فاينانشال تايمز تكشف تفاصيل الأيام الأخيرة من حكم بشار الأسد

مصادر من داحل نظام الأسد أكدت أنه لم يتوقع نجاح الثورة
مصادر من داحل نظام الأسد أكدت للصحيفة أنه لم يتوقع نجاح الثورة (غيتي)

نشرت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية تقريرًا، اليوم الجمعة، كشفت فيه تفاصيل الأيام الأخيرة لبشار الأسد قبل سقوط نظامه في سوريا، والطريقة التي خطط بها للهروب من دمشق تاركًا أنصاره وكبار المسؤولين العاملين معه لمصيرهم.

وقالت الصحيفة إن الأسد قفز، ومعه ابنه الأكبر حافظ، إلى مركبة مدرعة روسية ليلة سقوط دمشق في قبضة قوات المعارضة، وغادر العاصمة السورية “تاركًا أقاربه وأصدقاءه والموالين له يبحثون عن الرجل الذي وعد بحمايتهم”.

ونقلت الصحيفة عن ضابط استخبارات سابق بنظام الأسد، وأحد قادة المعارضة المسلحة، وأفراد على اطلاع بظروف هروب الأسد، أنه بحلول منتصف الليل كان الأسد في طريقه إلى القاعدة الروسية في حميميم على الساحل الشمالي الغربي لسوريا.

وأضافت الصحيفة نقلًا عن مصادرها أن الأسد لم يعط الأوامر لجيشه بالانسحاب إلا بعد أن غادر دمشق، إذ أصدر حينها الأمر للجيش بحرق المكاتب والوثائق.

وذكرت الصحيفة أن روسيا تعهدت بتقديم ممر آمن للأسد إلى قاعدة حميميم الروسية، بينما نفى أحد قادة هيئة تحرير الشام أن الهيئة تفاوضت بشأن خروج الأسد من دمشق.

أسماء توجهت لموسكو قبل أسابيع من فرار زوجها
أسماء توجهت إلى موسكو قبل أسابيع من فرار زوجها (رويترز)

لم يتوقع نجاح الثورة

وأوضحت الصحيفة أنه على الرغم من أن روسيا ساعدت الأسد على الفرار من دمشق فإنها تركته منتظرًا حتى الساعة الرابعة من فجر الأحد 8 من ديسمبر/كانون الأول الجاري، ثم أخبرته بأن موسكو وافقت على منحه حق اللجوء لأسباب إنسانية.

وبعدها نُقل الأسد بطائرة روسية إلى موسكو لينتهي حكم عائلته “الوحشي” لسوريا الذي استمر أكثر من خمسين عامًا.

وأجرت الصحيفة 12 مقابلة حول الأيام الاخيرة للأسد في دمشق مع مسؤولين سابقين في النظام، وأفراد على اطلاع بتحركات أسرة الأسد، وطلبوا جميعًا عدم الكشف عن أسمائهم.

وقالت الصحيفة نقلًا عن مصادرها إن الأسد لم يتوقع نجاح الثورة ضد نظامه، واعتقد أنه تمكن من حسم الحرب الأهلية، التي بدأت مع قمعه للمظاهرات المناهضة لحكمه في عام 2011، لصالحه.

وأضافت أن الأسد شعر بأنه على الطريق “لإعادة تأهيله عالميًّا” مع تلقيه الدعم من بعض الدول العربية، ومبادرات مع جانب بعض الدول الأوروبية.

غير أن الواقع أن المعارضة المسلحة، بقيادة هيئة تحرير الشام، تمكنت بعد فترة طويلة من الإعداد من إسقاط نظامه في عشرة أيام، منذ أن أطلقت هجومها الخاطف في 28 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتمكنت من السيطرة على مدن سوريا الكبرى واحدة تلو الأخرى، حتى دخلت دمشق يوم الأحد 8 من ديسمبر الجاري.

بوتين المنشغل بحرب أوكرانيا لم ينقذ الأسد كما فعل عام 2015
بوتين المنشغل بحرب أوكرانيا لم ينقذ الأسد كما فعل عام 2015 (غيتي)

أسرة الأسد سبقته إلى موسكو

وأشارت الصحيفة إلى أن أسرة الأسد سبقته إلى موسكو، حيث تُعالَج زوجته أسماء من الإصابة بالسرطان للمرة الثانية، كما ذكرت مصادر مطلعة على تحركات أسرة الأسد.

وكانت أسماء في موسكو برفقة والدتها ووالدها فواز الأخرس الذي فُرضت عقوبات أمريكية عليه في وقت مبكر من شهر ديسمبر الجاري.

ولحقت زين، ابنة الأسد التي كانت تدرس في أبو ظبي، بوالديها حسب ما أكد أفراد على صلة بالأسرة.

وأشارت الصحيفة إلى أن الأسد تخلى عن أفراد تعهدوا له بالولاء لعقود طويلة، وهو “ما ترك العديد من مساعديه السابقين مذهولين وغاضبين من تخليه عنهم”.

بل إن الأسد، طبقًا لما قالته مصادر الصحيفة، لم ينذر حتى أقاربه بمن فيهم أبناء عمومته وإخوته وأبناؤهم، وتركهم لمصيرهم بينما كانت قوات المعارضة تقترب من دمشق.

وأكدت مصادر مطلعة للصحيفة أنه غادر دمشق برفقة اثنين من مساعديه الذين يساعدونه في إدارة أصوله المالية في الخارج، هما ياسر إبراهيم ومنصور عزام، وهو ما يوضح أن الأسد “أعطى الأولوية في الدائرة الموالية له لثروته على عائلته الممتدة”، وفق ما ذكرته الصحيفة.

وتشير مقاطع الفيديو التي التقطها الثوار لمنزل الأسد بعد فراره إلى أنه غادر دمشق بشكل متعجل، حيث عثروا على ألبوم صور لأسرته، وعشرات من حقائب التسوق من ماركة “هيرميس” المعروفة التي يبدو أن أسماء، زوجة الأسد، كانت تفضلها.

“أصبح يائسًا بشكل متزايد”

وذكرت الصحيفة في تقريرها أن الأسد توجه إلى موسكو لطلب الدعم العسكري بعد أن تمكنت قوات المعارضة من السيطرة على حلب، ثانية كبرى المدن السورية، غير أن طلبه لم يلق قبولًا في موسكو.

وأوضحت الصحيفة أن روسيا التي دعمت الأسد لفترة طويلة وأنقذت نظامه عام 2015 لم تعد راغبة أو حتى قادرة على دعمه لانشغالها بالحرب في أوكرانيا. كما أن إيران بدورها لم تعد قادرة على حمايته بعد مواجهتها مع إسرائيل.

وأكدت مصادر مطلعة على تحركات الأسد في أيامه الأخيرة في دمشق أنه “أصبح يائسًا بشكل متزايد” بعد رفض موسكو تقديم الدعم العسكري الذي كان يتطلع إليه.

وأضافت هذه المصادر أن الأسد أوضح للمسؤولين الروس، قبل ثلاثة أو أربعة أيام من فراره من دمشق، بأنه مستعد لمقابلة قادة المعارضة السياسية في جنيف، وهو ما سبق أن رفضه لفترة طويلة، لكن هذا الاقتراح لم يغيّر موقف موسكو تجاه الأزمة في سوريا.

هروب أنصار الأسد

وبعد أن ترك الأسد كبار المسؤولين في نظامه ليتدبروا أمورهم دون تحذير، أشارت مصادر الصحيفة إلى أن عددًا كبيرًا منهم هرب إلى لبنان عبر سياراتهم، ومن بينهم مستشارته الإعلامية السابقة بثينة شعبان.

غير أن الحكومة اللبنانية رفضت أن تكون أراضيها مقرًّا للهاربين من نظام الأسد، كما أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، الأمر الذي دفعهم إلى الخروج من لبنان.

تقارير عن هروب ماهر الأسد للعراق
تقارير عن هروب ماهر الأسد إلى العراق (غيتي)

وبعد أن أغلق لبنان الباب في وجوههم، توجه المسؤولون الهاربون الذين يحملون جوازات سفر أجنبية إلى الدول الأوروبية، بينما توجه آخرون من بينهم بثينة شعبان إلى الإمارات العربية، وتوجه قادة عسكريون إلى روسيا أو ليبيا، وفقًا لأشخاص مطلعين على الأمر.

وأشارت الصحيفة إلى أن ماهر الأسد تصرَّف بشكل مخالف لما قام به شقيقه بشار، حيث طلب من أتباعه الفرار إلى لبنان، بينما غيَّر هو نفسه خططه وهرب إلى العراق.

كما توجه إياد مخلوف، وهو من أسرة الأسد وضابط في المخابرات السورية، وشقيقه التوأم إيهاب وأمهما إلى لبنان.

وقالت مصادر الصحيفة إن الثلاثة تعرضوا لهجوم من قوات المعارضة أثناء خروجهم من سوريا إلى لبنان، مما أسفر عن مقتل إيهاب وإصابة إياد ووالدته. وبعد أن تلقى إياد العلاج في لبنان توجه إلى دبي.

يُذكر أن علي مملوك، كبير مستشاري الأسد ورئيس المخابرات العامة السابق، لا يزال مفقودًا.

وكانت عائلات سورية موالية للنظام قد تحصنت في السفارة الروسية في دمشق، لكن الصحيفة لم تتمكن من تأكيد هوياتهم.

وطلبت الإدارة السورية الجديدة من موسكو عدم تسهيل سفر السوريين إلى الخارج، في محاولة لمنع فرار المسؤولين الموالين للنظام السابق.

المصدر : فايننشال تايمز

إعلان