هل تنجو الثورة السورية من مصير دول الربيع العربي؟.. نيويورك تايمز تجيب

احتفالات عارمة بسقوط نظام الأسد في سوريا (نيويورك تايمز)

في عام 2011، انطلقت الاحتجاجات في سوريا، على غرار ثورات الربيع العربي التي اجتاحت الشرق الأوسط. وكان الهدف الإطاحة برئيس النظام بشار الأسد، ضمن حركة أوسع للإطاحة بالحكام المستبدين في المنطقة.

وبينما حققت الثورات في دول مثل مصر وتونس وليبيا واليمن، نجاحًا سريعًا في إسقاط الأنظمة الاستبدادية، تحولت الثورة السورية إلى حرب أهلية دموية استمرت 13 عامًا. وأدت هذه الحرب إلى مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين، مع تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ متصارعة بين فصائل مختلفة.

واليوم ومع سقوط بشار الأسد، استطاع السوريون أخيرًا أن يشعروا بالفرح الذي عاشه نظراؤهم في دول الربيع العربي الأخرى. لكن هذه الفرحة تأتي متأخرة، بعد أكثر من عقد من المعاناة المستمرة التي حولت حلم الثورة إلى كابوس إنساني وسياسي.

فرحة مشوبة بالألم

وأشارت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في تقرير لها، اليوم الاثنين، إلى أنه بالرغم من أن الدول التي أطاحت بالأنظمة المستبدة قدمت نموذجًا للنجاح الثوري، فإن مساراتها بعد الربيع العربي تشكل تحذيرًا واضحًا.

وذكرت الصحيفة أنه “في مصر وتونس، عادت الأنظمة المستبدة بوجوه جديدة، وأُجهضت محاولات بناء ديمقراطيات تعددية”. وفي ليبيا واليمن، قادت النزاعات بين المليشيات إلى حروب أهلية قسمت البلدين وزادت معاناة شعبيهما.

وفي تصريحات للصحيفة، قال أليستر بيرت، الوزير البريطاني السابق الذي كان له دور بارز في صياغة سياسة بلاده تجاه الشرق الأوسط خلال الربيع العربي، إن “السوريين الذين نجوا من المآسي خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية يستحقون أن يستمتعوا بهذه اللحظة قبل أن يقلقوا بشأن المستقبل”.

وأضاف بيرت محذرًا “في الوقت نفسه، نحن جميعًا نعرف تجربة المنطقة منذ عام 2011. نريد أن نأمل الأفضل، لكن علينا أن نستعد للأسوأ”.

تونس: نقطة انطلاق الربيع العربي

الانتقال السياسي محفوف بالأخطار

وتشهد سوريا مرحلة انتقالية معقدة، حيث يتحتم على الفصائل المعارضة المختلفة، الاتفاق على كيفية إدارة البلاد في حقبة ما بعد الأسد. فرغم أن “هيئة تحرير الشام” قادت الهجوم السريع الذي أطاح بالعاصمة دمشق، فإنها الآن تواجه منافسة من مجموعات أخرى تسعى لفرض نفوذها.

وتعد “هيئة تحرير الشام” الآن المجموعة الأكثر نفوذًا في سوريا، لكنها تتنافس مع فصيل مدعوم من تركيا يتمركز في شمال البلاد، إضافة إلى تحالف كردي علماني في شرق سوريا تدعمه الولايات المتحدة. وفي جنوب البلاد، تهيمن مجموعات متمردة محلية، بما في ذلك مليشيات يقودها أبناء الأقلية الدرزية.

وكانت “هيئة تحرير الشام” سابقًا مرتبطة بتنظيم القاعدة، لكنها تحاول الآن تقديم نفسها على أنها حركة معتدلة تسعى للحفاظ على حقوق الأقليات السورية المتعددة، بما في ذلك المسيحيون والدروز والعلويون.

مخاوف من استمرار الصراع

ومع ذلك، حذّر محللون من أن الهيئة، التي صنفتها الولايات المتحدة “منظمة إرهابية”، قد تطيل أمد الحرب الأهلية إذا لم تفِ بوعودها. إذ قد تشعر مليشيات الأقليات المختلفة بالحاجة إلى الدفاع عن مناطقها ضد الحكومة المركزية الجديدة.

وقال أليستر بيرت “لا يمكنك أن تخبر الناس أنهم بأمان، وأن عليهم أن يصدقوا ذلك. ولهذا السبب، فإن سلوك هيئة تحرير الشام وجميع من يحملون السلاح حاليًّا في المدن المحررة أمر بالغ الأهمية”.

وأشارت الصحيفة، إلى أنه من المتوقع أن تسعى قوى أجنبية، مثل إيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة، التي تدعم أطرافًا مختلفة في الصراع السوري، للحفاظ على نفوذها في الحقبة الجديدة؛ مما قد يؤدي إلى إطالة أمد الخلافات الداخلية في سوريا.

أحمد الشرع، المعروف بـ"أبو محمد الجولاني"، في المسجد الأموي بدمشق (غيتي)
أحمد الشرع، المعروف بـ”أبو محمد الجولاني”، في المسجد الأموي بدمشق (غيتي)

ماذا عن فلول نظام الأسد؟

وأشارت نيويورك تايمز إلى أنه لا تزال نيات ودور الجنرالات ورؤساء الأجهزة الأمنية السابقين في نظام الأسد غير واضحة، إذ قد يؤدون دورًا حاسمًا في أي ترتيبات جديدة لتقاسم السلطة، على غرار ما حدث في دول أخرى أطيح فيها بالأنظمة بين عامي 2011 و2012، على حد وصف الصحيفة.

ففي ليبيا، أُجريت انتخابات بعد الإطاحة بالعقيد معمر القذافي عام 2011، لكن البلاد انقسمت منذ اندلاع الحرب الأهلية بعد ثلاث سنوات فقط.

أما في اليمن، فبعد رحيل علي عبد الله صالح عام 2012، اندلعت حرب أهلية سمحت للحوثيين، بالسيطرة على العاصمة صنعاء.

وكانت تونس تُعتبر الأكثر نجاحًا بين دول الربيع العربي، حيث أجرت عدة انتخابات بعد سقوط زين العابدين بن علي. لكن البلاد عادت إلى حكم الرجل الواحد عام 2021 عندما ألغى الرئيس قيس سعيد القيود المفروضة على سلطاته، وبدأ تقييد الإعلام وإضعاف القضاء والسيطرة بشكل أكبر على الهيئات الانتخابية.

ما الذي يميز التجربة السورية عن مثيلاتها في الربيع العربي؟

ومع تعقيد الديناميكيات الداخلية في سوريا، يرى البعض أن رحيل الأسد قد يزيد اتساع الانقسامات التي خلفتها الحرب المستمرة منذ 13 عامًا بدلًا من معالجتها.

لكن محللين آخرين يعتقدون أن التجربة القاسية التي خاضها السوريون خلال الحرب قد تمنحهم القدرة على تحقيق ما لم تستطع شعوب مصر ودول أخرى تحقيقه.

وتقول سنام وكيل، رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد “تشاتام هاوس” في لندن، إن المعاناة الطويلة للسوريين أعطتهم وقتًا أطول للتحضير لهذه اللحظة، والتفكير في كيفية التعامل مع مرحلة ما بعد الأسد. وأضافت “هذا ما يميز هذه اللحظة في سوريا. لقد حدث الكثير من التعلم، والتعبئة، والنشاط”.

مظاهرات بمناسبة مرور 12 عاما على الثورة السورية في إدلب (الأناضول)

“الشعب السوري تعلم الكثير”

وفي الوقت الحالي، يعبر العديد من السوريين عن رغبتهم في الاستمتاع بلحظة الفرح بسقوط الأسد. فقد أشرف الأسد على نظام قاسٍ ألقى بمئات الآلاف من معارضيه في سجون قذرة ومكتظة، حيث تعرض الآلاف للتعذيب والقتل. وأسقطت قواته آلاف البراميل المتفجرة على المدنيين، واستخدمت الأسلحة الكيميائية ضد بعضهم.

ورفض الأسد التخلي عن السلطة عام 2011؛ مما أدى إلى حرب أهلية دامية شردت الملايين، ودمرت أجزاء كبيرة من البلاد.

ويقول هاشم السويقي، وهو موظف حكومي سوري سابق احتُجز وعُذب في بداية الحرب ثم لجأ مع أسرته إلى أوروبا، “مهما حدث بعد الآن، لن يكون أسوأ من نظام بشار الأسد”.

وأضاف في مقابلة هاتفية: “نعم، هناك قلق بشأن المستقبل، لكن في الوقت نفسه، لديّ إيمان بأننا سنتجاوز هذه المرحلة. لقد تعلم الشعب السوري الكثير خلال هذه السنوات الثلاث عشرة”.

المصدر : نيويورك تايمز

إعلان