انضمام جوبا المفاجئ لاتفاقية عنتيبي.. هل يفتح جبهة جديدة في الصراع على مياه النيل؟

إثيوبيا بدأت توليد الكهرباء من سدها الضخم على النيل الأزرق (الفرنسية)

عادت اتفاقية الإطار التعاوني لحوض نهر النيل (عنتيبي) التي ترفضها بقوة مصر والسودان، إلى الواجهة بعد 14 عاما من الجمود، عقب تصديق دولة جنوب السودان المفاجئ عليها.

ويُعد انضمام جوبا إلى الاتفاقية تطورا في ملف مياه النيل، يُمثل تحديا كبيرا لدولتي المصب -مصر والسودان– ويُشكل في الوقت ذاته دعمًا قويا لموقف إثيوبيا في أزمة سدّ النهضة وسط تساؤلات حول هذا التطور في موقف جنوب السودان.

وتُمثل هذه الخطوة -بحسب مراقبين- علامة فارقة في العلاقات بين القاهرة وجوبا، خاصةً مع الأخذ في الاعتبار الروابط القوية التي تربطهما، إذ كانت مصر ثاني دولة بعد السودان تعترف باستقلال جنوب السودان عام 2011.

“لحظة تاريخية بالنسبة لإثيوبيا”

وسارع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى الإشادة بتلك الخطوة التي وصفها بأنها “لحظة تاريخية بالنسبة لإثيوبيا”، والتزمت مصر الصمت رسميا حتى الآن.

وقال في تغريدة عبر حسابه على منصة إكس “يمثل هذا الإنجاز الدبلوماسي خطوة مهمة في تطلعنا الجماعي للتعاون الإقليمي في حوض النيل، وسيوفر التصديق قوة دفع للعمل من أجل تحقيق الصالح المشترك لشعوبنا من خلال إنشاء مفوضية حوض النيل”.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، أعلنت مصر انتهاء مسار مفاوضات سد النهضة من دون التوصل إلى اتفاق بين دولتي المصب ودول المنبع، في حين واصلت أديس أبابا، أعمال البناء وأنجزت 95% منها وتستعد هذا الصيف للملء السنوي الخامس.

إثيوبيا بدأت توليد الكهرباء من سدها الضخم على النيل الأزرق (الفرنسية)

دول حوض النيل

يتكون حوض النيل من 11 دولة، وهي: دول المنبع، وتشمل بوروندي، ورواند، وأوغندا، وتنزانيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وكينيا، وإثيوبيا “منبع النيل الأزرق”.

أمّا دول المصب فهي مصر، والسودان، ودولة جنوب السودان، وإريتريا (بصفة مراقب).

ما هي اتفاقية عنتيبي؟

تم توقيع اتفاقية عنتيبي عام 2010 من قبل 5 دول هي إثيوبيا، وكينيا، وأوغندا، وتنزانيا، ورواندا، وتنهي هذه الاتفاقية الحصص التاريخية لمصر والسودان في مياه النيل من خلال إدخال مفهوم “توزيع المياه العادل”.

وتنقل الاتفاقية النفوذ على نهر النيل من دولتي المصب إلى دول المنبع، وتلغي الحظر التاريخي على دول المنبع في إقامة منشآت على ضفاف النيل، كما تلغي “الفيتو” المصري على مشروعات دول المنبع.

وتتمسك القاهرة والخرطوم باتفاقيات تقاسم مياه النيل الموقعة أعوام 1902 و1929 و1959، وتضمن لمصر حصة قدرها 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنويا وللسودان 18.5 مليار متر مكعب من مياه النيل البالغة 84 مليار متر مكعب سنويا.

أحد المراحل الإنشائية لسد النهضة الإثيوبي (غيتي – أرشيفية)

الضغط على مصر

يُعد التصديق على اتفاقية عنتيبي بمثابة اختبار حقيقي للعلاقات بين مصر وجنوب السودان، ويُثير تساؤلات حول مستقبل تلك العلاقات، ويفتح جبهة جديدة في الصراع على مياه النيل خاصة لمصر والسودان.

ووصف وزير الموارد المائية والري السابق، محمد نصر الدين علام، توقيع جوبا على الاتفاقية بأنه عدوان على العلاقات الوثيقة بين البلدين.

وقال “علاقة جنوب السودان بإسرائيل وأمريكا طيبة وهما يزودانها بالسلاح، وعلاقتها بمصر طيبة تزودها بالتنمية، ولكنها يبدو فضلت السلاح على التنمية ورضخت لمطالبهما بالتوقيع على الاتفاقية”.

وأكد في تصريحات، للجزيرة مباشر، أن الاتفاقية لن تدخل حيز التنفيذ لأنها تتطلب موافقة سبع دول من حوض النيل، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، على حد قوله، وبالتالي فإن انضمامها وعدمه سواء.

ورأى علام أن الهدف من انضمام جنوب السودان إلى الاتفاقية هو الضغط على مصر ولكنه لا يؤثر في مفاوضات سد النهضة المتوقفة أصلًا، مشيرا إلى أنها خطوة غير موفقة وغير متوقعة.

وفيما يتعلق بموقف مصر وعدم تعليقها حتى الآن على تلك الخطوة، أوضح الوزير السابق أنه لا يستطيع التعليق على موقف مصر الرسمي، ولكنه يتوقع أن تفصح عن موقفها في الوقت المناسب.

لا مفوضية بدون مصر والسودان

أما الدكتور أحمد المفتي، أستاذ القانون الدولي والعضو السابق بالوفد السوداني في مفاوضات سد النهضة، فأكد أن “انضمام دولة جنوب السودان إلى اتفاقية عنتيبي لا يكمل النصاب القانوني للبدء بإجراءات تأسيس المفوضية”.

وأوضح، للجزيرة مباشر، أن النصاب القانوني يتطلب موافقة سبع دول من حوض النيل، وحتى الآن وافقت ست دول فقط، والدول التي لم توافق بعد تشمل السودان، ومصر، والكونغو، وبوروندي، وإريتريا (بصفة مراقب).

ورأى أستاذ القانون الدولي أن إنشاء مفوضية دول حوض النيل، التي ستنشأ بموجب الاتفاقية، التي ستحل محل مبادرة دول حوض النيل “غير قانونية”.

وأشار إلى أنها تتطلب تصديق كل دول حوض النيل على اتفاقية عنتيبي، إذ إن الهدف منها هو ضمان الاستقرار في حوض النيل وليس خلق أو تأجيج الصراعات.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان