تحليل: الاضطرابات في بريطانيا تظهر التأثير الهائل لمنصات التواصل على الحياة السياسية

اضطرابات يقودها اليمين المتطرف في بريطانيا بناء على معلومات مضللة على مواقع التواصل
اضطرابات يقودها اليمين المتطرف في بريطانيا بناء على معلومات مضللة على مواقع التواصل (غيتي)

كشفت الاضطرابات الأخيرة في بريطانيا التحديات الكبيرة التي تواجهها الديمقراطيات الغربية نتيجة اعتمادها على شركات التكنولوجيا العملاقة.

وبينما تواجه الحكومات صعوبة في إدارة تأثير هذه التقنيات على السياسة والثقافة والمعلومات، أصبح من الواضح أن الأدوات المتاحة لمواجهة هذه الأزمات، ومن بينها القوانين القائمة، ليست كافية، إذ تضع هذه الأزمات الحكومات في مواجهة حقيقية مع واقع تأثير التكنولوجيا على الحياة اليومية لمواطنيها.

ولم يتم الشعور بالانفصال بين الحكومات والتقنيات، التي تشكل أساس ثقافات بلدانها وسياساتها وبيئات معلوماتها، بهذا الوضوح من قبل. وتدرك الحكومات أهمية تقنيات الاتصال الرقمية، ولكن قدرتها على إدارة هذه التقنيات تبدو محدودة في ظل الظروف الحالية.

ويقول الباحث أليكس كراسودومسكي في تقرير نشره المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (تشاتام هاوس) إن انتشار نظريات المؤامرة والمعلومات المضللة على المنصات الرقمية أدى إلى تأجيج العنف الذي أثر على المملكة المتحدة خلال الأسبوع الماضي.

ستارمر يتابع مع الشرطة سبل التصدي لأعمال الشغب التي يقودها اليمين المتطرف
ستارمر يتابع مع الشرطة سبل التصدي لأعمال الشغب التي يقودها اليمين المتطرف (غيتي)

اللوم على منصة “إكس”

وبالنسبة للكثيرين في الحكومة وخارجها، يقع اللوم بشكل رئيسي على منصة “إكس”، المعروفة سابقا باسم تويتر، ومالكها إيلون ماسك، الذي دخل في خلاف شخصي مع رئيس الوزراء كير ستارمر بشأن هذه الاضطرابات.

ويقول صناع القرار في المملكة المتحدة إنهم حذروا شركات التكنولوجيا “من الترويج للافكار التي يسعى البعض من خلالها إلى إلحاق الضرر بالمجتمع  وتقسيمه”.

لكن مع عودة هؤلاء المسؤولين أنفسهم إلى المنصات نفسها لنشر تلك التحذيرات، واستخدام زملائهم في الحكومة لهذه المنصات لشكر المجتمعات المحلية وأجهزة إنفاذ القانون، يتضح بشكل متزايد أن منصات مثل “إكس”  تشكل أجزاء حيوية من البنية التحتية الاجتماعية والسياسية والثقافية،  وأن الاستعانة بمصادر خارجية لهذه البنية التحتية يأتي بتكلفة باهظة.

“خرافة أن المنصات غير مسيسة”

ويضيف التقرير أن “الخرافة التي سادت في العقدين الماضيين تمثلت في أن هذه المنصات الرقمية العملاقة غير سياسية”.

وفي حديثه عام 2016، وصف مارك زوكربيرغ فكرة أن المحتوى على فيسبوك قد  أثر على الناخبين، الذين كانوا يختارون بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، بأنها “فكرة مجنونة نوعا ما”. وأعرب منذ ذلك الحين عن ندمه لأن هذا الرد  كان متسرعا للغاية، واتخذ مع معظم المنصات خطوات لتهدئة صناع القرار.

وفي العام 2018، أطلق فيسبوك أرشيفا للإعلانات السياسية التي تم عرضها على  المنصة في محاولة لتعزيز الشفافية. وتبعت غوغل هذا النهج في العام التالي، بينما اتخذت تويتر خطوة أبعد بحظر الإعلانات السياسية تماما. كما أن تيك توك لديه سياسة ضد الإعلانات السياسية.

ويقول المنتقدون إن هذه السياسات غير كافية فقط للتخفيف من  التسييس المكثف لهذه المنصات التكنولوجية، إذ إن تصميم هذه المنصات نفسه يجسد نوعا جديدا من السياسة؛ سياسة تقيس تأثيرها باستخدام المقاييس نفسها التي يعتمد عليها المعلنون، وهي عدد النقرات والمشاهدات والتفاعل.

ماسك أثار غضب ستارمر بسبب تغريداته عن أعمال الشغب في بريطانيا
ماسك أثار غضب ستارمر بسبب تغريداته عن أعمال الشغب في بريطانيا (غيتي)

الخلاف بين ستارمر وماسك

ويرى كراسودومسكي أنه منذ عام 2022، خالفت منصة إكس هذا الاتجاه. ولم  يتردد إيلون ماسك، المستخدم الأكثر متابعة على المنصة، في الانغماس في السياسة.

وفي الأسبوع الماضي، قام ماسك بتضخيم رسائل تندد برد فعل المملكة المتحدة على  الاضطرابات الأخيرة وشارك منشورات تفيد بأن “الحرب الأهلية حتمية”، ووسما مرتبطا بالادعاء بأن تحت قيادة ستارمر، تعاملت سلطات إنفاذ القانون في المملكة المتحدة بشكل أكثر تساهلا مع العنف من قبل الجماعات اليسارية مقارنة باليمين، وهو اتهام رفضه رئيس الوزراء ورئيس شرطة العاصمة.

وقوبل استخدام ماسك للمنصة التي يمتلكها بالاستنكار. ووصفت الأصوات  البرلمانية في المملكة المتحدة تعليقاته على العنف في بريطانيا بأنها  “مؤسفة للغاية” و”لا مبرر لها”.

وحذر رئيس الوزراء الأيرلندي سيمون هاريس من أنه سيتم فرض عقوبات مالية جديدة ومسؤوليات شخصية على شركات وسائل التواصل الاجتماعي في أيرلندا.

وفي وقت سابق من هذا العام، قال ماسك أثناء تلاسن مع المفوضية الأوربية إنه “يتطلع إلى معركة علنية جدا  في المحكمة”. وتبين أن منصة إكس تخرق قانون الخدمات الرقمية الأوربي. وينكر ماسك هذه النتائج، وقد دفع هذا الأمر إلى حدوث مناقشات مع الاتحاد الأوربي.

ويبدو من المحتمل أن تواجه الشركة مشاكل مشابهة مع قانون السلامة الإلكترونية البريطاني عندما يدخل حيز التنفيذ في وقت لاحق من هذا العام.

وزادت في الأيام الأخيرة أهمية تحديث القوانين المتعلقة بوسائل التواصل الاجتماعي، رغم أن هناك شكوكا حول ما إذا كانت هذه  العقوبات ستكون كافية لضبط المجال العام الواسع لتقنيات تبادل المعلومات التي نستخدمها يوميا.

المصدر : وكالة الأنباء الألمانية

إعلان