ما تأثير إلغاء التجنيد الإجباري في سوريا؟ خبراء يجيبون
أثار إعلان القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع عن مقترح بإلغاء التجنيد الإجباري ردود فعل واسعة النطاق، إذ رأى خبراء أن هذه الخطوة -إن تمّت- سيكون لها آثار سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة على المجتمع السوري.
وقال الشرع في تصريحات إعلامية إن الإدارة السياسية الجديدة تدرس فكرة إلغاء التجنيد الإجباري، وأضاف “مبدئيًّا سيكون الجيش تطوعيًّا. الإقبال كتير كبير، فاحنا ما مضطرين نزيد على كاهل السوريين كابوس التجنيد الإجباري، لكن الدفاع عن الوطن واجب، ولازم يكون عنا كفاية بالتطوع”.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsقانون اللجوء والإطاحة بالأسد.. غموض بشأن مصير السوريين في مصر
شاهد: قتلى وجرحى في انفجار بمدينة منبج شرقي حلب
مسيحيو سوريا يحتفلون بأول “عيد ميلاد” بعد سقوط نظام بشار الأسد (فيديو)
وأشار الشرع إلى أن التجنيد الإجباري قد يكون “لفترات قصيرة في حالات الخطر الشديد والتعبئة العامة”.
“كابوس” الشباب السوري
وخلال سنوات الثورة، وما تبعها من محاولات نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد قمعها، كانت الخدمة العسكرية كابوسًا للشباب السوري، إذ ارتبطت بالخوف من البقاء في الخدمة لسنوات غير محدَّدة أو الموت في الخطوط الأمامية.
وتحدَّث رسلان ذي النون -وحيد والديه- للجزيرة مباشر عن التمييز الذي تعرَّض له شباب العاصمة دمشق، قائلًا “شباب دمشق كانوا يواجهون عنصرية واضحة في الجيش، كان يتم فرزهم مباشرة إلى الجبهات الأمامية دون أي اعتبارات أخرى، ما جعل الخدمة الإلزامية بالنسبة لهم حكمًا بالإعدام”.
وعن تجربته الشخصية، قال رسلان “أنا كنت الوحيد لوالدتي، وعندما كانت حاملًا بي، عاشت قلقًا وخافت أن يكون المولود صبيًّا، كنت محظوظًا أن أكون وحيدًا، ما أعفاني من الخدمة، بعكس أصدقائي الذين اضطروا إما للسفر أو الالتحاق بالجيش”.
وقال المصور الصحفي ماهر فريح (37 عامًا) للجزيرة مباشر إن الخدمة الإلزامية أجبرته على الهروب والعمل في لبنان لجمع مبلغ البدل الذي يدفعه المغترب لإعفائه من الخدمة، والذي يبلغ 7 آلاف دولار.
وأضاف فريح “عملت محاسبًا، بعيدًا عن مهنتي الأساسية، لجمع البدل. هذا المبلغ كان يمكن أن يساعدني في تأسيس مشروع صغير، لكن الخوف من خدمة مفتوحة المدة اضطرني للاغتراب والعمل في ظروف صعبة”.
وروى وسام إبراهيم، صحفي خدم في الجيش بين عامي 2017 و2024، تجربة مريرة عن بقائه لسنوات إضافية في الخدمة العسكرية، وقال “قضيت 7 سنوات ما بين الخدمة الإلزامية والاحتفاظ، ما أدى إلى تدمير حياتي بالكامل، لم أعد قادرًا على بناء أسرة أو تأسيس مستقبل وظيفي”.
تقليص مدة الخدمة العسكرية
ورأى إبراهيم أن الحل الأمثل هو تقليص مدة الخدمة الإلزامية إلى ما يتراوح بين 3 و6 أشهر فقط، مع التركيز على التدريب الأساسي، موضحًا أن ذلك سيساعد في تخفيف العبء عن الشباب والدولة على حد سواء.
وسلط إبراهيم الضوء على تأثير التجنيد الطويل على الاقتصاد الوطني، قائلًا إنه “يستنزف خزينة الدولة بسبب النفقات الباهظة على الجنود والعتاد والأمور اللوجستية، وفي الوقت نفسه يعطل الشباب عن المساهمة في التنمية”.
ووصف اللواء المتقاعد محمد عباس قرار إلغاء التجنيد الإجباري بأنه قرار “صائب”، قائلًا إنه “استند إلى معطيات واقعية، وأضاف “القوات المسلحة السورية التي يزيد عمرها عن 100 عام تعرضت لتدمير ممنهج خلال الحرب، وإعادة بناء بنيتها التحتية تحتاج إلى عشرات السنين من الاستقرار”.
لكن عباس حذر من أن “غياب التجنيد الإجباري قد يؤثر سلبًا على جاهزية الجيش والقوة البشرية”.
وأشار اللواء عباس إلى أن أحد الأمور الإيجابية للتجنيد الإلزامي كان “تحقيق التماسك الاجتماعي بين أبناء المحافظات السورية، حيث كانت معسكرات الجيش بيئة تدمج الشباب من مختلف المناطق”، مؤكدًا أن الاعتماد على المتطوعين هو أكثر جدوى وكفاءة على المدى الطويل، لأنه يوفر مستوى عاليًا من التخصص والاستمرارية داخل الجيش.
كما رأى عباس أن إلغاء التجنيد الإجباري يسهم في استثمار الطاقات الشبابية التي تعمل في مجالات أخرى بإعادة الإعمار خلال المرحلة المقبلة، بدلًا من تعطيلها في التجنيد الإلزامي.
العبء الأكبر على الفقراء
ويقول خبراء إن التجنيد الإجباري كان أداة تمييز اجتماعي واقتصادي، وحكرًا على أبناء الطبقات الفقيرة، إذ يتمكن الأغنياء من دفع البدل المالي الذي يتراوح بين 7 آلاف و10 آلاف دولار للحصول على إعفاء من الخدمة العسكرية، في حين أن الشباب الذين لا يتمكنون من دفع البدل يجدون أنفسهم أمام خيارات صعبة، بين الهروب والتخفي، أو الاضطرار إلى الخدمة العسكرية.
التجنيد الإلزامي في سوريا أصبح خلال السنوات الماضية واحدًا من مصادر معاناة الشباب السوري، إذ يستنزف سنوات من أعمارهم وطاقاتهم الإنتاجية، حسب المحامي منيب هائل اليوسفي، الذي قال “تحولت الخدمة من فترة تدريب وتأهيل إلى قتال فعلي، ما زاد من مخاطر الموت والإصابة، وهو ما تسبب في انخفاض الروح المعنوية وزيادة حالات الهروب والانشقاقات في صفوف العسكريين”.
وأضاف اليوسفي أن مقترح إلغاء التجنيد الإجباري “قد يحسّن صورة الجيش، ويجعله أكثر جذبًا للمواهب والكفاءات، بدلًا من أن يكون عبئًا على الشباب”.