المانجو تقلب الموازين في السوق المصرية بعد تهاوي أسعارها.. ما السبب؟

إقبال متزايد على شراء المانجو ( الجزيرة مباشر)

“معسلة يا مانجا. أرخص من البطاطس يا مانجا”. تتداخل الأصوات وترتفع لتكون هي أول ما يجذب سمع المترددين على سوق الفاكهة والخضراوات بمنطقة السادس من أكتوبر بجنوب غرب القاهرة.

“لا صوت إذن يعلو على صوت المانجا”. هكذا يقول أبو سعيد أحد تجار تلك الفاكهة المحببة إلى المصريين والتي تحظى بسمعة عالمية جيدة رغم أنها ليست الموطن الأصلي لها.

ويبدو أبو سعيد راضيا في حديثه للجزيرة مباشر، عن حجم المبيعات ويقول إن انخفاض الأسعار غير مسبوق نتيجة وجود وفرة كبيرة في الإنتاج.

سعر البطاطس وصل إلى 35 جنيها وتجاوز سعر المانجو (الجزيرة مباشر)

ولم يبتعد أبو سعيد كثيرا عن واقع السوق الذي يكشف في الوقت نفسه عن مزيد من التناقض المتمثل كما يقول مندهشا في أن سعر المانجو أرخص من البطاطس التي تجاوزسعرها 30 جنيها بينما سعر بعض أنواع المانجو يبدأ من 15 جنيها (الدولار يعادل رسميا نحو 48 جنيها).

كما تهاوى سعر بعض الأنواع في سوق العبور ليبدأ من خمسة جنيهات فقط حسب بعض التجار. وبث بعض هؤلاء التجار مقاطع مصورة تظهر تسارع عمليات البيع مع تهاوي الأسعار.

لكن هل تصبح المانجو هي “فاكهة الغلابة” الأولى هذا الصيف؟ يقول يوسف أسامة (موظف حسابات بوزارة الكهرباء) إن “المانجو أضفت البهجة على السوق” مشيرا إلى أن التفكير في أسعار باقي الخضراوات والفواكه يصيبه بالاكتئاب، لكنه يضيف متسائلا “لماذا لا نحقق وفرة في إنتاج البطاطس وتكون المانجو نموذجا”.

وفي محاولة لتوضيح سبب الانخفاض غير المسبوق في سعر المانجو يقول مصطفى هيبة (مرشد زراعي بمنطقة القليوبية التابعة لمنطقة القاهرة الكبرى) إن الحر الشديد أدى إلى إنضاج الثمار قبل موعدها بنحو ثلاثة أسابيع مشيرا إلى أن السوق تشبعت بالإنتاج مبكرا.

ويقول هيبة للجزيرة مباشر إن ما حدث أمر جيد، لكنه قد يتسبب بمشاكل متعددة في المواسم المقبلة، موضحا أن المنتج رغم وفرته ربما أصيب ببعض الأمراض التي تؤدي للعفن وتساقط الثمار.

كما يتوقع ألا يتمكن المستهلك من تخزين كميات الثمار التي اعتاد عليها لاستخدامها لاحقا في فصل الشتاء، موضحا أن الثمرة قد تتعرض للتلف السريع نتيجة إصابتها بـ”العفن الهبابي الأسود”.

ويطالب إسماعيل عبده صاحب مزرعة في منطقة القليوبية بتوفير رعاية حقيقية من الحكومة للمزارعين من خلال خفض أسعار الأسمدة وضمان استمرار وكفاءة عمل المرشدين الزراعيين وتوفير مياه الري.

سعر المانجو 20 جنيها.. يقترب من نصف سعر البطاطس (الجزيرة مباشر)

ويعترف عبده بأن كميات من المنتج لم تأخذ طريقها المعتاد للتصدير للخارج بسبب اكتشاف إصابات وتلف مبكر في بعض الأنواع التي عادت لتباع في الأسواق المحلية.

ويشير عبده أيضا إلى أن الأسمدة والمبيدات التي تباع للفلاح ليست بالكفاءة المطلوبة فضلا عن ارتفاع أسعارها وهو ما يدفع البعض للتعامل مع مغذيات للأشجار غير مطابقة للمواصفات التي يشترطها المستورد في الخارج، لكن المستهلك المحلي اعتاد على التعامل معها، على حد تعبيره.

وتراجعت أسعار المانجو بجميع أنواعها في الأسواق، مع ارتفاع درجات الحرارة، حيث انخفضت الأسعار بنسبة 40% عن العام الماضي، وذلك وفقاً لما صرح به نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، الذي أرجع ذلك إلى وفرة الإنتاج لكنه كشف في الوقت نفسه عما سماها “العشوائية في الزراعة” وقال في تصريح تلفزيوني “الفلاح بيزرع اللي هو عايزه والطماطم هتبقى أغلى من المانجا”.

يأتي ذلك بينما يشير مراقبون إلى تراجع القدرة الشرائية للمصريين وتراجع الإقبال على الفاكهة وتغيير أولويات الشراء بسبب الظروف الاقتصادية الضاغطة.

ويتحدث عبد الحكم الخطيب (مزارع) عبر صفحته على فيسبوك، عن خسائر بسبب تهاوي الأسعار ويقارن أسعار المانجو بأسعار البطاطس مشيرا إلى ارتفاعات مستمرة في تكاليف الإنتاج.

الفضل للصعيد

في هذا السياق وبينما يرجع تجار وفرة الإنتاج إلى دخول محافظات الصعيد بقوة لمنافسة مانجو الإسماعيلية الشهيرة، يتوقع تجار آخرون عودة الأسعار للارتفاع في شهر أغسطس/آب المقبل.

ويقول الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب، للجزيرة مباشر، إن الأمور لم تصل بعد إلى “الركود” ويتفق في الرأي مع نقيب الفلاحين الذي أرجع انخفاض أسعار المانجو إلى وفرة الإنتاج.

وأضاف “المعروض من المانجو يفوق حجم الطلب بخلاف سلع أخرى مثل البطاطس بوصفها سلعة أساسية”. ويرى عبد المطلب أن وفرة المعروض ترجع إلى تخلص التجار مما لديهم بسبب مخاطر أزمة انقطاع الكهرباء.

كما كشف حاتم النجيب، نائب رئيس شعبة الخضراوات والفاكهة، في تصريحات لصحف محلية، عن أن “موسم المانجو، وصل الأسواق قبل أوانه بسبب ارتفاع حرارة الجو”.

واتفق النجيب مع الرأي القائل بأن التغيرات المناخية كانت السبب الرئيسي في اكتمال نمو محاصيل المانجو في أسوان، والإسماعيلية، وغيرها من المحافظات.

وأشار إلى أن المعروض من المانجو يفوق حجم الطلب على شرائها، موضحا أن هناك أيضًا تدنيا للقوة الشرائية، حيث يتجه المستهلك لشراء المنتجات الأساسية وتحديدا من الخضراوات، في حين أن الفاكهة تعتبر ترفيهية.

إقبال متزايد على المانجو في بداية موسم غير مسبوق (الجزيرة مباشر)

من جهة ثانية يرفض سامي عباس (مزارع) اعتماد التغير المناخي سببا لانخفاض السعر هذا الموسم قائلا إن نحو 80% من الفاكهة لم تتأثر كثيرا بدرجات الحرارة المتقلبة في مصر التي لم تصل برأيه إلى موجات حادة.

وقال عباس، للجزيرة مباشر، إن وجود منافس للمانجو في سوق الفاكهة مثل العنب والبطيخ أسهم في انخفاض الأسعار، فضلا عن عدم قدرة الكثيرين على شراء أكثر من نوع بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة الأخرى، على حد تعبيره.

كما يشيرعباس إلى وجود عشوائية في التسعير باختلاف كل منطقة، مع حرص التجار على التخلص من أي مخزون لديهم خوفا من التلف مع انقطاع الكهرباء المتكرر عن ثلاجات التخزين ولدى البائعين.

يشار إلى أن مصر عرفت زراعة المانجو قبل نحو مئتي عام في عهد محمد علي، وحسب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة “الفاو”، تحتل المركز الثالث إفريقيا بإنتاج حوالي 900 ألف طن بعد مالاوي التي تنتج 1.9 مليون طن ثم نيجيريا التي تنتج 940 ألف طن بينما كان السودان قبل الاضطرابات الحالية ينتج 718 ألف طن.

وحسب ما ورد في كناب المؤرخ أحمد الحتة (تاريخ الزراعة في عهد محمد علي الكبير)، “كان العام 1820 شاهدًا على نجاح زراعة المانجو لأول مرة في مديرية قنا بصعيد مصر، كما نجحت الزراعة أيضا في حديقة الروضة بالقاهرة، وذلك حين أمر إبراهيم باشا باستقدام أشجارها من الهند، ونجحت تجارب زراعة المانجو في الصعيد والقاهرة قبل تأسيس مدينة الإسماعيلية التي تحوز شهرة كبيرة في زراعة المانجو في وقتنا الحالي”.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان