“وول ستريت جورنال”: هكذا تعيد إسرائيل تشكيل الحدود السورية.. وهذا هو السبب الحقيقي وراء توغلها العسكري

جنود إسرائيليون على متن مركبة عسكرية في طريقهم للخروج من الجانب السوري للحدود بين سوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة (شتر ستوك)

استولت القوات الإسرائيلية على قمة جبل الشيخ الاستراتيجية في المنطقة الحدودية مع سوريا، في خطوة جاءت بعد أقل من أسبوعين على انهيار نظام الأسد، في تحرك عسكري يفتح الباب أمام تغيير محتمل وطويل الأمد في شكل الحدود بين الطرفين.

وأشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” إلى أن التمركز العسكري الجديد على قمة جبل الشيخ، الذي يطل على المنطقة العازلة، يمنح إسرائيل رؤية واضحة نحو العاصمة السورية دمشق، التي تبعد 25 ميلًا فقط.

كما شهدت المنطقة تحركات عسكرية علنية لأول مرة منذ 50 عامًا، إذ تقدم جيش الاحتلال داخل قرى جنوب سوريا، وأفاد سكان محليون بمحاولات لنزع سلاحهم.

وفي تطور لافت، قامت إسرائيل ببناء منشآت جديدة على الجانب السوري من جبل الشيخ، تشمل مرافق خدمية مثل الحمامات والمطابخ، وفقًا لشهادات وصور جرى التحقق منها، كما رفعت أعلاما إسرائيلية على مواقعها، وزار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس المنطقة الجديدة، مؤكدين السيطرة عبر صور ومقاطع “فيديو”.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مع القوات الإسرائيلية في جبل الشيخ في مرتفعات الجولان (غيتي)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مع القوات الإسرائيلية في جبل الشيخ بمرتفعات الجولان (غيتي)

الأمم المتحدة تدين التحركات الإسرائيلية

وصرّح المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، الثلاثاء، بأن قوة المراقبة التابعة للأمم المتحدة في المنطقة العازلة لاحظت أعمال بناء في 4 مواقع بمنطقة جبل الشيخ، وأضاف أن أعلامًا إسرائيلية رُفعت في 3 مواقع داخل المنطقة العازلة، لكنها أزيلت لاحقًا بعد احتجاج الأمم المتحدة.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الخميس، “في الجولان السوري المحتل، لا ينبغي أن توجد أي قوات عسكرية في منطقة الفصل سوى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، ويجب استعادة سيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها بالكامل”.

ويرى مسؤولون إسرائيليون كبار ومحللون إقليميون أن سقوط النظام السوري يمثل فرصة تاريخية لإعادة تشكيل الحدود، وتعزيز الموقف الإسرائيلي في المنطقة.

وانتقد أحمد الشرع، القائد العام للإدارة السورية الجديدة، الهجمات الإسرائيلية على المنشآت العسكرية السورية ووجودها داخل سوريا، وقال للصحفيين، الاثنين، “لا يوجد مبرر لقصف إسرائيل المنشآت السورية أو التقدم داخل سوريا”، مشيرًا إلى أنه لا يرغب في الدخول في حرب مع إسرائيل.

مدرعة إسرائيلية بالقرب من الخط الذي يفصل مرتفعات الجولان عن سوريا (أب)

السبب الحقيقي وراء التوغل الإسرائيلي

وأظهرت مقاطع “فيديو” موثقة توغل القوات الإسرائيلية في مجمع حكومي بمدينة البعث السورية، ومرورها بجانب مسجد في قرية كودنة، كما وثقت مشاهد أخرى دبابات إسرائيلية متوقفة عند دوار على أطراف مدينة القنيطرة وسيرها على طريق رئيس بقرية صيدا، ما يعكس تحركات عسكرية واضحة داخل الأراضي السورية.

وأشارت “وول ستريت جورنال” إلى أن هذا التوغل هو الأول من نوعه منذ حرب 1973، حين عبرت القوات الإسرائيلية علنًا إلى سوريا لصد هجوم مفاجئ شنه الجيشان المصري والسوري، وبينما لا يزال المجتمع الدولي، بما فيه الأمم المتحدة، يعدّ مرتفعات الجولان أرضًا سورية محتلة، اعترفت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسيادة إسرائيل عليها في عام 2019.

وفي تصريح لإذاعة الجيش الإسرائيلي، قال وزير شؤون الشتات، عاميحاي شيكلي، من حزب الليكود، إن إسرائيل تعمل على “تعديلات ضرورية” على الحدود الشمالية، بما يشمل المنطقة العازلة وجبل الشيخ السوري، وأشار إلى أن هناك “فرصًا كبيرة” مع قدوم إدارة جديدة داعمة بقيادة الرئيس المنتخب دونالد ترامب.

من جهته، حذر الباحث السوري خضر خضور، المتخصص في العلاقات المدنية العسكرية، من أن إسرائيل تجهز نفسها لأسوأ السيناريوهات في سوريا، بما في ذلك احتمال اندلاع صراع مسلح جديد بعد سقوط نظام الأسد، وأضاف أن إسرائيل تسعى إلى تعزيز وجودها في مواقع استراتيجية بجنوب سوريا لتأمين مصالحها في حال تفاقم الأوضاع، مذكّرًا باحتمال تكرار السيناريو الليبي، حين أدى سقوط النظام إلى فوضى وصراعات مسلحة مستمرة منذ 2011.

جانب من المنطقة العازلة التي تفصل مرتفعات الجولان الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية عن سوريا (أب)

انعدام ثقة السكان

وتستخدم القوات الإسرائيلية طائرات مسيّرة مزودة بمكبرات صوت لدعوة السكان في جنوب سوريا للقاء ممثليهم المحليين، إلا أن السكان أبدوا ترددًا في الاستجابة لهذه الدعوات، بحسب شهود عيان، وخلال اللقاءات التي جرت، أوضح جيش الاحتلال أن وجوده مؤقت ويهدف إلى مصادرة الأسلحة وتأمين الحدود، إلا أن السكان أعربوا عن عدم ثقتهم، مما دفع بعضهم لمغادرة المنطقة.

ونفذت قوات الاحتلال عمليات تفتيش للمنازل وصادرت أسلحة في قرى عدة، وجمعت معلومات عن هويات المزارعين والرعاة لتسهيل حركتهم في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، وأشار السكان إلى أن التحركات العسكرية تسببت بأضرار في الطرق والبنية التحتية، ما أدى إلى انقطاع مؤقت في الكهرباء والمياه وخطوط الهاتف.

ومن جانبه، أكد الجيش الإسرائيلي أن دخوله للقرى يتم فقط عند الضرورة القصوى، مشيرًا إلى أنه لا يستهدف المدنيين أو البنية التحتية المدنية بشكل متعمد.

وفي المقابل، دعت قوات المعارضة التي تسيطر الآن على سوريا، الجنود السابقين في نظام الأسد إلى تسليم أسلحتهم، وسعت لاستعادة المعدات العسكرية التي نهبها السكان بعد انسحاب الجيش.

أما السيطرة الإسرائيلية على الجانب السوري من جبل الشيخ، فتمنحها تفوقًا استراتيجيًا في المنطقة، إذ تمكنها من مراقبة (حزب اللهوردعه في لبنان وقوات المعارضة في دمشق، وأوضح وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس خلال زيارة للجبل برفقة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن السيطرة على المنطقة تعد خطوة أساسية لتعزيز أمن إسرائيل.

جنود إسرائيليون يعملون في سوريا بالقرب من خط وقف إطلاق النار بين مرتفعات الجولان وسوريا (رويترز)

جدل داخلي

ويدور جدل داخل إسرائيل بشأن مستقبل السيطرة على الجانب السوري من جبل الشيخ، الذي يعدّ غير مأهول، إذ يطالب البعض بالإبقاء عليه تحت السيطرة الإسرائيلية نظرًا لقيمته الاستراتيجية.

ودعا أميرام ليفين، القائد السابق للقيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، إلى انسحاب إسرائيل من معظم المنطقة العازلة لتجنب تعريض اتفاق وقف إطلاق النار المستمر منذ 50 عامًا للخطر، مع الإبقاء على وجود عسكري على الجانب السوري من الجبل، وأوضح “إذا استطعنا الاحتفاظ به لفترة طويلة، فسيكون ذلك مكسبًا استراتيجيًا، وإذا فقدناه، فسيكون ورقة تفاوض قوية في المستقبل”.

وتقول إسرائيل إن سيطرتها على قمة جبل الشيخ والأراضي السورية المجاورة، جاءت بعد انهيار نظام الأسد وفرار قوات الجيش السوري، ما أدى إلى اعتبار اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974 ملغيًا، لكن المعارضة السورية التي سيطرت على دمشق أعلنت أنها لن تقوم بحل الجيش السوري.

ومن جهتها، تؤكد الأمم المتحدة وخبراء القانون الدولي أن سقوط النظام السوري لا يعفي إسرائيل من التزاماتها بموجب اتفاقات وقف إطلاق النار الثنائية، مما يثير تساؤلات حول شرعية هذه السيطرة ومآلاتها المستقبلية.

المصدر : وول ستريت جورنال

إعلان