ماذا يفعل آلاف المسلمين داخل حزب بهارتيا جاناتا الحاكم في الهند؟ وأي تحديات تواجههم؟
تسبب طرد واعتقال الرئيس السابق لوحدة الأقلية في حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي “عثمان غني” في إلقاء الضوء على التعقيدات التي يواجهها الأعضاء المسلمون داخل الحزب.
فُصل الرئيس السابق لوحدة الأقلية في بيكانير بولاية راجستان عثمان غني من الحزب الحاكم في 24 نيسان / أبريل الماضي، ووفقًا لتقارير إعلامية فقد اعتقلته الشرطة المحلية التي يديرها الحزب القومي الهندوسي، بتهمة تشويه صورة رئيس الوزراء وزعيم الحزب ناريندرا مودي، باعتبار أن مثل هذه التصريحات لا تناسب رئيس وزراء دولة متنوعة ومكتظة بالسكان مثل الهند.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsاعتداءات على مسلمين ومنعهم من التصويت في ولاية أوتار براديش الهندية (فيديو)
انتخابات الهند وتحديات الوجود الإسلامي.. القادم أخطر!
المسلمون في الهند.. ورقة للمغازلة بين المعارضة والحزب الحاكم على وقع الانتخابات
محمد جليس خان، أحد الذين عملوا عن كثب مع العديد من الحكومات في دلهي، أكد وجود آلاف المسلمين الذين يعملون داخل الحزب الحاكم لأسباب سياسية مختلفة.
واستدرك خان قائلا إن الأعضاء المسلمين يواجهون مجموعة من التحديات الخاصة بهم، فبين التعامل مع الخطاب التمييزي إلى التوفيق بين المعتقدات الشخصية وأيديولوجية الحزب، يجد الأعضاء المسلمون في حزب بهاراتيا جاناتا أنفسهم مطالبين بحالة من التوازن الدقيق.
ورغم مساهماتهم وتفانيهم في خدمة الحزب، فإن الأعضاء المسلمين غالبًا ما تصيبهم سهام الشكوك من داخل وخارج صفوف حزب بهاراتيا جاناتا.
وفي لوحة السياسة الهندية المعقدة، تعكس تجارب المسلمين العاملين داخل الحزب الهندوسي تفاعلًا معقدًا يتخلله الولاء، والهوية، والتأثير المتنامي للخطاب التمييزي الصادر من داخل صفوف الحزب.
وبينما يتبنى حزب مودي منصة قومية وتنموية، فإن الحقيقة للعديد من أعضائه المسلمين هي مشهد مليء بالتحديات، إذ يتبنّى قادته المسلمون البارزون في بعض الأحيان خطابات غارقة في الكراهية والتمييز ضد مجتمعهم، ما يشكل لهؤلاء الأعضاء تحديا عميقا لتوافق أنفسهم مع اتجاه الحزب: كيف يمكن لهؤلاء الأعضاء المسلمين توفيق ولائهم لحزبهم مع التصريحات المثيرة للانقسام التي تصدر من قادته؟ وكيف يجتازون التحديات الداخلية مع الحفاظ على مسؤولياتهم المهنية؟
بالنسبة للكثيرين، تكمن الإجابة في تحقيق توازن دقيق، حيث يلتزمون بقناعاتهم الشخصية، وفي الوقت ذاته ينظرون إلى الأمور من منظور عملي؛ حين يواجهون تصريحات مهينة من داخل حزبهم، فإنهم يجدون طرقا للتخفيف من تأثير تلك التصريحات.
القيادي البارز داخل الحزب السياسي الحاكم وممثل الجالية المسلمة في دلهي عاطف رشيد، أوضح خلال مقابلته مع الجزيرة مباشر أن الآلاف من المسلمين منضمون تحت مظلة الحزب السياسي الحاكم في الهند، الذي يقدر عدد أعضائه نحو 180 مليون فرد، ما يجعله على قمة أكبر الأحزاب السياسية على مستوى العالم.
وأكد رشيد على وجود العديد من المسلمين في المناصب القيادية العليا داخل الحزب، نافيا بذلك وجود أي تمييز بين الأعضاء. كما أردف رشيد بأن الحكومة تعمل بجدية على حل مشاكل الأقليات وتحسين وضعها، مشيرًا إلى أن التقدير يتم بشكل تدريجي ومتواصل.
وفي ظل تصاعد المنافسة السياسية في الهند مع استمرار الانتخابات الجارية، تقابل تصريحات رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي اتهامات بالتحيز ضد الإسلام، وذلك في سياق سعيه للفوز بولاية ثالثة، إذ أثارت كلماته المعادية للأقلية المسلمة جدلاً واسعاً، واستُقبلت بانتقادات حادة بسبب تأجيجه للتوترات الطائفية وتعزيزه للصور النمطية السلبية.
وبحسب تقارير، فقد ألمح مودي في تصريحاته إلى المسلمين باعتبارهم “متسللون” ودعا إلى ضرورة التصدي لما وصفه بـ “جهاد التصويت” في إشارة إلى إمكانية تأثير الناخبين المسلمين على العملية الانتخابية.
بالإضافة إلى ذلك، نشر أنصار الحزب مقاطع فيديو وصوراً تصور المسلمين الهنود بشكل سلبي، مما زاد من تفاقم التوترات وتعميق الانقسامات داخل المجتمع.
دافع حزب بهاراتيا جاناتا بسخرية عن هذه التصرفات باعتبارها معالجة لـ “الحقائق الحادة”، لكن القادة المسلمين داخل الحزب شعروا بتداعياتها بشدة، فقد اختار العديد منهم الانسحاب من تحت الأضواء، ورفضوا الظهور في المقابلات الإعلامية وتجنبوا التفاعل مع المراسلين الذين يسعون للحصول على ردود فعل منهم بشأن هذا الجدل.
ويكشف هذا الانسحاب من الخطاب الإعلامي عن التحديات التي يواجهها القادة المسلمون داخل حزب بهاراتيا جاناتا، إذ يجدون أنفسهم عالقين بين الولاء للحزب والحاجة إلى معالجة المخاوف داخل مجتمعهم، كما يكشف صمت هؤلاء القادة الكثير عن الديناميكيات والتوترات الداخلية داخل الحزب، فضلاً عن التداعيات الأوسع للخطاب المثير للانقسام على الخطاب السياسي والتماسك المجتمعي.
لكن القيادي عاطف رشيد تهرب من الرد المباشر على السؤال المتعلق بسبب عدم تحدثه علنًا ضد تصريحات الكراهية، وبدلاً من ذلك، ألقى اللوم على حزب المؤتمر المعارض، واتهمهم بترويج روايات سلبية عن رئيس الوزراء، مضيفًا أن مودي يملك حسن النية تجاه المسلمين في الهند.
مسؤولة مسلمة أخرى داخل الحزب رفضت الكشف عن هويتها اتهمت في حديثها للجزيرة مباشر ما سمته بـ “وسائل الإعلام غير المسؤولة” بالتسبب في تزايد الخوف من الإسلام، مضيفة أنه “لا يوجد سبب يدعو المسلمين إلى القلق”.
وتسلط وجهات نظر الخبراء والمحللين الضوء على الديناميكيات الداخلية ضمن حزب بهاراتيا جاناتا، حيث يلاحظ أن القادة المسلمين يتحكمون في أنفسهم ويمتنعون عن التعبير العلني أو الانتقاد لخطاب القيادة، وتلفت هذه الثقافة الساكنة إلى تشابك السلطة داخل الحزب، حيث تكون الأولوية للالتزام والولاء للحزب على حساب التعبير الفردي أو المعارضة.
ونفت المسؤولة التي تشرف على شؤون الحج في الهند، وتقلدت منصبا حكوميا بارزا، صمت الأعضاء المسلمين في الحزب، مؤكدة أن الجميع يسعى لمساعدة رئيس الوزراء مودي على تحقيق أداء متميز. وأضافت قائلة: “نحن لا نفكر في “من يقول ماذا” بل نفكر فقط في “من يفعل شيئًا عظيمًا”.
كما رفضت المسؤولة الهندية الرد على الاستفسار حول التداعيات التي يواجهها المسلمون داخل الحزب الهندوسي في حال تحدثوا ضد مودي، ولم تعلق على اعتقال عثمان غني، الذي لم يُطرد فقط بل اعتُقل بسبب معارضته لتصريحات مودي.