايمز، بأن الجنود الروس الذين تم إجلاؤهم كانوا متمركزين في مقر الفرقة الرابعة للجيش السوري في منطقة قدسيا بريف دمشق. وأشار إلى مغادرة الجنود الذين كانوا متمركزين في السفارة الروسية بدمشق، في إطار مفاوضات لإجلاء مزيد من القوات الروسية من أنحاء البلاد.
تقليص الوجود العسكري الروسي في سوريا
ويمثل الإجلاء الأخير خطوة جديدة في تقليص موسكو وجودها العسكري في سوريا بعد سنوات من دعمها لنظام الأسد، وقد جاءت العملية التي تضمنت انسحاب الجنود عبر قافلة برية إلى قاعدة حميميم الجوية في شمال غرب سوريا، في ظل مفاوضات مع هيئة تحرير الشام لضمان مرور آمن للقوات.
وأكد اللبابيدي أن الروس عقدوا اجتماعًا مع ممثلين عن هيئة تحرير الشام في مقرهم بفندق فور سيزونز في دمشق للتنسيق بشأن عملية الانسحاب. وأضاف أن القافلة التي غادرت العاصمة شملت قرابة 100 مركبة عسكرية، بينها عربات مدرعة وشاحنات وقود ووحدات طبية متنقلة.
وأومأت الصحيفة إلى أن هذا التطور يشير إلى بوادر تعاون بين روسيا وهيئة تحرير الشام، بعد سنوات من التقاتل خلال النزاع السوري، لكن مستقبل الوجود الروسي في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة لا يزال غير واضح، في وقت يستمر فيه تقليص الدور الروسي في سوريا وسط تحولات ميدانية وسياسية.

تقليص الوجود الدبلوماسي
ومن ناحية أخرى، أعلنت وزارة الخارجية الروسية عن تقليص نشاطها الدبلوماسي في دمشق وإجلاء عدد من موظفي سفارتها، إلى جانب أفراد من بعثات كوريا الشمالية وبيلاروسيا وأبخازيا، وفقًا لتقرير نشرته وكالة ريا نوفوستي. وأكدت الوزارة أن “عمل السفارة الروسية في دمشق مستمر”، دون تقديم تفاصيل إضافية.
وفي سياق متصل، صرّح كمال اللبابيدي، بأن مسؤولًا روسيًّا أبلغه بخطط لتخفيض النشاط الدبلوماسي، رغم عدم وجود نية حاليًّا لإغلاق السفارة. ولم يرد المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، على طلب للتعليق.
وتأتي هذه الخطوة وسط تغيرات ميدانية غير متوقعة في سوريا. فمنذ تدخلها في الحرب عام 2015، قدمت روسيا دعمًا عسكريًّا مكثفًا لنظام بشار الأسد؛ مما أسهم في استعادته السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد. لكن هجومًا مباغتًا للمعارضة خلال الشهر الجاري أدى إلى فرار الأسد إلى موسكو، في تطور دراماتيكي يُلقي بظلاله على دور روسيا في النزاع السوري.
وأعلنت روسيا أن استمرار وجودها العسكري والسياسي في سوريا سيعتمد على نتائج المفاوضات مع الحكومة الجديدة في دمشق. وفي سياق التطورات الميدانية الأخيرة، أبدت هيئة تحرير الشام استعدادها للتعاون مع موسكو، معربة عن إمكانية إيجاد أرضية مشتركة لإعادة الإعمار.
وأكد ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، أن موسكو تجري محادثات “بنّاءة” مع هيئة تحرير الشام، وتهدف إلى الحفاظ على قواعدها العسكرية، مشيرًا إلى دورها في “محاربة الإرهاب”.
وتشكل قاعدة حميميم الجوية والقاعدة البحرية في طرطوس مراكز لوجستية رئيسية لروسيا في البحر المتوسط وإفريقيا، ويعد فقدانهما تحديًا استراتيجيًّا كبيرًا. وأشار محللون إلى أن روسيا قد تعرض على الحكومة السورية الجديدة مساعدات مالية واقتصادية، إلى جانب دعم سياسي، مقابل الحفاظ على وجودها العسكري في هذه القواعد.

مفاجأة عبر الأقمار الصناعية
وأظهرت صور الأقمار الصناعية الأخيرة لقاعدة حميميم، زيادة في حركة المركبات الأرضية، فضلا عن وصول طائرات نقل كبيرة، وتفكيك مروحيات ومنظومات دفاع جوي، في إشارة إلى إعادة ترتيب محتملة للقوات الروسية، مع تركيز على تقليص الوجود العسكري وتحسين التموضع الاستراتيجي.
وصرّح كمال اللبابيدي، بأن روسيا لا تنوي حاليًّا إجلاء قاعدتها الجوية في حميميم، لكنها بدأت في سحب قواتها من قواعد عسكرية أخرى داخل سوريا، في خطوة تشير إلى إعادة ترتيب وجودها العسكري.
وأفادت مصادر مطلعة لصحيفة فايننشال تايمز، أن عائلات سورية نافذة مرتبطة بنظام الأسد لجأت إلى السفارة الروسية في دمشق منذ سقوط النظام قبل أسبوع، حيث تتولى موسكو حمايتهم في ظل التحولات السياسية الراهنة.
وأوضح مقاتلو هيئة تحرير الشام، المكلفون بحراسة محيط السفارة الروسية، أن مهمتهم تقتصر على حماية من بداخلها، مع ضمان حرية تحركاتهم. وأشاروا إلى أن موظفي السفارة طلبوا منهم مرافقتهم أحيانًا كحراس أثناء قضاء احتياجات يومية مثل الشراء من البقالة أو زيارة الأطباء.
وعلى الرغم من التسهيلات المقدمة داخل السفارة، أكد اللبابيدي أن موسكو تلقت أوامر من الحكومة السورية الجديدة بعدم السماح بمغادرة السوريين من البلاد عبر السفارة، في خطوة تعكس تشديد الرقابة على حركة الأفراد وسط تغيّرات كبيرة في المشهد السياسي السوري.