أساليب جديدة لمعاقبة مسلمي الهند.. اعتقال إمام بسبب الأذان وهدم منازل بتهمة “سرقة الكهرباء”
شكا مسلمون في مدينة سامبال، بولاية أوتار براديش شمالي الهند، من قيام السلطات باتخاذ إجراءات عقابية بحق المسلمين في المدينة، وذلك بعد الحادث العنيف الذي وقع عقب أمر قضائي بإجراء مسح لمسجد تاريخي بناءً على مزاعم من هندوس متطرفين بأنه أُقيم على أنقاض معبد هندوسي دُمر قبل نحو خمسة قرون.
وقال مسلمون في مدينة سامبال، الواقعة على بُعد 160 كيلو مترًا شرق العاصمة الهندية نيودلهي، إن السلطات المحلية تحت قيادة يوغي أديتياناث، الذي يحكم الولاية منذ سبع سنوات، اتخذت العديد من الإجراءات العقابية ضد المسلمين، من بينها اعتقال إمام أحد المساجد بسبب رفعه الأذان عبر مكبر صوت، وتنفيذ إجراءات متشددة ضد المسلمين بذريعة مخالفات بناء.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالهند.. مقتل 3 مسلمين خلال احتجاجات ترفص تحويل مسجد تاريخي إلى معبد هندوسي (فيديو)
مأساة “سامبال” الهندية.. مقتل 4 مسلمين وسط مخاوف من تكرار سيناريو مسجد “بابري”
يستهدف ثروات المسلمين في الهند.. مشروع قانون ينتزع الإشراف على الأوقاف من أيدي المسلمين
وأوضح مسلمون تحدثوا للجزيرة مباشر أن الأوضاع في المدينة ما زالت متوترة منذ مقتل 4 مسلمين الشهر الماضي برصاص الشرطة، لدى احتجاجهم على إجراء مسح رسمي للتحقيق في مزاعم هندوسية بأن مسجد شاهي التاريخي، الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر، قد بُني على أنقاض معبد هندوسي دُمر قبل نحو 500 عام.
تجريم الأذان
وروى محمد تابش، صحفي حر من سامبال، للجزيرة مباشر قصة اعتقال إمام مسجد “أنار والي” بمنطقة كوت بسبب الأذان، قائلًا “علمت أن الشرطة كانت قد تجمعت حول المسجد قبل صلاة الجمعة. وعندما وصلت إلى المكان، رأيت الإمام محاطًا بأفراد الشرطة وقد بدا عليه الخوف. وكانوا يستجوبونه: من الذي رفع الأذان عبر مكبر الصوت؟ فأجاب الإمام بأن المؤذن هو من قام بذلك، موضحًا أن دوره يقتصر على إمامة المصلين”.
وأضاف تابش “شعرت بالخوف في صوته، كان الإمام يشعر بتهديد واضح ومباشر”.
ونقل تابيش عن شاهد عيان من الأهالي، تحدَّث طالبًا عدم الكشف عن هويته خوفًا من الشرطة، قوله “منذ نحو 25 يومًا، نرى قوات الشرطة تملأ شوارع سامبال في كل مكان، وكأنهم يراقبوننا باستمرار”.
وأضاف شاهد العيان “في ذلك اليوم، كان الضباط يقومون بدوريات على مقربة من المسجد، وحين سمعوا الأذان، اندفعوا نحوه كما لو أن جريمة قد وقعت. لم نكن نتوقع هذا الهجوم. وبعد استجواب الإمام حول مكبر الصوت، أصبح واضحًا أنهم يبحثون عن ذرائع لإرهاب المسلمين.
وتابع قائلًا “الأذان يُرفع كل يوم جمعة منذ سنوات، ولم يكن هناك أي اعتراض من قبل. ما يحدث الآن يبدو كأنه محاولة منهجية لمعاقبتنا وترهيبنا”.
غرامة على الإمام
وفرضت سلطات المدينة كفالة مالية على الإمام، واسمه محمد تهذيب، قدرها 200 ألف روبية (نحو 2300 دولار أمريكي).
وبررت السلطات هذا الإجراء بأنه جاء وفقًا لقوانين الضوضاء والتلوث الصوتي. وأكد مسؤولون من الشرطة احتجاز الإمام قبل صلاة الجمعة بزعم “الإزعاج” وتنفيذًا لقرار حظر مكبرات الصوت في الأماكن الدينية، وبهدف الحد من حالة العنف التي شهدتها الولاية خلال الأيام الماضية.
وتشهد منطقة كوت، التي وقعت بها هذه الحادثة، توترًا بسبب مطالبات الهندوس بإنشاء معبد هناك.
وانتشر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يُظهر الإمام محاطًا برجال الشرطة، بينما يمسك أحد الضباط بذراعه بقوة، مما أظهره في مشهد “مهين”، حسب المسلمين في المنطقة.
وأفاد أحد أصدقاء الإمام للجزيرة مباشر بأن الإمام تهذيب “يعيش حالة من الخوف الشديد، ولم يواجه في حياته مثل هذا الموقف، حيث اضطر إلى التعامل مع قوات شرطة غاضبة” في حين أنه لم يرتكب جريمة.
ونقل هذا الصديق عن الإمام تهذيب قوله إنه يخشى التحدث إلى وسائل الإعلام بسبب تحذير الشرطة له بعدم إجراء أي مقابلات.
من جانبها، دافعت فاندانا ميشرا -نائبة مدير سامبال- عن عملية اعتقال الإمام، بقولها لوسائل إعلام محلية “مكبر الصوت في المسجد خالف معايير التلوث الضوضائي، وهدد جودة حياة السكان”.
وأفادت بأن السلطات حذرت الإمام “من تكرار المخالفة خلال الأشهر الستة المقبلة”.
وأوضحت الشرطة أنها عقدت اجتماعًا مع القيادات الدينية للمسلمين والهندوس في المدينة قبل أيام، وشددت على ضرورة استخدام مكبرات الصوت بضوابط، وأوضحت أن استخدام مكبرات الصوت الصغيرة مسموح به، بشرط ألا يتجاوز الصوت حدود المبنى الديني.
ترهيب المسلمين
ووصف صديق الإمام الوضع في سامبال، قائلًا “الأمور هنا سيئة للغاية. حتى الأخطاء الصغيرة التي يرتكبها المسلمون تُعامل كأنها جرائم كبرى”.
وقال الصحفي تابش للجزيرة مباشر إن مدينة سامبال شهدت منذ حادث مسجد شاهي تسجيل قضايا ضد أكثر من 2750 مسلمًا.
وينظر كثير من المسلمين إلى هذه الإجراءات بأنها محاولات متعمدة لمضايقتهم وترهيبهم وتهميشهم تحت ستار تطبيق القانون.
وقال محمد حكيم الدين، الذي زار سامبال مرات عدة لأعمال الإغاثة وتقديم الدعم لأسرة الضحايا، إن المسلمين في سامبال يعيشون حالة من القلق الشديد، حيث تستمر هناك عمليات التفتيش والتحقيقات بحقهم.
وأوضح حكيم الدين أن العديد من المسلمين تعرضوا لغرامات بسبب مزاعم سرقة الكهرباء، ومن بينهم عضو البرلمان من سامبال ضياء الرحمن برق، الذي اتُّهم ببناء منزل بدون تصريح رسمي، بينما استُخدمت الجرافات لهدم محال تجارية تحت ذريعة “الاحتلال غير القانوني”، موضحًا أن الخدمات الحكومية في المنطقة متدنية للغاية.
وأضاف “الكهرباء والمياه والمرافق العامة هنا لا تسهّل حياتنا اليومية، حيث نعاني من نقص إمدادات الكهرباء، ومن المياه الملوثة، ومع ذلك تتوقع السلطات من المواطنين الالتزام التام بالأوراق الرسمية”.
وتابع قائلًا “إنهم يفرضون علينا اتباع كل قاعدة بدقة متناهية، بينما هم أنفسهم لا يلتزمون بأي قواعد. كل ما يحدث ليس سوى محاولة متعمدة لتخويفنا ومعاقبتنا”.
تحايل على قرار المحكمة العليا
وكانت المحكمة العليا في الهند قد وجهت انتقادات لاذعة لحكومات الولاية في 13 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بسبب لجوئها إلى هدم المنازل كوسيلة لمعاقبة المتهمين الذين لم تتم محاكمتهم بعد، مشيرة إلى غياب أي اعتبار لحقوق أولئك الذين يجدون أنفسهم بلا مأوى بين عشية وضحاها.
وتقول منظمات حقوقية وإسلامية في الهند إن أغلبية المنازل التي هُدمت خلال السنوات العشر الماضية في إطار هذه الإجراءات العقابية كانت مملوكة لمواطنين مسلمين.
وصرَّح محامي المحكمة العليا براشانت بوشان للجزيرة مباشر، قائلًا “بينما نجحت تدخلات المحكمة في منع الولايات من هدم منازل المسلمين بشكل مباشر، تلجأ حكومة أوتار براديش الآن إلى أساليب أخرى لاستهداف المسلمين”.
وأضاف “تغريم إمام بسبب الأذان، وإطلاق حملات هدم في المناطق المسلمة بتهمة سرقة الكهرباء، ليست سوى تكتيكات جديدة لمعاقبة المسلمين. سرقة الكهرباء وانتهاكات الضوضاء موجودة في كل أنحاء الهند حتى في العاصمة، ومع ذلك لا تتخذ السلطات أي إجراءات ضد المعابد التي تعزف الموسيقى الهندوسية الصاخبة، بينما يتم استهداف المساجد دون مبرر”.